أيام سورية حزينة

8

​​​​​​​​​د. يوسف مكي
في حديثنا السابق، تحت عنوان “انقذوا سوريا من محنتها”، تناولنا المستجدات بالأوضاع السورية، وأشرنا إلى أن معالجة الأوضاع المتردية، في البلد الشقيق، ليست حكرا على أهله، بل هي مسؤولية عربية جماعية. وفي الأيام القليلة، التي مضت حدث انهيار شامل بالبلاد، وبشكل خاص في جبال العلويين، بمدينتي اللاذقية وطرطوس، والبلدات المحاذية لهما، نتج عنها مصرع الآلاف من المواطنين، جلهم من المدنيين، أطفالا ونساء وشيوخ، تحت ذريعة القضاء على ما أطلق عليهم فلول النظام السابق.
لا نهدف في هذه السطور، إلى الوقوف مع فريق، من السوريين، على حساب فريق آخر، فالجميع أشقاؤنا، وأهل لنا، ولكن ذلك لن يحول دون إدانة قتل المدنيين، الذين لا ناقة لهم ولا جمل فيما يجري الآن. والوضع يغدو أكثر، مدعاة للاستنكار، حين يتأكد ما تتناوله وكالات الأنباء، عن وجود أكثر من مائة وخمسين ألف مقاتل، من التكفيريين، الذين وفدوا من خارج الأراضي السورية، من الشيشان والإيغور، وبلدان أخرى، وقد تجمعوا منذ فترة طويلة في إدلب.
الرئيس السوري الحالي، ينتمي في الأصل لتنظيم القاعدة، اختلف مع التنظيم، وأسهم في دمج تنظيمي جبهة النصرة، وداعش في هيئة تحرير الشام. ورغم التحفظات العربية والدولية، على هذه التنظيمات، جرى الاعتراف بالسيد أحمد الشرع، رئيسا لسلطة الأمر الواقع. وكان المؤمل أن يجري التعلم من دروس السابق، وأن يعمل العهد الجديد، على منع تسلل الجماعات التكفيرية للأراضي السورية، خاصة المناطق التي تعج بمكونات مذهبية، غير سنية. لكن ذلك لم يتحقق للأسف، وانتهت الأمور بما لا يحمد عقباه.
الوضع الراهن، نقل القضية السورية، من قضية محلية، إلى قضية عالمية، فوزارة الخارجية الأمريكية، صرحت في بيان رسمي، أن واشنطن تدين “الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين، بما في ذلك الجهاديين الأجانب، الذين قتلوا الناس في غرب سوريا خلال الأيام الأخيرة”، ويضيف البيان أن “الولايات المتحدة تقف إلى جانب الأقليات الدينية والعرقية في سوريا، بما في ذلك المجتمعات المسيحية والدرزية والعلوية والأكراد، وتقدم تعازيها للضحايا وأسرهم”.
وفي باريس، نددت الخارجية الفرنسية، بأشد العبارات، بـ “التجاوزات التي طالت مدنيين على خلفية طائفية في سوريا، إثر اشتباكات نتيجة شن مجموعات مسلحة هجوما على القوى الحكومية”. ودعت السلطات الفرنسية في بيان “السلطات السورية الانتقالية إلى ضمان إجراء تحقيقات مستقلة تكشف كامل ملابسات هذه الجرائم، ومحاسبة مرتكبيها”, وكررت تمكسها بانتقال سياسي سلمي وجامع، بمعزل عن التدخلات الخارجية، يكفل حماية التعددية الاثنية والطائفية في سوريا، مؤكدة أن ذلك الأمر هو “السبيل الوحيد لتجنب إغراق البلاد في التفكك والعنف، وعدم توفير أي جهد لتحقيق هذه الغاية”.
وقد أدانت مجموعة السبع، الهجوم على المدنيين في غرب سوريا، وطالبت بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة لمحاسبة الجناة. وبالمثل، أدان مجلس الأمن الدولي، بشدة العنف الذي وقع غرب سوريا، بما في ذلك، عمليات القتل الجماعي ضد المدنيين، خاصة من الطائفة العلوية، داعيا الحكومة السورية، لقطع دابر الإرهابيين الأجانب. وقد أكد البيان على التزام الأسرة الدولية، بوحدة الأراضي السورية، وسلامتها الإقليمية. والتأكيد على ضرورة الالتزام بحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي، في جميع الظروف. وطالب بضمان وصول إنساني كامل وآمن وغير مقيد، للمتضررين، وضمان معاملة إنسانية لجميع الأشخاص.
والواقع أن بيان مجلس الأمن الدولي، هو الأكثر وضوحا، وتفصيلا في مطالباته بإدانة المتسببين في جرائم القتل التي حدثت بالغرب السوري. وكان في تحذيراته، وبنوده، قد اقترب من البيانات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، التي تتبنى الفصل السابع، الذي يجيز استخدام كافة الوسائل لتطبيق قراراته.
في الوطن العربي، أدانت المملكة العربية السعودية والإمارات ولبنان والجزائر ودول عربية أخرى، ما يجري من حرب إبادة بحق الشعب السوري، وطالبت بوقفه فورا، وتشكيل هيئات تحقيق مستقلة لمحاسبة الجناة.
هل تتكفل جملة البيانات التي أشرنا لها، والتي تعبر عن نوايا طيبة تجاه الشعب السوري، بوقف المجازر التي يتعرض لها هذا الشعب، وهل بالإمكان الاطمئنان إلى جملة التصريحات التي صدرت عن بلدان الطوق، المحاذية لسوريا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمن أين يدخل الجهاديون والإرهابيون، إلى المناطق السورية، ومن هي الجهات التي تقوم بتسليحهم. المواقف المعلنة للقوى الإقليمية والدولية، حيال سوريا، بحاجة إلى تدقيق، خاصة وأن تاريخ بعض الدول المجاورة، مشوب بسلوكيات مخالفة للنوايا الحسنة، التي يجري التعبير عنها.
هناك خشية كبيرة، من تقسيم سوريا، خاصة بعد البيان الدستوري الذي صدر عن حكومة الأمر الواقع، والذي اعتبر من محافظات سورية، كما هو حال السويداء ودرعا، وأيضا المجموعات الكردية، غير متسق مع احترام مكونات الشعب السوري. والخطورة أن الجماعات المعارضة، تملك إمكانيات عسكرية تضيف ثقلا عمليا إلى موقفها السياسي. وهذه الجماعات ترفض تسليم أسلحتها، معتبرة ما جرى في الغرب السوري، بمثابة رسالة لها، عن خطورة تسليم السلاح للنظام في دمشق.
سوريا تمر بأيام حزينة، ولن تعبر ذلك، إلا بوقف نزيف الدم، ورفض محاولات التقسيم. ولن يتحقق ذلك إلا بموقف عربي شجاع، يعمل على تضميد الجراح، ومعالجة من اندمل، وإعادة الأمن والاستقرار، والاعتراف بالمكونات التي صنعت تاريخ سوريا، وبما يكفل إعادة البسمة والفرح، وبناء المستقبل الواعد لكل السوريين.

د.يوسف مكي