بعد اقتحام نهر البارد: لبنان في مواجهة العاصفة الأكبر

0 230

تمكنت وحدات من الجيش اللبناني، يوم الأحد من هذا الأسبوع من حسم المعركة في مخيم نهر البارد مع عناصر فتح الإسلام، واقتحمت كامل المخيم الفلسطيني. وبذلك انتهت صفحة من المعارك العسكرية، في لبنان، استمرت ما يقرب من الشهرين، واعتبرت أعنف صفحة في هذا البلد، منذ نهاية الحرب الأهلية.

 

سوف يسدل الستار نهائيا قريبا على ما جرى من معارك ضارية بين الجيش اللبناني، وعناصر فتح الإسلام. وستبقى الأسئلة الحائرة معلقة، مختزنة في ذاكرة من “يحيطون بشيء من علمه”. كيف نشأت مجموعة فتح الإسلام؟ وما هي القوى التي كانت تدعمها ماليا؟ وكيف بدأت المواجهة مع الجيش اللبناني؟ وما هي قصة الرواتب التي كان يتم دفعها لهذه العناصر من قبل قوى متنفذة في تيار المستقبل؟ ولماذا امتنعت تلك القوى عن الاستمرار في دفع الإتاوات لقيادة فتح الإسلام؟ ستبقى كل هذه الأسئلة، مع سبق الإصرار والترصد، دون جواب، ولن يجرؤ على طرحها، فضلا عن الإجابة عليها، أحد. يكفي شعب لبنان أن يحتفل بنجاح الجيش في اقتحام المخيم، باعتباره انتصارا وطنيا على العنف.. ويكفيه أيضا أن يشهد شيئا من ركام الأطلال والخرائب ورائحة الموت، كمخلفات طبيعية لحرب مجنونة ليس لشعب لبنان، ولا لقضاياه الوطنية والقومية فيها ناقة أو جمل. وستكون فرصة ذهبية، لإصدار شهادة الوفاة لاتفاقية القاهرة، بتغييب الحضور العسكري الفلسطيني، نهائيا من نهر البارد، وقريبا جدا من مخيمي البداوي وعين الحلوة، و”بسط سيطرة الدولة اللبنانية على المخيمات الفلسطينية”. أما القصة برمتها فستبقى واحدة من الطلاسم والأسرار، كما هي حالات السطو على البنوك، وقضايا الاغتيالات، وحبك المؤامرات والدسائس، وقصص العشاق، التي تاهت وتتيه في لجة البحر الأبيض المتوسط.

 

آن للجيش أن ينتشي بانتصاره، وآن للبنانيين أن يفخروا بأول إنجاز عسكري حقيقي لجيشهم منذ تأسيسه بعد استقلال لبنان من الفرنسيين. لكن الذي يهمنا، بعد أن تسدل الستارة، وتنفض مجالس السمار هو موضوع الأمن في لبنان. هل نحن أمام موسم ربيع جديد، وهل سيعود للبنان ألقه وسحره وجماله، فتصدح الطيور في أعشاشها بأغاني الفرح.

 

الصورة للأسف، لا تبدو متماهية مع ما نروم، وما يطمح له شعب لبنان ومحبو لبنان. فرغم كرنفال الفرح الذي ساد بعض مناطق لبنان، إثر انتهاء معارك نهر البارد، فإن المشهد في قلب العاصمة، وقريبا من الأسواق التي أنشأها رئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري والمعروفة بالسوليدير، يبدو كئيبا وحزينا، عاكسا صورة الصراع المرير بين المعارضة والموالاة، القابل للتفجر كل حين.

 

كان الصراع بين الموالاة والمعارضة، لأكثر من عام، قد تمحور حول مجموعة من النقاط، لعل أهمها الموقف من العلاقة مع سوريا، واختلاف وجهات النظر حول قراري مجلس الأمن رقم 1559، و1701، حيث يرى فريق المستقبل في القرارين موقفا دوليا مساندا له في مطالبته بمحاسبة الذين اقترفوا جريمة اغتيال السيد رفيق الحريري، بينما يرى فريق المعارضة فيهما قبولا بالوصاية الأجنبية، وتعريضا لأمن لبنان، وعزلا له عن محيطه العربي. وهناك أيضا اتهامات أخرى، توجهها المعارضة للحكومة، كالفساد والضلوع في صفقات اقتصادية احتيالية، وعدم الاهتمام بشؤون المواطنين. والحل كما يراه الفريق المعارض هو استقالة الحكومة وقيام حكومة وحدة وطنية، بينما يصر فريق الموالاة، على شرعية وجوده في السلطة، مؤكدا أن البرلمان اللبناني هو الجهة الوحيدة التي تملك حق نزع سلطة الحكومة وإقالتها.

 

الآن حيث تقترب فترة التمديد لولاية الرئيس اللبناني إميل لحود من النهاية، تبرز مشكلة جدية أخرى للواجهة، هي مشكلة “انتخاب” رئيس جديد للبنان. فالموالاة تتمسك بمنطوق الدستور الذي يعطي البرلمان اللبناني حق ترشيح وانتخاب الرئيس المقبل.. وهو ما جرت عليه العادة منذ حصول لبنان على استقلاله. لكن المعارضة ترفض هذا المنطق بحدة، انطلاقا من عدم اعترافها بشرعية البرلمان القائم، وشرعية الحكومة المنبثقة عنه. وأمام هذه المعضلة فإننا أمام منعطف جدي وحاد في طبيعة الصراع، يخشى من انفلات عقاله، وعدم قدرة الفرقاء المعنيين على إدارته.

 

كان الصراع فيما مضى قائماً على أمر متحقق فعليا على الأرض. فرغم جمود مجلس النواب كانت الحكومة تقوم بتسيير شؤون الدولة. وما دام الفريق المعارض يلتزم بالنهج السلمي في مواجهتها فليس هناك ما يزعج سلطتها، سوى بعض الاغتيالات السياسية التي كانت تجري بين فينة وأخرى. بمعنى آخر، كانت هناك فرص لفك الاشتباك، قبل وقوعه. في هذه الأيام لا يبدو أن بالإمكان أن يستمر الوضع على حاله، فيلجأ المتضرر إِلى القانون..

 

المطلوب رئيس لبناني جديد، والصراع محتدم على الطريقة التي يصل فيها هذا الرئيس إلى بعبدا. فرئيس الوزراء اللبناني، فؤاد السنيورة يؤكد على أن الوفاق السياسي في لبنان يقوم على انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال المهلة المحددة في الدستور. وأنه فقط بعد انتخاب رئيس جديد يتم بحث التوافق على حكومة موسعة أو حكومة وحدة وطنية. ومعناه ببساطه، هو أن يتاح لفريقه تحديد اسم الرئيس الجديد لجمهورية لبنان، وبعد ذلك فإن لكل حادث حديثاً.

 

لكن رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، في الوقت الذي يوافق على أن يكون البرلمان الحالي هو الجهة التي تنتخب رئيس الجمهورية، فإنه يشترط أن يكون ذلك على أساس التوافق بين الحكومة والمعارضة وبأكثرية الثلثين دون اشتراط تشكيل حكومة وطنية قبل الاتفاق على اسم الرئيس المقبل. ورغم رفض الحكومة لاقتراح بري فإن كثيراً من المراقبين وجدوا في تصريحات رئيس البرلمان تنازلا من قبل المعارضة اللبنانية التي تضم حزب الله وحركة أمل التي يتزعمها رئيس مجلس النواب نبيه بري والتيار الوطني الحر بزعامة ميشيل عون.

 

أما رئيس الجمهورية فقد اقترح أن يتولى قائد الجيش، ميشيل سليمان رئاسة الدولة بشكل مؤقت، وأن تجري انتخابات نيابية جديدة بأسرع ما يمكن، وأن تناط عملية ترشيح وانتخاب الرئيس اللبناني بالمجلس النيابي الجديد. وقد هدد الرئيس لحود بأنه سيشكل حكومة ثانية إذا لم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية في الموعد الدستوري لأنه لن يسلم الحكومة الحالية، غير الشرعية من وجهة نظره، صلاحيات الرئاسة. وقال لحود، وفق نص وزعه المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية: “الحل يكون بالتوافق ووفق نصاب الثلثين لانتخاب رئيس للجمهورية يكون مقبولا من جميع اللبنانيين. وإذا لم يتم التوصل إلى هذا الحل فيجب أن تكون هناك سلطة جاهزة لتسلم صلاحيات الرئيس”. من جانبه أشار قائد الجيش ميشيل سليمان في كلمة ألقاها أمام ضباط من خريجي دورته إلى أنه سيبقى في قيادة الجيش حتى الانتهاء من انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة والاطمئنان على الاستقرار الأمني في البلد. وأضاف متسائلا “هل من المعقول أن أترك قيادة السفينة وهي تتعرض لهذه الموجات العاتية من كل جانب”.

 

وكان من الطبيعي أن تعلن قوى الموالاة رفضها بحدة لاقتراح الرئيس لحود، وأن تعتبره انقلابا آخر، من رئيس الجمهورية على الدستور. وفي هذا السياق صرح رئيس الحزب التقدمي، وليد جنبلاط بأن الأغلبية النيابية يحق لها انتخاب رئيس جديد بأغلبية نصف زائد واحد وأن اشتراط الثلثين بدعة حسب وصفه.

 

وتملك قوى الموالاة الحاكمة 69 مقعدا من إجمالي عدد مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 128 وعلى مجلس النواب انتخاب رئيس جديد خلال الفترة ما بين 25 سبتمبر و25 نوفمبر. وبموجب الدستور اللبناني فإن منصب رئاسة الجمهورية هو من نصيب الطائفة المسيحية المارونية وهو ما يستوجب أخذ رأي الزعيم الروحي للطائفة البطريرك نصر الله صفير وبقية القوى السياسية المسيحية حول اسم الرئيس الجديد.

 

رأي الكنيسة المارونية، جرى الإعلان عنه في صيغة بيان صادر في ختام الاجتماع الشهري للمجلس الذي يترأسه البطريرك نصر الله صفير، جاء فيه أن الكنيسة تعارض “تهريب” نصاب جلسة انتخاب رئيس جديد للبنان… “إن القول بمقاطعة بعض النواب جلسة انتخاب رئيس للجمهورية حتى الاتفاق على اسم الرئيس الجديد لا يبدو في محله”. واعتبر أن هذا الموقف هو “تهريب للنصاب يعطل العملية” وأن “المشاركة في جلسة الانتخاب حتى لو لم يتم الاتفاق على اسم الرئيس هي دليل حسن نية”.

 

وكعادته لم يتخلف السفير الأمريكي، جيفري فيلتمان، الرافض دائما للتدخلات الأجنبية في شؤون لبنان، عن ركب المشاركين في دعم تيار المستقبل، فأعلن أن النواب قادرون على انتخاب رئيس لولاية 6 سنوات مقبلة وهذا حق وواجب، مجددا دعمه لإجراء انتخابات وفقاً للدستور وفي الموعد المحدد. وفي إطار تقديم الدعم لتيار الموالاة قام أيضا بزيارة مجاملة للرئيس أمين الجميل في دارته في بكفيا الثانية وتم خلال اللقاء البحث في الأوضاع العامة. إثر اللقاء أعلن السفير فيلتمان أنه قام باسم الإدارة الأمريكية بزيارة للرئيس الجميل وأعرب له عن القلق من عملية إطلاق النار التي طالت بعض المحازبين الكتائبيين، وأنه “على ثقة بأن أعمال العنف لن تنجح في تغيير مسار الأمور ومستقبل لبنان الذي يجب أن يرتكز على الحوار والمؤسسات الدستورية. وأشار إلى أنه نقل إلى الرئيس الجميل وجهة النظر الأمريكية فيما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، مؤكدا أن للولايات المتحدة ملء الثقة بالمؤسسات الدستورية اللبنانية وبالبرلمانيين اللبنانيين للسير بالاستحقاق الرئاسي في المواقيت الدستورية وفقا للدستور اللبناني.

 

تلك جملة من التصريحات، لمختلف الفرقاء المؤثرين في صناعة السياسة في لبنان، تؤكد جميعها نذرا باقتراب انفلات العاصفة الأكبر، رغم كرنفالات النصر باقتحام نهر البارد.

 

كيف ستكون صورة المشهد في مسرح المواجهة في لبنان؟ وما هي إمكانية تجنب نذر العاصفة.. وكيف السبيل إلى خلق لبنان جديد، لا يكون باستمرار أمام رهان الصراع والاحترابات الطائفية والسياسية؟ تلك أسئلة ستكون محاور لحديث آخر عن لبنان بإذن الله.

 

editor@arabremewa;.com

 

اضف تعليق

اسمك بريدك الالكتروني

 

تعليقك:

تعليقات

 

* تعليق #1 (ارسل بواسطة Hhussain Syab)

 

تحية طيبة…

 

مقال رائع يلخص الوضع على الساحة اللبنانية ويصف الأحداث ويحللها، لكنه يخلو من رأي الكاتب بل يرجئ رأيه لحلقة نقاشية قادمة على غرار المسلسلات التلفزيونية.

نتمنى أن يكون رأي الكاتب في الحلقة القادمة أكثر وتوضيحاً للمواقف, وأن طرح التصور حول الأوضاع العربية وبالأخص الوضع اللبنانيني, يعبر إما عن عمق الفهم لمايدور في الساحة العربية أوعن عمق الأزمة العربية وهل هي قابلةللحل؟ أم مازلنا نحلم بمستقبل لا يزال متخيل فقط.

 

لكم مني خالص الشكر والتحية

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

19 − اثنا عشر =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي