أفغانستان ما بعد العاصفة
يمكن القول، بقليل من التردد، أن الأمر في أفغانستان قد استتبب لصالح حركة طالبان، التي دخلت إلى العاصمة كابول، دون مقاومة، وأعادت رفع علمها فوق المقار الرسمية، معلنة عودة البلاد، إلى وضعها السابق، قبل الاحتلال الأمريكي، إمارة إسلامية.
الأسبوع، الماضي، حمل استعادة قريبة جدا، من مشهد الهروب الأمريكي من فيتنام. وقد اكتمل مشهد التشابه، بالصورة التي نقلتها محطات التلفزة العالمية، لأفغان يتوسلون الفرار من بلادهم، ويتعلقون بأجنحة الطائرات، ويسقطون صرعى، بعد أن خذلهم الحليف الأمريكي، وتركهم يواجهون أقدارهم. وكان ذلك مبعث للسخرية والأسى، على المستوى الأخلاقي الذي وصل إليه صانع القرار في الإدارة الأمريكية.
فارق كبير، بين ما حدث في أفغانستان، وبين أحداث فيتام. فالمقاومة الفيتنامية للغزو الأمريكي، كانت ماحقة والهزيمة حاسمة وتسببت في خروج لاوس وكمبوديا عن بيت الطاعة للغرب. وقد نظر هنري كيسنجر للسقوط العسكري الأمريكي المدوي، في جنوب شرق آسيا بما عرف بنظرية الدومينو. أما في أفغانستان، فرغم تحدي حركة طالبان، للوجود الأمريكي، لكن المقاومة لم تكن بالمستوى الذي يلحق الهزيمة العسكرية به.
إن طرح هذه المقاربة، بين أحداث فيتنام وأفغانستان، تجعل من المنطقي التساؤل عن الأسباب السياسية، التي دفعت بإدارة الرئيس بايدن، سحب قوات بلاده من أفغانستان، بالطريقة السريعة التي جرت بها. وما يمنح هذه التساؤلات مشروعية أكثر، هي أن الإنسحاب حدث في بلد قريب جدا من دول تعتبرها الإدارة الأمريكية معادية لها. فإلى شرق أفغانستان، وليس بعيدا عنها تقع الصين، التنين الأصفر الذي يتحدى أمريكا اقتصاديا، والذي ذكر أن من أسباب الإنسحاب الأمريكي من قواعد عسكرية عديدة في الشرق الأوسط، هو التفرغ لمحاصرة الصين. وإلى الشمال تقع جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة، والتي تعتبر من قبل روسيا الاتحادية جزءا رئيسيا من مناطق مصالحها الحيوية. وإلى الغرب، تقع إيران، البلد المحاصر من أمريكا، وإلى الجنوب تقع باكستان، البلد الذي دخل بقوة إلى نادي الدول المالكة للأسلحة النووية.
من الصعب على المرء القبول بأن إدارة بايدن، لم تضع كل هذه الحقائق أمام نظرها، وهي تتخذ قرار الإنسحاب السريع من أفغانستان.
يضاف إلى ذلك، أن أفغانستان، بقيت بؤرة رئيسية للتنظيمات الإسلامية المتطرفة. وذلك أمر أكده الرئيس بايدن نفسه في خطابه الأخير، وإن قلل من خطورته، على الأمن القومي الأمريكي. عودة تنظيم طالبان، ضمن الرؤية الآيديولوجية، التي لازال يتمسك بها، يشكل انتعاشا حقيقيا للإرهاب، في أفغانستان، ويطرح إمكانية تصدير الإرهاب، لبقية دول العالم.
هذا الاحتمال، ووعينا لاستيعاب الإدارة الأمريكية له، يعيد طرح علامات التعجب حول أسباب الهروب الأمريكي السريع من أفغانستان. هل كانت هزيمة أمريكية حقا، أم أن تسليم طالبان للحكم، هو بهدف إعادة دورها الوظيفي، الذي اضطلعت به مع تنظيم القاعدة، منذ مطالع الثمانينيات من القرن الماضي، لكن هذه المرة ضد الصين، القوة الافتصادية، وحليفتها روسيا، القوة العسكرية، وكلاهما يطمحان للعب دور رئيسي في تشكل النظام الدولي المرتقب.
لا نحسب أن مثل هذه القراءة غائبة عن الصين وروسيا، ولا عن إيران، وجميعها سارعت بشكل أو بآخر، بالترحيب بتسلم حركة طالبان للحكم. والجميع بنغمة واحدة يتحدث عن نسخة جديدة لطالبان، مختلفة عن نسختها السابقة، مع أن أحداث الأسبوع الماضي، لم تحمل ما يشي بهذا التغيير، سوى تعاونها مع الدول الأخرى، في ترحيل مواطنيها عن أفغانستان، وذلك لا يقيم دليلا على تغير جوهري في نهجها السياسي، وأسلوب إدارتها للحكم، وموقفها من الإرهاب.
الصين الشعبية، أقرت بوجود اتصالات لها مع قادة طالبان، وعبرت عن استعدادها لاستثمار أموالها في هذا البلد المنكوب، والإسهام بإعادة إعماره. من جانبها، روسيا أعلنت على لسان رئيسها بوتين، ووزير خارجيته لافروف، أنها تتصل بطالبان، وأنها تراقب تطورات الموقف عن كثب، وأنها لن تعتمد على الأقوال بل على الأفعال. إيران من جانبها، لم تقدم على أي تصرف يعكر صفو وصول طالبان للحكم، مع ما هو معروف عن تأثير كبير لها، بالولايات الشمالية من أفغانستان، حتى مدينة مزار شريف، في الشمال الشرقي من أفغانستان، بما يعنى أن ثمة توافق بين هذه القوى مجتمعة على عدم اعتراض وصول طالبان للسلطة.
لكل هذه القوى حساباتها، بما فيها إدارة الرئيس بايدن، في التأييد الخجول لوصول طالبان للحكم. لكن الأيام القادمة، ستكون حبلى بالأحداث، وليس علينا سوى الانتظار.