أوكرانيا.. من الاستنزاف إلى الحسم
أحد عشر يوماً مضت، منذ بدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا. وقد تكشف خلالها أن أوكرانيا، ليست لقمة سهلة، وأن المقاومة الأوكرانية بقيت صعبة. ولعل مرد الصمود الأوكراني، حتى هذه اللحظة، يكمن في أن الهجوم العسكري الروسي لم يكن مفاجئاً. فقد أشار إليه عدد من المسؤولين الأمريكيين والأوربيين، مراراً وتكراراً، رغم نفي القيادات الروسية لذلك. وعلى رأس من أكدوا عزم روسيا على اجتياح أوكرانيا، الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي صرح قبل أسبوع من بداية الحرب، بأن الغزو الروسي لأوكرانيا بات مؤكداً ووشيكاً.
الروس يعلنون أن احتلال أوكرانيا ليس ضمن أهدافهم، وإنما نزع أسلحتها وإقامة حكومة غير معادية لهم فيها. وأيضاً الاعتراف باستقلال إقليم دنباس. لكن هذا القول لا يمكن الأخذ به على علّاته. فاجتياح روسيا لمعظم المدن الأوكرانية الرئيسية لا يمكن وضعه في في هذه الخانة، والأحداث اليومية تدحض ذلك. فالروس حاولوا مرات عدة دخول المدن الرئيسية، ومن ضمنها العاصمة كييف، لكنهم يتراجعون عن ذلك أمام قوة الدفاعات الأوكرانية. وهم يدركون بالتأكيد حجم الخسائر التي تُكبدها حرب الشوارع. وقد تمكنوا مؤخراً من دخول مدينة خيرسون، في جنوب أوكرانيا.
اعتمد الجيش الروسي، خلال الأيام الماضية، محاصرة المدن من دون الدخول فيها، والعمل على استنزاف القوى المدافعة عنها. لكن التوقف عند حصار المدن له كلف باهضة. فقد جعل ذلك الجنود الروس عرضة لهجمات قوية معاكسة، من قبل الجيش الأوكراني، ما جعل عملية الاستنزاف متبادلة بين الجيشين.
إن طول أمد الحصار الروسي للمدن الأوكرانية عمل ذو حدين، فهو من جهة، سيضاعف من حالة الرفض الدولي للعمل العسكري، والذي برز في قرار مجلس الأمن الدولي الذي حال حق النقض الروسي دون صدوره. وقد صوّت لمصلحته كل الأعضاء باستثناء ثلاث دول، وكذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة التي دانت، بأغلبية ساحقة، الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية. كما برز هذا الرفض بقوة، في التظاهرات التي عمّت المدن الرئيسية في أمريكا وأوربا، رفضاً للعمل العسكري الروسي. لكنه في الوقت نفسه، يكشف خيبات الدول الحليفة، لأوكرانيا، مثل أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، التي رفضت اتخاذ قرار بفرض حظر طيران فوق أجواء أوكرانيا، بسبب ما يجره ذلك من مواجهة مباشرة بين أمريكا وروسيا، ويهدد باحتمال اندلاع حرب عالمية ثالثة، ومواجهة نووية مدمرة.
أمام هذا الواقع، تنتقل حكومة بوتين باستراتيجيتها من سياسة الاستنزاف إلى الحسم العسكري. ويلحظ ذلك، من خلال التدفق الهائل للقوات الروسية، إلى أوكرانيا، حيث قدر امتداد رتل واحد بأكثر من ستة وعشرين كيلومتراً. ومنذ يوم الأحد الماضي، بدأت القوات الروسية هجوماً واسعاً على الأراضي الأوكرانية، تركز بشكل كثيف، من ثلاث جهات على العاصمة كييف.
ولتخفيف الحملة الدولية المناوئة للسياسة الروسية، وافقت إدارة بوتين على إجراء مفاوضات ماراثونية، مع وفد أوكرانيا، لم تثمر حتى اللحظة عن التوصل إلى ما من شأنه تحقيق وقف إطلاق النار بين المتحاربين. كما عملت على تخفيف المعاناة الإنسانية، للمدنيين المحاصرين في عدد من المدن بفتح مرات عبور آمنة، يتجه من خلالها المدنيون إلى الخارج، وبشكل خاص للأراضي البولندية.
من جهة أخرى، تعلن إدارة بوتين قبولها بمبادرات الوساطة. وفي هذا السياق، يذكر أن السعودية وتركيا وإسرائيل عرضت التوسط بين روسيا والحكومة الأوكرانية. بل إن الإدارة الأمريكية، وبعض دول الاتحاد الأوروبي، تعوّل كثيراً على الصين، وتطالب بتدخلها على خط الوساطة، نظراً لعلاقتها القوية مع القيادة الروسية. لكن ذلك لن يؤثر بأي شكل من الأشكال في قرار الحسم العسكري الذي اتخذته قيادة الرئيس بوتين.
ومن المتوقع أن يكثف الجيش الروسي هجماته على مختلف المدن الأوكرانية، وأن يعمل على إقفال الطريق الرابط بين أوكرانيا وبولندا، لحرمان الجيش الأوكراني، من الدعم العسكري القادم من الخارج، والذي يعتبره الروس، أحد أسباب فاعلية المقاومة الأوكرانية لعملها العسكري. كما يتوقع أن يجري حسم المعركة في كييف وأوديسا وخاركيف وبورديانكا وماريوبول، ومنع اتصال أوكراينا بشكل نهائي ببحر أوزوف.
التطورات الأخيرة دفعت إدارة الرئيس الأمريكي، بايدن، للتفكير جدياً في تشكيل حكومة أوكرانية في المنفى، لأن معظم التوقعات تشي بأن العمر المتبقي للحكومة الأوكرانية الحالية سيكون قصيراً، وأن احتمالات اعتقال، أو اغتيال الرئيس الأوكراني الحالي، باتت مرجحة عند الغرب.
الأيام القليلة المقبلة ستكون مملوءة بالأحداث، وربما بالمفاجآت، ولن يطول بنا الانتظار.
التعليقات مغلقة.