فاغنر بين الواقع والخيال

8
​​​​​​​​​د. يوسف مكي
أعاد مصرع مؤسس وقائد فاغنر، يفغيني بريغوجين، إثر تحطم طائرته الخاصة، مع تسعة آخرين من رفاقه، وبضمنهم طاقم الطائرة، شمالي موسكو جدلا واسعا، حول الأدوار التي اضطلعت بها مجموعته في الدفاع عن المصالح الروسية. وحول هذه الأدوار نسجت الروايات والأساطير.
قيل على سبيل المثال، أن فاغنر يدعم قوات التدخل السريع في الخرطوم ضد الجيش السوداني. وقيل أيضا أنه يدعم قوات حفتر في شرق ليبيا ويقوم بحماية أبار النفط المتواجدة في تلك المنطقة. وذكر أن المجموعة تلعب دورا رئيسيا في سوريا، حيث تحارب بالوكالة عن الجيش الروسي. وكان قائد المجموعة قبل مصرعه بيوم واحد بالقارة السمراء، يعد بمحاربة الإرهاب، وبإلحاق الهزيمة بالفرنسيين، وتحرير القارة من الوجود العسكري الغربي، ويعلن عن تواجد مجموعة من قواته في النيجر.
لم يتردد الغرب، بعد مصرع بريغوجين عن التهويل بدور مجموعته، وأن خطورة الدور الذي تلعبه، قد دفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتدبير عملية اغتياله، بعد أن بات يشكل تهديدا خطيرا، على وجوده. ويذكر الإعلام الغربي بتصريح بوتين الذي قال فيه، أنه لا يتسامح مع الخيانة، إثر اقتراب قوات فاغنر من العاصمة الروسية، في أواخر شهر يونيو من هذا العام. فما هي حقيقة فاغنر وما هو مستوى قدراتها العسكرية واللوجستية.
تأسست هذه المجموعة عام 2014م، شركة أمنية، برئاسة بريغوجين، وفق نظام الشركات المعمول به في روسيا. وكان رئيسها مالكا لشركة صناعات غذائية، تمد الجيش الروسي بالغذاء. ويذكر أن رئيسها قد عمل بالسابق، طباخا للرئيس بوتين، وأن صداقة جمعت بين الشخصين. وقد مكنته هذه العلاقة من تنمية موارده المالية.
يشار إلى سجله الجنائي بأنه نزيل سجون، حيث أمضى تسع سنوات فيها، ولم يطلق سراحه إلا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.
منح رتبة جنرال، بعد تأسيسه لشركة امنية، رغم أنه لم عسكريا في يوم من الأيام. وكانت مشاركته للجيش الروسي في السيطرة على شبه جزيرة القرم، عام 2014 هي أول امتحان عسكري حقيقي، وقد نجح في قيادة مجموعته، في دعم الجيش الروسي عندما سيطر على شبه جزيرة القرم الاستراتيجية عام 2014. لكن الدور المتميز الذي لعبته مجموعة فاغنر، قد برز في المواجهة الروسية مع أوكرانيا، إثر إطلاق العملية العسكرية الروسية، التي وصفت بالخاصة، منذ لنطلاقتها في شهر مارس/ آذار من العام الماضي، في إقليم دونباس. وكان الأبرز بينها المساهمة الرئيسية للمجموعة في باخموت، حيث لعبت الدور الرئيسي فيها. وقد استمرت هذه المعركة لما يزيد على ستة أشهر، لكنها حسمت في النهاية لصالح روسيا.
وكانت هذه المعركة هي عقب إيخل الذي أودى بالعلاقة الحميمة بين الرجلين الصديقين، الرئيس الروسي بوتين، وقائد مجموعة فاغنر، بريغوجين.
لقد أدى نجاح مجموعة فاغنر في باخموت، إلى استعار التنافس، بشكل معلن بين بريغوجينن ومساعديه، من جهة وبين رئيس الأركان غريماسوف ومساعديه من جهة أخرى، حيث وجه قائد فاغنر التهم تلو التهم، لرئيس الأركان بالتقصير في إمداده بالسلاح، بما تسبب في مصرع المئات من رفاقه.
ولم يكتف قائد مجموعة فاغنر بالتصريحات النارية ضد الجيش الروسي، بل بلغ به الأمر حد التمرد على رئيس البلاد، وإعلان عصيان عسكري، في شهر يونيو/ حزيران من هذا العام، سيطر أثناءه، على مواقع للجيش، وطرد القوات الروسية من معسكراتها في مقاطعة روستوف الواقعة على نهر الدون جنوب غرب روسيا ونجم عن ذلك مصرع عدد كبير من العسكريين. واتجه بعد ذلك، الى موسكو للسيطرة عليها وهذا ما قصم العلاقة بينه وبين الرئيس بوتين.
توسط رئيس بلاروسيا، بين الطرفين، وساهم بانهاء التمرد، وصدر قرار رئاسي روسي، بأن قوات فاغنر، تخير بين اندماج مقاتليها، في القوات الروسية اوخروجهم لمكان اخر، إلا أن خواتيم الامور تشي بأن الأوضاع لم تمض على ما يرام بين الرجلين. فالرجل تصور إن لديه فائض قوة، ويبدو أن وعيه السياسي لم يكن يضاهي شجاعته في ميادين القتال. لقد غاب عنه أن القائد السياسي لا يغفر مطلقا العصيان والخيانة.
هل دفع بريغوجين حياته جراء خيانته لرئيسه، ذلك أمر ممكن ولكن من غير المقدور الجزم به. فالرجل خصم أيضا للقيادة الأوكرانية، ومن مصلحتها الانتقام منه بتصفيته، لكن ذلك يبقى في حكم الفرضية. وربما تبقى الإجابة على هذا السؤال، في عوالم الغيب، ككثير من أسئلة التاريخ، التي لم تجد لها جوابا.

التعليقات مغلقة.

د.يوسف مكي