حول الصراع بين الشرق والغرب ومابينهما ​​​​​​​​​​

1

في المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، جرت تقسيمات لمناطق العالم، على أساسين، عقائدي بين الشرق والغرب، والأخر ارتبط بالتمييز بين عالمي الغنى والفقر، وعرف بالصراع بين الشمال والجنوب. ففي الشمال تتكدس الثروة، وفي الجنوب توجد المواد الخام والقوى العاملة والثروات الطبيعية، رغم أن أهلها لم يتمكنوا بعد من الإمساك بزمام مقاديرهم.
الأحداث التي نتجت عن تلك الحرب، أفرزت واقعا جديدا، اتسم بتصاعد حركات التحرر الوطني، بالقارات الثلاث، آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث كانت من أهم معالم القرن العشرين. وكان استقلال الهند وانتصار الثورة الصينية، البلدان الذان يضمان مخزونا بشريا ضخما نقلة نوعية في مضمار استقلال الشعوب.
أهم ما أفرزته معارك تحرر الجنوب من هيمنة الشمال، هو انقسام العالم، على أسس عقائدية، إلى شرق وغرب، مع وجود بعض الاستثناءات. فالشرق، بقيادة الاتحاد السوفييتي اعتنق الاشتراكية، بينما حافظت الدول الغربية على انتماءاتها الرأسمالية، رغم انتشار الحركة الاشتراكية وأحزابها السياسية بقوة في عدد منها، كفرنسا وإيطاليا واليونان.
ولا شك أن نتائج الحرب العالمية الثانية، واللقاءات المتكررة بين الرئيس الأمريكي روزفلت والسكرتير العام للحزب الشيوعي الروسي ستالين، أثناء الحرب قد رسمت شكل الخريطة الاوروبية لما بعد الحرب.
جاء الزحف السوفييتي إلى ألمانيا، عابرا أراضي أوروبا الشرقية، إلى مدينة برلين، والزحف الأمريكي القادم من الغرب، والذي بلغ أوجه بالوصول إلى الجانب الغربي من المدينة، ليحدد بطريقة لا لبس فيها الشكل الجديد للخارطة الأوروبية. فما هو شرق المدينة، سيكون تابعا لموسكو، وسيرتبط لاحقا بحلف وارسو، وما كان غربها سيرتبط بالولايات المتحدة، ويكون ضمن مصالحها الحيوية، وسيلتزم بالنظام الرأسمالي، ويرتبط عسكريا بحلف الناتو.
وهكذا تم تقسيم القارة الأوروبية، إلى نظامين سياسيين. اشتراكي ويقع في الجزء الشرقي من برلين، وصولا إلى الاتحاد السوفييتي، زعيمة المعسكر الاشتراكي، وأخر، يبدأ من الجزء الغربي من مدينة برلين، غرب أوروبا، وعبر المحيط وصولا إلى الولايات المتحدة، حيث ترتبط بلدانها بعضوية حلف الناتو، والنظام الرأسمالي.
لقد نتج عن هذا التقسيم، واكتشاف سلاح الرعب النووي في الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية، واستخدام هذا السلاح بمدينتي هيروشيما ونجازاكي، اندلاع الحرب الباردة بين القطبين الأعظمين في العالم، الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة. وقد عبرت هذه الحرب عن قوة حضورها ببناء الجدار العازل في ألمانيا، الذي قسم مدينة برلين إلى جزئين شرقي وغربي. وقد كان تدشين هذا الجدار هو بمثابة الاعلان الرسمي عن اندلاع الحرب الباردة.
ولأن بناء حائط برلين كان بداية الافصاح عن اندلاع الحرب الباردة بين الشرق والغرب، فإن انهيار هذا الجدار في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، هو بمثابة الاعلان الصريح عن نهاية تلك الحرب، كما كان أعلانا عن سقوط الامبراطورية السوفييتية، التي سيطرت على الجزء الشرقي من القارة الاوربية، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حتى سقوط الحائط.
اهتمت الولايات المتحدة، بعد هيمنتها على الجزء الغربي من القارة الأوروبية بمشروعين. الأول إعادة الإعمار، من خلال مشروع مارشال، الذي وضع اللبنات الأساسية للوحدة الأوروبية. والمشروع الآخر، هو ربط دول أوروبا الغربية بحلف الناتو، بما أسهم في تحويل الصراع الدموي الطويل بين ألمانيا وفرنسا، إلى تعاون بناء في مجالي الحديد والصلب، وخلق نموذجين رأسماليين باهرين بالقارة الأوروبية.
سقوط حائط برلين، شكل مرحلة جديدة في التاريخ المعاصر، حيث اقترن ذلك بتساقط منظومة الدول الاشتراكية في أوروبا الشرقية، وليتبع ذلك السقوط المدوي للاتحاد السوفييتي نفسه.
موسم الفرح الأمريكي بسقوط الاتحاد السوفييتي لم يستمر طويلا، فبعد رحيل بوريس يلتسون، برز الدور الكارزمي الحقيقي لفلاديمير بوتين، الذي كرر مرارا، أن سقوط الاتحاد السوفييتي كان كارثة على روسيا، وأن أخطاء القيادات التاريخية للاتحاد السوفييتي ليست مبررا لتفكيك هذا النظام. وعمل جل طاقته لاستعادة الدور الروسي بقوة في السياسة الدولية. وقد قطعت روسيا في عهده مسافات طويلة على هذا الطريق، وتمكنت من استعادة هيبيتها وقوة حضورها في الساحة الدولية.
وقد تزامن ذلك بحضور آخر، قوي أيضا للصين الشعبية، التي دخلت مجال التصنيع بشكل سريع قل وجود نظير له في التاريخ الإنساني. ورغم أن الخيارات الاقتصادية هذه المرة، تعدت الشكل السابق الذي ساد أبان الحقبة الاشتراكية، لكن معالم الصراع بين الشرق والغرب، لم تنته، واتخذت أشكالا جديدة، ربما تكون أكثر حدة ومرارة، ستكون موضع مناقشات مكثفة في أحاديث قادمة.

التعليقات مغلقة.

د.يوسف مكي