هل فعلا بدأ العد التنازلي لحرب أخرى بالمنطقة؟
خلال الأسابيع القليلة المنصرمة، أعيد بقوة إلى واجهة الأحداث موضوع المنشآت النووية الإيرانية. وبدأت الغيوم وسحب الدخان تتجمع مرة أخرى، للمرة الرابعة خلال ربع قرن فوق سماء الخليج. وقد أصبح قرع الطبول عاليا جدا، منذرا باقتراب لحظة الإعصار، وانقضاض غربان الموت والخراب على الأضاحي التي أعدت بتصميم وإتقان، وغفلة…
فقد تناقلت الأنباء بصورة مكثفة أخبار تحركات عسكرية وسياسية، بهدف التحضير للقيام بضربة عسكرية أمريكية أو صهيونية للمنشآت النووية الإيرانية. فقبل أسبوعين من هذا التاريخ، نشرت صحيفة ال نيويورك تايمز، نبأ قيام سلاح الجو الإسرائيلي بمناورات عسكرية استعدادا لهجوم محتمل على إيران. وعلق مسؤول إسرائيلي على ذلك، بالقول إن سلاح الجو يجري تدريبات منتظمة لمواجهة التحديات التي تواجهها بلاده.
وفي تل أبيب، أكدت مصادر إسرائيلية أن التدريبات الجوية الإسرائيلية بدأت منذ عام 2005، عندما تسلم قائد سلاح الجو السابق، دان حالوتس رئاسة هيئة الأركان، وحصل على تفويض كامل بتعزيز الاستعدادات العسكرية تحسبا لمواجهة كبرى مع إيران. وفي هذا السياق، أكد مسؤول إسرائيلي، طلب عدم كشف اسمه، أن التدريبات الإسرائيلية قد حصلت فعلا، وأنها اشتملت على مناورات ضخمة ضمت عشرات المقاتلات. وأن معظم الدلائل تشير إلى أنها موجهة إلى إيران نظرا للمسافة الكبيرة والبعيدة التي قطعتها تلك الطائرات في مناوراتها. في حين استبعد مسؤول إسرائيلي آخر أن يقوم سلاح الجو الإسرائيلي بأكثر من ضربة جوية واحدة للمنشآت النووية الإيرانية، حيث يرى الخبراء أنها تحتاج إلى ألف طلعة جوية لتدميرها. وأضاف أن مئة طائرة كافية لشن غارة، لكنها لا تكفي للتعامل بشكل نهائي مع القدرات النووية الإيرانية، ولهذا فإن إسرائيل لن تُقدم على هذا العمل بمفردها إلا إذا سُدت كل الطرق أمامها.
ويوضح الخبير العسكري الأمريكي، سام غاردينر، أن المنشآت النووية الإيرانية بعيدة ومتناثرة ومحصنة، ومن الصعب على إسرائيل بمفردها تدميرها. ولذلك تميل الإدارة الأمريكية إلى القيام بضربة شاملة تشنها ألف طائرة، على نقيض الضربة الإسرائيلية التي تهدف إلى تعطيل البرنامج النووي الإيراني وليس تدميره. أما الخبيران الاستراتيجيان، ويتني راس وأوستن لونغ فإنهما يعتقدان أن الطيران الإسرائيلي قادر على مهاجمة أهداف نووية إيرانية محددة والإضرار بها بشكل كبير. ويؤكدان أن العملية الجوية ضد إيران لن تكون أكثر خطورة من العملية التي نفذتها إسرائيل ضد مفاعل تموز العراقي عام 1981، وسيكون من شأنها تعطيل القدرات الإيرانية على تطوير أسلحة نووية.
أما كريستيان ساينس مونيتور فقد أشارت إلى أن الضغط يتزايد على طهران بعد موافقة الأوروبيين على فرض عقوبات جديدة عليها وتلويح الرئيس، جورج بوش بتنفيذ ضربات عسكرية بحقها في حالة إصرارها على المضي قدماً في تنفيذ برامجها النووية. وكان بوش قد أشار أثناء اجتماعه في ألمانيا مع المستشارة أنجيلا ميركل، إلى أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة بما فيها إمكانية استخدام القوة العسكرية ردا على أنشطة إيران النووية.
ومن جهة أخرى، نبه مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي إلى أن توجيه أي ضربة عسكرية لإيران سيدفعها إلى اعتماد خطة سريعة لتحويل برنامجها النووي السلمي إلى إنتاج سلاح نووي ترد به، كما أنه سيحول المنطقة إلى كرة من نار. كما حذرت الحكومة الروسية، من تكرار سيناريو العراق مع طهران. وقال سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي، إن سياسات الدول ينبغي أن تبنى على وقائع مادية. ونوه في هذا السياق، إلى الذرائع التي ساقتها الإدارة الأمريكية لاحتلال العراق عام 2003، والتي اتضح أنها كانت ملفقة. وأشار المسؤول الروسي إلى أن بلاده طلبت من أمريكا وإسرائيل أن تقدما معلومات فعلية تدعم زعمهما بامتلاك إيران أسلحة نووية.
أما الإيرانيون، فقد أوضحوا على لسان الرئيس أحمدي نجاد أن بلادهم ستقطع يد كل من يعتدي على إيران، وذلك رداً على ما تناقلته وسائل إعلام أمريكية بقيام إسرائيل بتدريبات لقصف المفاعلات النووية الإيرانية. ومن جانبه قال آية الله علي خامنئي في خطبة الجمعة إنه إذا كان الأعداء وخصوصاً الإسرائيليين ومؤيديهم في الولايات المتحدة يسعون للجوء إلى القوة فليكونوا واثقين بأنهم سيتلقون صفعة رهيبة. وجدد قائد قوات الحرس الثوري، الجنرال محمد علي جعفري تحذيراته من مغبة مهاجمة إيران. وقال إن “إسرائيل تقع على مرمى صواريخ الجمهورية الإسلامية، ولا يمكن للنظام الصهيوني، رغم كل قدراته، مواجهة قوة إيران وقدرتها الصاروخية.
وكان رئيس الأركان الأمريكي، الأميرال مايكل مولن قد وصل إلى القدس في نهاية الأسبوع الماضي، والتقى مباشرة مع نظيره الإسرائيلي الجنرال، غابي أشكنازي. وقال المتحدث باسم البنتاغون، جوزيف موريل إن مولن بحث في جولته عدة مسائل عسكرية ، في مقدمتها “التهديد الذي تمثله إيران بسبب طموحاتها النووية العسكرية ونفوذها في العراق وأفغانستان”.
ماذا تعني كل هذه التصريحات؟ هل نحن أمام تصادم بالسلاح في غضون الأسابيع القادمة؟ وهل بدأ العد التنازلي لحرب أخرى في المنطقة؟
من أجل الخروج بجواب مقبول على هذه التساؤلات، ينبغي أن نقوم بقراءة لا تكتفي فقط بقدرات كل الأطراف المعنية بالهجوم على تنفيذ الضربة الأولى، بل ينبغي أن يكون الاهتمام منصبا أكثر على ردود الفعل الإيرانية بعد تلقي الضربة. وما هي جملة الأوراق التي بحوزتها. وكيف سيتم استثمار تلك الأوراق في هجومها المعاكس.
بالتأكيد تملك الإدارة الأمريكية، إذا ما قررت الهجوم على إيران، أقوى ترسانة للسلاح بمختلف أنواعه، على الكرة الأرضية. ولن نجافي الحقيقة حين نقول إن الإدارة الأمريكية سوف تكون سعيدة، بتقديم أحدث التقنيات العسكرية في مستودعاتها للكيان الصهيوني، إذا ما عهد لسلاحه الجوي بتنفيذ الضربة الأولى ضد إيران.
ورغم ذلك، فإن ما هو متحقق على الأرض يؤكد أرجحية الأوراق التي تمتلكها إيران، في أية مواجهة قادمة بينها وبين الأمريكان والإسرائيليين. ولعل أهم ورقة تمتلكها إيران هو شراكتها مع الإدارة الأمريكية في اختطاف العراق. وهذه النقطة الجوهرية تطرح مسألة في غاية الأهمية. هل الإدارة الأمريكية على استعداد للتضحية بمشروعها للقرن الواحد والعشرين، في مقابل ضرب المنشآت النووية الإيرانية؟. بمعنى آخر، هل ستقبل أمريكا، بالخروج نهائيا من العراق، مقابل الهجوم على إيران؟.
لقد بنت الإدارة الأمريكية مشروعها في العراق، اعتمادا على المحاصصات الطائفية والإثنية. ومن أجل تكريس نموذج التفتيت، أسست المجلس الانتقالي، والجيش والشرطة، بقيادات طائفية موالية لإيران. وقرار الهجوم على إيران، يقتضي التراجع عن كل ما دشنته الإدارة الأمريكية من مشاريع تفتيتية بالعراق، طيلة الخمس سنوات المنصرمة. وقد وضعت البيض في سلة واحدة، بحيث أصبح من المتعذر بل من المستحيل، تغيير المعادلة السياسية القائمة بالعراق في ظل الاحتلال.
إن تقرير ذلك ليس من باب القراءة والتحليل، بل هو أمر تفرضه الوقائع ومجريات الأحداث. فحزبا الدعوة والمجلس الأعلى يسيطران على الحكومة والجيش والشرطة، وتقوم ميليشياتهما، بالتنسيق مع الأمريكيين في قمع المقاومة الوطنية للاحتلال. والحزبان يرتبطان بعلاقة عقدية، تجعل التفريط بالعلاقة الاستراتيجية مع النظام في إيران في حكم التابو.
ومن جهة أخرى، تملك إيران ورقة أخرى مهمة، تتمثل في ثقل حزب الله في لبنان. وقد أثبتت هذه الورقة قدرتها وفعاليتها في حرب يوليو عام 2006. وتشير تقارير عديدة إلى أن حزب الله قد عوض عن خسائره من السلاح الذي فقده في تلك الحرب، كما تلقى أسلحة بتقنيات عالية من إيران. وكما كان قادرا على إلحاق الأذى بالمدن الواقعة في شمال فلسطين، بما في ذلك حيفا والناصرة وتل أبيب، فضلا عن المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الحدود اللبنانية، فإنه سيكون أكثر قدرة على تحقيق ذلك في حالة نشوب حرب بين إسرائيل وإيران.
وللأسف فإن إسقاطات الحرب بين إيران والأمريكيين والصهاينة، ستكون ثقيلة على منطقتنا العربية، وعلى وجودنا ومصالحنا، ولذلك فلا مندوحة من متابعة مناقشة هذا الموضوع، واستكمال الإجابة على الأسئلة المطروحة في الحديث القادم بإذن الله تعالى
اضف تعليق
اسمك بريدك الالكتروني
تعليقك:
تعليقات
* تعليق #1 (ارسل بواسطة ناصرجميل)
بسم الله الرحمن الرحيم
الاستاذ يوسف المحترم
ايران والصهيونيه وجهان لعمله واحده ورصيدهما فى البنك الامريكى . وولاية الفقيه امريكيه صهيونيه صنعت فى المطبخ الفرنسى ووضعت لها الخميره المناسبه كأي معجنات فرنسيه0
وعلينا قبل نفكر فى هذه الجعجعه نفكر كيف تخلص الخميني من المدرسه الصدريه اللبنانيه المنافسه له وبتخطيط من لنستنج ان ايران لن تهاجمها امريكا وان تعرضت لضربة هنا وهنالك فهى من باب الفاتوره المدفوعه سلفا0 لكن نحن كعرب اين هى خططنا وحساباتنا تجاه ما يجري من حولناوهل يبقى الخليج العربى مسرحا ومرتعا فى ان واحد0 هذا هو اسؤال المطروح
فائق الاحترام والتقدير
ناصر جميل
* تعليق #2 (ارسل بواسطة محمد منصور)
من الغريب جدا ان يظن رجل عاقل ان ايران عدوة لأمريكا واسرائيل حتى ولو قامت اسرائيل بضرب ايران وأيدتها أمريكا فإن ذلك ليس الا خطة تمويه جديدة على العالم للإستحواذ على الثروات الطبيعية بالخليج العربي بدون تنافس مع أحد ولكل جهة من الأصدقاء الثلاثة غايته والتي تصب بالتأكيد ليس لصالح العرب والمسلمين فإيران تريد طغيان مشروعها الإمبراطوري الفارسي على العالم العربي واعادة تشكيله من جديد ليظهر بقوة ويسيطر على ارادة العرب والمسلمين واسرائيل بحاجة لسحق اي أمل للعرب لكي يكونوا ندا لها في يوم من الأيام وتحقيق حالة من الأمن مطلقة لا يمكن المساس بها وتوفير حيز من هذا الأمن يجعل الكيان الصهيوني قابلا للحياة أطول فترة ممكن ولا يمكن تحقيق ذلك الا بتدمير كل بؤرة تبعث في الأمة العربية الأمل من جديد وهنا فإنني لا أقصد ايران طبعا ولكن أقصد الخليج العربي ومقدراته المالية والنفطية الضخمة والتي ان سمح لها (وهذا بالإمكان لولا سقوط الحكام العرب وخنوعهم في العمالة للغرب)ان تتجه نحو إصلاح العالم العربي ستكون أكبر مصيبة تحل على الكيان الصهيوني بل والعالم المعادي للإسلام والعروبة اما أمريكا فإن غايتها واضحة وهي إعادة السيطرة على العالم بعد ان اصبحت الصين منافسة لها صناعيا في جميع المجالات وتحررت من قيود الإنغلاق التي كانت تعاني منها بالسابق وكذلك عودة روسيا الى الساحة الدولية بقوة بعد ان تخلصت من تركة الإتحاد السوفيتي الهائلة من الإفلاس والديون وكذلك ظهور بعض التمرد في العالم بعد ان هز المقاوم العراقي صورة الجيش الأمريكي ليظهر فعلا انه نمر من ورق ولا يكون ذلك الا بخنق الخليج العربي وحظر تصدير البترول منه مدة لاتقل عن 6أشهر لينتهي المخزون الإستراتيجي العالمي من البترول فيعود العالم خاضعا الى الإرادة الأمريكية والسيادة على العالم من جديد بالسيطرة على صمام البترول في الخليج.وهذا كله ممكن بتوجيه ضربة بسيطة الى ايران التي تتوعد وتتهدد إعلاميا وكل هذا هراء ليس أكثر.وبمجرد حدوث هذه الضربة ستكون لدى ايران اقوى الأسباب لدخول الخليج العربي والسيطرة على المضيق وتأتي أمريكا حبيبتنا لتحررنا من هذه السيطرة وتستمر هذه المسرحية الساقطة لتنجب لنا في نهايتها الشرق الأوسط الجديد وعندما نظن ان العراق سيكون عبئ على امريكا فإننا نبتعد عن الحقيقة لأن هذا السيناريو مدروس بدقة كبيرة ستصرف انظارنا كالعادة عن كل الأحداث التي تجري هناك وكلما احتاجت امريكا واسرائيل لتغطية مصيبة تحل بنا أشعلت مصيبة جديدة ونحن ما زلنا اطفال يسهل إقناعنا والضحك علين.
عندما نقول ان ايران عدوة لأمريكا فإن ذلك يعني ان العدو يحب ان يصدر الأسلحة لعدوه كما في ايران جيت
بل واننا نزداد حمقا حين نظن ان امريكا كانت لتسمح للخميني دخول ايران بكل تلك البساطة والبراءة ليصبح عدوا لها كما نجح في تصوير نفسه للإعلام وبالذات الإعلام العربي ليبقى المواطن في تلك المنطقة حائرا بين الشيعي الذي سيحرر الأقصى من خلال بغداد وبين البعثي الذي ينادي بعودة أمجاد العروبة والذي نسي ان مجدنا لم يكن ليحدث لولا عزة الإسلام كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه.كل تلك المعادلات في الساحة الدولية أصبح الأطفال في حينا الفقير قادرين على كشفها وكل ما يحدث من جديد على الساحة العالمية يدخل في تحليلهم وحساباتهم ولكن اين نحن العرب والمسلمين من كل هذه الأهوال؟لا اقول اين الحكام لإنهم جزء من مصيبتنا وليسوا جزءا من الحل لمشاكلنا بل أقول اين الشارع العربي الذي اعتاد على استقبال اللكمات حتى انه اصبح لايستيقظ مهما كانت اللكمة قويةنحمل صور حسن نصرالله ولا نعلم انه لايسعى الا لنصرة عدونا!!والأغرب اننا اذا تحدثنا عن محاولة لتغيير واقعنا نحن يرتجف البعض خوفا من كلاب الحاكم ولكنه ينسى بأنه سيموت جوعا وذلا اذا بقي هكذا ومازال مشوارنا طويل ومصيتنا في أنفسنا تتعاظم
* تعليق #3 (ارسل بواسطة محمد شاكر)
ما عندي تعليق على الموضوع فقط احببت ان اهمس في اذن ناصر جميل صاحب اول تعليق احببت ان اقول له لماذا لا تعرض نفسك على المؤسسات السياسية والعسكرية ما دمت بهذا الحجم والكفاءة في التحليل ذلك أن اكثر التحليلات العالمية ترجح ان التردد الذي تعيشه امريكا وحليفتهااسرائيل بسبب عدم تقديرهم الدقيق للرد الايراني وانتم تقولون ان التحالف الخفي بين واشنطن وايران لا يسمح بحرب بينهما ولقد ذكرني تحليلك هذا بمحللة مصرية شاركت في برنامج في الجزيرة وقالت ان كل ما نراه من قتال وحرب بين حزب الله واسرائيل ما هو لعبة سياسية تفاهم عليها الطرفان وكان الطرف الآخر المواجه لخا في البرنامج ياسر الخطيب فأوسعها جلدا بعباراته التي يقطر منها حب للمقاومة وقد ازعجه ان يكون في العرب من يتكلم بمثل كلام السيدة المصرية واقول اخيرا واناعربي سلام علينا نحن العرب اذا كان تقييمنا للامور كتقييمك
* تعليق #4 (ارسل بواسطة braham)
قرأت التعليق الأول وفهمته وتحولت الى الثاثي علي أن أجد مايشفي غليلي ومباشرة تحققت من بدأ الخلاف هكذا أصبحنا ما أن يتكلم أحدنا حتى يبدأ النقد ويضيع جوهر الموضوع وينقطع حبل التواصل ويسود الصمت فلنصمت جميعا وكفى بالله شهيدا.