هل يشكل قرار مجلس الأمن الدولي 2254 مدخلا لحل الأزمة السورية
لعلها المرة الأولى، منذ اندلاع الأزمة السورية، قبل قرابة خمس سنوات، التي يصدر فيها قرار من مجلس الأمن الدولي، يرسم خارطة طريق للحل. لكن تعقيدات الأزمة، وطبيعة الاصطفاف حولها، وبعد الشقة بين صناع القرار الكبار تجاهها، جعل خارطة الحل، تحمل ثغرات كثيرة، عبرت عن تسويات ومساومات بين الفريقين الأمريكي والروسي. وقد دفعت تلك الصياغة، بممثلي المعارضة والحكومة السورية على السواء، إلى إبداء تحفظات تجاهها.
لقد تمكنت روسيا الاتحادية من فرض رؤيتها وتعريفها، في أن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل وشكل النظام في سوريا. وذلك بالتأكيد مكسب للقيادة السورية. ولن يجدي المعترضين عليه، وصف ذلك “بالغموض البناء”. فميزان خيار الشعب السوري، سيكون محكوما بصناديق الاقتراع. وليس هنا ما يشي أن المعارضة، ستكون قادرة على تحقيق مكاسب سياسية، في ظل غياب استراتيجية فاعلة وموحدة من قبلها، تمكنها من الحكم، وأركانه باللعبة الانتخابية.
كان قرار مجلس الأمن رقم 2254، حاصل توافق بين الكبار، على ترحيل نقاط كثيرة جوهرية، ومن دون ذلك، لن تكون هناك فرصة لصدور هذا القرار. وقد دفعت هذه الحقيقة، بكثير من المراقبين، لوصف قرار مجلس الأمن الدولي، بأنه الحد الأقصى الذي صعد له الروس، والحد الأدنى الذي نزل إليه الأمريكيون.
أقر القرار برنامج فينا الصادر في 14 نوفمبر الماضي، عبر رعاية دولية لمفاوضات بين الدولة السورية والمعارضة، لتشكيل حكومة خلال ستة أشهر، تطرح دستوراً جديداً للبلاد، وانتخابات بإدارة ورقابة الأمم المتحدة في 18 شهراً. وقررت واشنطن وموسكو، بدء المحادثات في جنيف في الأسبوع الأول من الشهر المقبل.
وبموجب قرار مجلس الأمن، تخلت واشنطون عن مطلبها في تنحي الرئيس الأسد عن الحكم، بمجرد تشكيل الهيئة الانتقالية بعد انتهاء مرحلة التفاوض. وفي مقابل ذلك، وافقت موسكو على البرنامج الزمني للمرحلة الانتقالية، لكنها أصرت على ترك موضوع الرئيس الأسد معلقا إلى حين الانتهاء من إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية.
كسبت موسكو أيضا، إشارة واضحة في قرار مجلس الأمن الدولي للحكومة السورية، بما يعني أن الغرماء يعترفون بشرعية الحكومة الحالية، رغم اختلاف بعضهم حول سياساتها. وتمكن الروس من جعل الفترة الزمنية، لتشكيل الحكومة السورية الجديدة المقترحة مفتوحة، حيث رفضوا إدراج ذلك في قرار مجلس الأمن.
واقع الحال، أن روسيا تفضل إرجاء تشكيل الحكومة السورية، لحين تمكن جيشها، عن طريق القصف الجوي، إسنادا للتحرك الأرضي للقوات السورية، من تدمير المعارضة، والقضاء عليها قضاء مبرما. وعندها لا يبقى للمعارضة ما تتفاوض عليه.
ثغرة أخرى، لم تعالجها خارطة طريق مجلس الأمن، هي صيغة وقف إطلاق النار، مع انتشار قوى الإرهاب، على الأرض السورية. هل سيتم الانتقال السياسي في سوريا قبل القضاء على الإرهاب أم بعده. وما هي صيغة تنفيذ الحل السياسي، في ظل سيطرة تنظيمي داعش وجبهة النصرة، على أكثر من نصف الأراضي السورية؟!
تؤكد القيادة الروسية، على لسان عدد من أقطابها، أن وقف إطلاق النار في سوريا، لن يشمل القوى، التي يتفق على توصيفها بالجماعات الإرهابية. وفي هذا السياق، هناك اختلاف حول تحديد من هي القوى الإرهابية. فروسيا تطالب بإدرج “أحرار الشام” و”جيش الإسلام”، في تلك القائمة، بينما تطالب أمريكا ودول عربية بإدراج الميليشيات التي تحارب إلى جانب الحكومة، ضمن تلك القائمة.
موضوع الاختلاف الآخر، الذي كسبت فيه موسكو، هو إصرارها على أن تشمل قائمة قوى المعارضة، المجموعات، المعارضة التي حضرت اجتماعات القاهرة وموسكو والرياض، وليس المجموعات التي شاركت في مؤتمر الرياض فقط. وقد أنيط للمبعوث الدولي، دي ميستورا مهمة الاختيار من المؤتمرات الثلاثة، ليشكل منها وفداً موحدا للمعارضة.
وافقت واشنطن على الاقتراح الروسي، بعدما حذف اقتراحً روسيً بأن يكون ضمن أعضاء الوفد مشاركون، بمؤتمر المعارضة، في دمشق للأحزاب المرخصة من قبل الحكومة السروية، ومؤتمر الحسكة الذي عقدته الإدارات الذاتية الكردية، بالتزامن مع مؤتمر الرياض، وانتخبت ما بات معروفا بالمجلس السوري الديمقراطي. كما وافقت على اقتراح موسكو إضافة أسماء أخرى إلى الوفد المعارض.
تؤكد هذه القراءة أن روسيا كسبت كثيرا من قرار مجلس الأمن الدولي، وأن الولايات المتحدة، أقرت بالتغيرات التي طرأت في موازين القوى الدولية. فالدخول جديا في إجراءات العملية السياسية، لن يكون قبل ستة أشهر، والاجتماعات القادمة لن تكون سوى شراء للوقت.
وحين يتعلق الأمر بالجيش الحر، الذي جرى الحديث عن دمجه بالجيش السوري، فإن ذلك يشكل قوة مضافة إلى النظام. فهذا الجيش لن يتم إدماجه وقف إعادة هيكلة الجيش السوري، بل وفقا للهيكلية القائمة. إن ذلك سيحل جزءا من مشكلة الجيش السوري، من نقص الأفراد. وسيعيد الجنود الذين فروا من الجيش مجددا إلى الخدمة بالجيش.
ومن جهة أخرى، فإن الحكومة، رغم كل الأزمات التي واجهتها، لا تزال تمتلك عمق الدولة. وهي موحدة في قراراتها، بينما المعارضة مشتتة.. واللجوء لصناديق الاقتراع، يعيد إلى الأنظار تجارب هذه الصناديق في تونس ومصر، حيث عادت نفس القوى، التي قامت الحركة الاحتجاجية ضدها، مجددا إلى السلطة وإن بمسميات مختلفة.
الخلاصة، أننا أمام مرحلة سياسية جديدة، تبشر باعتماد جميع الفرقاء الغارقين بالأزمة، للحلول السلمية. ولعل قرار مجلس الأمن الدولي آنف الذكر، يشكل خطوة جدية للحل، على طريق الألف ميل، حقنا للدماء العربية، وحماية للأمن القومي العربي، وصونا للأرض والعرض، وليعود لأبناء سوريا العزيزة الأمل والبهجة والفرح.