الدين والدولة

431

الدين والدولة في الوطن العربي، هو العنوان الذي تصدر الندوة التي عقدها مركز دراسات الوحدة العربية، بالتعاون مع المعهد السويدي بالإسكندرية، في منتجع الحمامات بالجمهورية التونسية في الفترة من 15- 17 أكتوبر 2012. وقد كان لي شرف الحضور بالندوة والمشاركة في مناقشاتها.

 

واضح أن اختيار عنوان الندوة، مرتبط بالتحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة العربية، والتي أدت نتائجها إلى تسلم الإسلام السياسي، ممثلا في الإخوان المسلمين في مصر وليبيا وحركة النهضة في تونس، لمقاليد الحكم في ثلاثة أقطار عربية، هي تونس ومصر وليبيا، وأيضا في الوصول إلى البرلمان وتسلم رئاسة الحكومة في المملكة المغربية. يضاف إلى حضور قوي في الأحداث السياسية التي شهدها اليمن، في العامين المنصرمين.

فهذه التحولات تعني، ضمن أشياء أخرى، أن الذين تسلموا السلطة في الأقطار العربية التي شملها “الربيع العربي” وضعوا أمام امتحان لتطبيق ما هو مبرر وجودهم، كتيارات إسلامية، منذ جرى تأسيس حركة الإخوان، قبل أكثر من ثمانية عقود، وضمن ذلك وعدهم بتأسيس “الدولة الدينية”.

في هذا السياق، حرص المنظمون للندوة، على مشاركة قياديين من التيارات الإسلامية فيها، إما من خلال تقديم أوراق رئيسية، أو التعقيب على أحد البحوث المطروحة، أو المشاركة في النقاشات المكثفة التي شهدتها الندوة. فكانت هناك ورقة للشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية، والسيد أحمد كمال أبو المجد عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، وشارك في الندوة من المغرب أحمد الخمليشي مدير دار الحديث الحسنية. كما حضر إلى المفكر الإسلامي الدكتور حسن حنفي والأستاذ طارق البشري نائب رئيس مجلس الدولة سابقا في جمهورية مصر العربية، والمفكر الإسلامي من لبنان رضوان السيد. وعن الاتجاهات غير الإسلامية، شارك سعد الدين ابراهيم وعبد المنعم أبو الفتتوح وعبدالإله بلقزير وعبدالحسين شعبان ورفعت سيد أحمد وناصيف نصار وعبدالوهاب أفندي، ونخبة أخرى من المفكرين العرب. كما شارك الباحث الأمريكي الشهير، مايكل هدسون والباحث التركي ساهين الباي.

الظرف الخاص، الذي عقدت في ظله الندوة، المتمثل في صعود الإسلام السياسي للسلطة بالبلدان التي طالها “الربيع العربي”، وجه البحوث والتعقيبات والمناقشات إلى الحركات السياسية الإسلامية، من حيث نشأتها وتصوراتها الفكرية والتطورات التي حدثت فيه، وأخيرا سلوكها في الحكم، بدلا من مناقشة العلاقة بين الدين والدولة. والفرق بين الموضوعين كبير جدا.

فما أقدمت عليه بحوث المركز، هو موضوع سياسي بحت، لا يناقش الدين بما هو دين، ولا يهتم بالدولة كبناء فوقي. في حين أن عنوان الندوة ، فيفترض أن تركز البحوث،على القراءة والتحليل النظري، إن فيما يتعلق بالرؤية للدين أو وظيفة الدولة، حيث يفترض أن تحضر أفكار كانط وهيجل وروسو، وهوبز وغيرهم من مفكري مرحلة الأنوار الأوروبية. ويناقش فيه أيضا قضايا التشريع، وعلاقة المطلق بالبناء الفوقي، وبما يسنه الأخير من قوانين ولوائح وتشريعات. في الأول نبتعد عن الفلسفة، ونتجه إلى السياسية وتشعباتها من تكتيك وبراغماتية وما إلى ذلك من أمور ذات علاقة، لتوصيف واقع ما يجري الآن من تفاعلات سياسية في المجتمع العربي. وهنا لا نكون بحاجة للإنطلاق من المقدمات، لأن ما يهم هو تشخيص الواقع، في صورته الحالية، ووعي تداعياته. صخب اللحظة وتجاذباتها، فرض نفسه على الندوة، ووجه البحوث بالطريقة التي خرجت فيها.

يتضح ذلك من البحوث التي طرحت في الندوة. فهذه البحوث باستثناءات قليلة ركزت على حالات دراسية، لبعض البلدان العربية، التي يشغل الدين حيزا رئيسيا في صياغة أو صناعة سياساتها.

فعلى سبيل المثال، ناقش البحث الخامس علاقة الدين والدولة في المملكة العربية السعودية، ودور المؤسسة الوهابية في الحكم. عنوان البحث على أهميته، يكرس ما أوردناه من اهتمام الندوة بالسياسة على حساب التحليل النظري، لسبب بسيط هو أن البحث اهتم بتقديم قراءة عن التحالف بين المؤسستين السياسية والدينية، في المملكة، وأغفل علاقة الدين، بمعناه العقدي بالدولة، باعتبارها بناء فوقيا، وقائدا للمجتمع.

مثل هذا القول يصدق على البحث المقدم حول حالة المغرب، تحت عنوان علاقة الدين بالدولة ومؤسسة إمارة المؤمنين بالمغرب، فهذا البحث لم يخرج عن التوصيف ولم يقدم قراءة نظرية وتحليلية، لفحوى العلاقة بين الدين والدولة في المملكة المغربية ومسوغاتها، التداخل بين المطلق والعقد الاجتماعي، وتبني مفهوم الدولة المدنية والفصل بين السلطات، والأخير يستدعي قراءة معمقة عن تمثلات الدين في الدولة العلمانية، وهو ما لم يجر تناوله في الندوة، فيما يتعلق بالعلاقة بين الدين والدولة في الوطن العربي، بل أحيل ذلك إلى علاقة الجاليات المسلمة في الغرب.

لا تختلف الأوراق والتعقيبات التي قدمت عن علاقة الدين بالدولة في تونس وليبيا ومصر، عن بقية الأوراق فقد نحت جميعا باتجاه تقديم قراءة سياسية، لم تسبر غور الموضوع، ولم تناقش جوهر عنوان الندوة.

ومع التسليم، بقوة الظروف التي فرضت نفسها على الندوة، وهي ظروف استثنائية، أشبه بزلازل عاتية، لم تمر بها المنطقة مطلقا في عصرها الحديث. فإن معظم القراءات تناولت الأحداث التي جرت بمعزل تام عن التحولات الكونية والسياسية، وقرأتها في سياقات مجردة عن العوامل المحيطة. غيبت في قراءات الندوة، مواضيع العولمة والعلاقة مع القوى الكبرى، والصراع العربي الصهيوني، ومجالاتها في التحولات الأخيرة،

مع أن هذه المواضيع جميعا، تدخل في باب السياسات، وليس لها علاقة جلية بالبناء النظري لعلاقة الدين بالدولة. وجاء “الربيع العربي”، كأنه إعصار مارس سطوته علينا من خارج المكان، في حين أنه نتاج تفاعلات إنسانية داخلية وإقليمية وعالمية، وأيضا تعبيرا عن صراع مصالح وتوازنات قوة.

لم تجر مقارنات أو مقاربات بين ما حدث في البلدان التي تسلم الإسلام السياسي فيها مقاليد السلطة، فيما يتعلق بموضوع الندوة. اقتصر الموضوع على ورقة واحدة تناولت مقارنة بين الدين والدولة في تركيا وإيران. والغاية من المقاربة كما بدا في الورقة، هي تناول بلدين، الأول ينطلق من ولاية الفقيه، حيث السلطة هي للمرجع الديني الأعلى، والثانية، تناقش سلطة مدنية يقودها إسلام سياسي، تسلم السلطة من خلال صناديق الاقتراع، ووفقا لدستور علماني، يفصل بشكل حاد بين الدين والدولة، ويستمد قوته التاريخية من رؤية طورانية ومن المبادئ التي صاغها كمال أتاتورك.

نقاط كثيرة، لا تزال بحاجة إلى بحث حول هذه الندوة، نتواصل معها في حديث قادم بإذن الله.

د.يوسف مكي