عدوان إسرائيلي على أسطول الحرية

0

​​​​​د. يوسف مكي
بعد فترة قصيرة من بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة في غزة، قتلا وتجويعا وتعطيشا، بدأت حملات أساطيل الحرية في التدفق لشواطئ غزة، غالبيتها من نشطاء أوروبيين ومن تركيا وماليزيا وجنوب أفريقيا وعرب ومسلمين، وقد بدأ مناصرو السلام من مختلف القارات القديمة، اسيا وأفريقيا وأوروبا بجمع التبرعات في أوساطهم بأريحية. وقد اتجهوا بسفن صغيرة الى شاطئ غزة، لكن جيش الاحتلال، كان يحول باستمرار دون وصول المساعدات الإنسانية وكسر الحصار. وطيلة فترة الحصار كانت الحكومة الإسرائيلية، تكتفي بحجز السفن، وطرد المبحرين عليها وإعادتهم إلى المواقع التي انطلقت منها سفنهم.
حملة التضامن مع غزة، كان الأبرز فيها خلال هذا الأسبوع، هو اضراب الموانئ والنقابات العمالية الإيطالية، بدعم من نشطاء التضامن مع فلسطين، في ميناء تارانتو، لإحباط محاولة شركة الطاقة العملاقة “ايني” تصدير شحنة وقود كانت متجهة لإسرائيل، على متن السفينة سيسالفيا. وقد جاء هذا التحرك في إطار تعبئة شعبية واسعة تحت شعار “اغلقوها”، شملت إضرابات واحتجاجات في وسائل النقل العام، ومحطات القطارات والموانئ والطرق السريعة، رفضا لأي دعم مباشر أو غير مباشر، للعدوان على غزة.
في هذا السياق، أعلنت شركة “ايني” رسميا أن السفينة لن تدخل ميناء ترانتو، وأنها لا تزال راسية في خليج المدينة، في وقت تتصاعد فيه المطالبات الشعبية والنقابية، بوقف جميع صادرات الطاقة إلى إسرائيل، ورفض تقديم أي شكل من أشكال الدعم، لسياسات الاحتلال والفصل العنصري، بحق الشعب الفلسطيني في غزة.
في الأيام الأخيرة، هاجمت مسيرة إسرائيلية، السفينة “الما” التابعة لأسطول Global التي كانت تحمل نوابا أوروبيين من إيطاليا وبولندا وانجلترا. وهو عمل غير أخلاقي من أعمال القرصنة، مناف للأعراف والقوانين الدولية، خاصة وأن الهدف من قدوم هذه السفينة هو مواجهة حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على القطاع، وتقديم الدعم والمساندة لشعب غزة المظلوم. وقد أكدت اللجنة الدولية لكسر الحصار، في بيان لها، ما جرى من اعتداءات إسرائيلية على أسطول الحرية، بتفاصيل أكثر.
ويذكر أن أكثر من خمسين سفينة قد أبحرت من عدة موانئ بحرية، مثل ميناء جينوه بإيطاليا وبرشلونة اسبانيا، وتونس. والمشاركون يشملون نشطاء معروفين من أربعة وأربعين دولة، منهم أطباء وفنانين وصحفيين ومحامين. وقد اتهمت إسرائيل الناشطين الذين اضطلعوا بالقيام بعمل إنساني سلمي بالإرهاب، كونهم يسعون إلى كسر الحصار عن الإرهابيين. إن ممارستها المنافية لكل قوانين الأرض والسماء، من وجهة نظرها هي عمل مشروع، ولا غبار عليه.
وقد دفع السلوك العدواني الإسرائيلي، تجاه سفن الحرية، بعدد من الدول بينها اسبانيا وإيطاليا، العضوين بحلف الناتو، إلى أرسال سفن عسكرية صغيرة “فرفاطات” لمرافقة أساطيل الحرية، المبحرة من أراضيهما، والتأكد من سلامة وصولها إلى غزة، ومواجهة القوة العسكرية الإسرائيلية التي تتعرض لها، إن لزم الأمر.
وفي ذات الاتجاه، وقع أكثر من ثمانين عضوا في البرلمان البريطاني، رسالة تطالب وزيرة الخارجية، أيفيت كوبر بضمان عدم إلحاق أي ضرر بأعضاء أسطول “الصمود” الهادف إلى كسر الحصار عن غزة. وقد عبر وا عن قلقهم نظرا لطريقة تعامل إسرائيل مع القوافل سابقا، معربين عن الحق في الاحتجاج السلمي. وقالوا في الرسالة: “نشعر بالقلق من أن إسرائيل تخطط لمعاملة هذه البعثة الاغاثية بعدوانية مماثلة، مما يعرض سلامة المواطنين البريطانيين للخطر”. وقد برز من الموقعين على الرسالة زعيم حزب العمال البريطاني السابق، جيرمي كوربين، بالإضافة إلى النائبة عن حزب العمال ديان أبوت، التي أسست حزبا جديدا مع كوربين.
إن المواقف البريطانية من الحصار الجائر على الفلسطينيين، ربما تأتي استجابة لعقدة ضميرية تجاه الشعب الفلسطيني، الذي اغتصبت أرضه، تنفيذا لوعد بلفور البريطاني، بجعل فلسطين وطنا قوميا لليهود.
ما تناولناه ليس سوى، غيض من فيض، من ردود الأفعال الدولية تجاه جريمة الهجوم الإسرائيلي على أساطيل الحرية، بإسناد ودعم كاملين من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. لقد طرح الرئيس الأمريكي في الأيام الأخيرة، مشروعه الجديد لوقف إطلاق النار بغزة، يتضمن الافراج السريع عن جميع الأسرى، وانهاء الحرب بوقف إطلاق نار دائم. كما يتضمن انسحاب إسرائيلي تدريجي من القطاع، وانهاء حكم حماس، ونزع سلاح القطاع، مع اصدار عفو عام عن قادة حماس إذا غادروا القطاع. وعلاوة على ذلك تضمنت خطة ترامب، نشر قوة أمنية من دول عربية، وإشراك محدود للسلطة الفلسطينية في الحكم المدني في غزة.
فيما يتعلق بالضفة الغربية، أشار ترامب إلى أنه لن يسمح لنتنياهو بضم الضفة، لكنه لم يتحدث عن مصير عشرات المستوطنات الإسرائيلية المنتشرة في محيط مدن الضفة الغربية، وبالقدس الشرقية. ولم يتأكد بعد ما إذا كانت خطة ترامب تجاه القطاع والضفة الغربية، هي موضع ترحيب من الحكومة الإسرائيلية.
إن الكثيرين من المتابعين والمحللين السياسيين، لا يرون في خطط ترامب الجديدة المعلنة، سوى مماطلة وتسويف، وتبادل أدوار بينه وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية، وأن كفاح الفلسطينيين وحده، هو الذي يتكفل بتحقيق أمانيهم في الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير. وقديما قال العرب في أمثالهم، ما حك جلدك مثل ظفرك.

د.يوسف مكي