بين الذاتي والموضوعي

9

​​​​​​​​د. يوسف مكي
خلال أسبوع واحد، أجريت لي عمليتين جراحيتين، بمستشفى 6 أكتوبر، التابع لكلية الطب بجامعة أكتوبر. الاولى وهدفت إلى إزالة التضخم بالبروستاتا، بتقنية التبخير، والأخرى لاستئصال حصوات بالمثانة، أدى انزلاقها، بعد العملية الجراحية الأولى، لانسداد المسالك البولية. وفي كلتا العمليتين، كان للدكتور شريف صلاح عزب، استاذ ورئيس قسم المسالك البولية والعقم وأمراض الذكورة في كلية الطلب بجامعة 6 اكتوبر بالقاهرة، الدور البارز والأساسي، في قيادة فريق المساعد، الذي أجرى العمليتين.
كان اختياري للدكتور عزب، قد تم بناء على توصية من صديق عزيز، عزز من الاختيار ما قرأته عن سيرته، من وسائل التواصل الاجتماعي. وحين أتحدث عن سيرته، فإني لا أتناوله، طبيبا ماهرا ومقتدرا، فحسب بل عن الجانب الإنساني، الذي بقناعتي هو الأبرز في شخصيته. فهو لا يكتفي بتنفيذ العملية، وبزيارة خاطفة للمريض على سريره، أثناء الإقامة بالمستشفى، بل يتابع السؤال، حتى بعد العودة إلى المنزل، جامعا بين مهارة الاتقان والبعد الإنساني. يتواصل شخصيا مع الأهل، ويقوم بتطمينهم.
ليس ذلك فقط، بل إنه لا يتردد في مواصلة التواصل مع مرضاه، حتى بعد عودتهم إلى مقار سكناهم، أثناء عطلة نهاية الأسبوع، للاطمئنان على أوضاعهم الصحية. فله خالص الشكر والعرفان.
بالتأكيد كان لزوجتي الغالية باسمه، الدور الأكبر والأساس، في تخفيف معاناتي، أثناء رحلة المرض، سهرا، ورعاية ودفئا، وكان لابني الأكبر وليد، وأخواته سلمى وسمر وجنين، دورا يعتد به، في الراحة النفسية، التي حظيت بها، أثناء هذه الرحلة.
في المنزل، عدت مجددا، لمتابعة ما يجري من أحداث جسام، في ربوع العالم. ففي المنطقة العربية، تتواصل العربدة الإسرائيلية، بحق أهلنا، في فلسطين، بقطاع غزة والضفة الغربية، ويقوم المستوطنون الإسرائيليون باقتحامات متكررة، للمسجد الأقصى. ويوسع جيش الاحتلال، قضمه للأراضي السورية، لتشمل الجولان كله، بما في ذلك مدينة القنيطرة، التي دفع الجيش السوري، آلافا مؤلفة من الشهداء، لتحريرها، في معركة تشرين/ اكتوبر عام 1973. وتقدر مصادر محايدة، ما تم احتلاله من الأراضي السورية، بأكثر من 600 كيلومترا مربعا.
أما في لبنان، حيث جرى الإعلان عن وقف شامل لإطلاق النار، في فجر الأربعاء، الموافق 27 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، بين إسرائيل والحكومة اللبنانية، لمدة ستين يوما، وبوساطة ورعاية أمريكية، وتأييد عربي واسع لها، التزم بها اللبنانيون، وواصل جيش الاحتلال الاسرائيلي، وبشكل يومي ومتعمد خرقها. وخلالها، تسلمت المؤسسات الثلاث، بالدولية اللبنانية، الرئاسية والحكومية والدستورية، مهام متابعة وقف إطلاق النار، والتفاهم مع المؤسسات الدولية حوله، بما يشمل اليونيفيل والأونروا، وهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
الاتفاقات التي يوقع عليها الإسرائيليون، لا تساوي من وجهة نظرهم قيمة الحبر المسكوب، لصياغتها، وفي النهاية هي مجرد حبر على ورق. والمجتمع الدولي، يقف عاجزا، عن اتخاذ أي قرار، يلجم الغطرسة الإسرائيلية، فاليانكي الأمريكي، لا يقدم لها الدعم السياسي والعسكري فقط، بل يحول بسيف الفيتو الممنوح له بمجلس الأمن الدولي، دون صدور أي قرار أممي سوءا بإدانة حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل، على المدنيين في غزة، والذين تقدر مصادر وزارة الصحة بالقطاع أعدادهم، بأكثر من ستين ألفا، من القتلى، وأربعة أضعاف أمثالهم من الجرحى.
وذات السلوك، ينسحب على الدور الأمريكي، في نصرة إسرائيل، في عربدتها على الأراضي اللبنانية، رغم كونها الراعي بموجب اتفاق وقف اطلاق النار، لضمان استمراريته من الجانب الإسرائيلي.
لقد التزمت الحكومة اللبنانية بقرار وقف اطلاق النار، حتى الوقت الراهن، دون خرق واحد له، منذ توقيعه، رغم أن القانون الدولي وشرعة الأمم تكفل لهم، حقهم في الدفاع عن أنفسهم، بمختلف الوسائل التي يمتلكونها، بما في ذلك حق الرد على اطلاق النار. وهذا الحق مكفول أيضا، للسوريين، الذين تعرضوا لضربات قوية وفتاكة من قبل الجيش الإسرائيلي.
إن غضبا عالميا، آخذ في النمو، على المستوى الرسمي والشعبي. شمل هذا الغضب، محكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية. وتسلل إلى قلب المدن الأمريكية، في نيويورك وواشنطن وديترويت ولوس انجلوس. كما تسلل إلى دول الاتحاد الأوربي. لقد فقدت اسرائيل، بريقها، البريق الذي روج له الاعلام الغربي، على أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط. وباتت الآن على المستوى الشعبي، وبشكل واسع دولة منبوذة، تمارس حرب الإبادة والتجويع بحق المدنيين، من النساء والأطفال والمسنين.
هناك مشاكل أخرى، كبرى يواجهها العالم، كالحرب الروسية على أوكرانيا التي وصفت بالعملية العسكرية الخاصة، والتي مضى عليها حتى اللحظة التي تقترب من نهاية عامها الثالث، والحرب في السودان، بين الجيش وقوات التدخل السريع، والصراع في اليمن، ومعالجة هذه القضايا، فرادى أو مجتمعة، بحاجة إلى إرادة دولية، لعل الأهم فيها، هو إعادة تشكيل هيكلة النظام الدولي، الذي مضى على تأسيسه، قرابة ثمانين عاما.
وبالنسبة للقضايا الخاصة بالعرب، فإن الثقل الاقتصادي والسياسي للأمة، ينبغي أن يستثمر، في صيانة أمنها القومي، والدفاع عن وجودها. وما لم يسهم العرب جميعا، حكاما ومحكومون، في حماية أمتهم من التدرر، فعلينا انتظار المزيد من التشظيات والانهيارات.

د.يوسف مكي