نحو مواجهة حقيقية لوباء «كورونا»

0 453

بات العالم على مشارف اقتحام الشهر الخامس، منذ بدأ الإفصاح عن انتشار فيروس كورونا، وقد بات واضحاً أمام العجز عن اكتشاف مصل مضاد له قريباً، أن علينا التعايش مع هذا الوباء، في الحد الأدنى حتى نهاية هذا العام. وإذا ما أخذنا الخط البياني الصاعد لظاهرة انتشاره السريع، فإن التقديرات الأولية أنه سيحصد قرابة خمسة ملايين من البشر، وعشرات الملايين من المصابين بالوباء، قبل انقضاء هذا العام. في الشهر الأخير وحده، تضاعف عدد المصابين بالوباء والذين توفوا، نتيجة انتشاره ثلاث مرات. والمصابون به تجاوزوا ثلاثة ملايين من البشر، في حين قارب عدد الراحلين ربع مليون. وليس هناك ما يفتح بوابات الأمل بقرب انفراج المعضلة.

كشف الوباء، عن ظاهرة اللامبالاة من قبل المجتمع الدولي، وهي ظاهرة خطيرة حقا. فهذا المجتمع الذي يتبارى في مناقشة قضايا أخرى، كالاحتباس الحراري، والعولمة والجات، لم يحرك ما يستحق التسجيل هنا، سواء من قبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، أو المؤسسات الأخرى، الناظمة للعلاقات الدولية. بل إن عدوى اللامبالاة تسللت إلى المؤسسات الإقليمية. مع أن الوباء، لم يعد مقتصراً على بلد بعينه. بل بات شأناً دولياً، ماثلاً في كل لحظة، وبات الأمر الوحيد الذي يشغل بال البشرية، في هذا المنعطف من التاريخ.

بالمثل، نرصد عدم التنسيق الكافي، بين المؤسسات العلمية، ذات التخصص بنشأة الفيروسات وسبل القضاء عليها. أمر غريب، حين نستحضر اجتماعات مجلس الأمن، لمجرد وجود دولة من بلدان العالم الثالث، تمتلك أسلحة كيماوية، أو ما يطلق عليه بأسلحة الدمار الشامل، بل إن دول الهيمنة لا تتورع عن التعرض بالعدوان على هذه الدول، تحت ذريعة امتلاكها للأسلحة المحرمة. فتحت أي تبرير، يمكن اقناع شعوب العالم، بأسباب اللامبالاة باستفحال الوباء، وهو يطرق بقوة بلدان العالم الصناعي المتقدم، في عقر داره وفي أهم مواقعه الاقتصادية والمالية.

نحن في الواقع، أمام عودة شريعة الغاب، وتوحش غير مسبوق، منذ بدأت البشرية في صياغة المبادئ العالمية، للحق في الحياة والحرية والعيش الكريم. لقد تبين عجز المؤسسات الدولية والإقليمية، في مواجهة هذا الوباء، وعودة النعرات القومية، في دول تعلن أنها تجاوزتها منذ عدة عقود. وتبين أن مؤسسات كالاتحاد الأوروبي، والناتو، بل والأمم المتحدة هي أوهن في هذه الأزمة من خيوط العنكبوت.

الخطر الماحق، الذي يفتك بأرواح البشر هذه الأيام، لا يصيب الصحة فقط، بل يقتل الروح، وينشر الخوف والرعب، في كل زوايا الكرة الأرضية.

هناك حالة غير مسبوقة من الخوف، لدى البشر، مصدرها أن أحداً لا يعلم بالدقة، متى سنكون قادرين على هزيمة الوباء. وهناك أيضاً الخوف على المستقبل، الذي لا تشي مؤشراته أنه سيكون واعداً. فالبشرية لا تزال تتذكر أزمة الكساد الاقتصادي عام 1928، وكيف قاد إلى حرب عالمية ثانية، كلفت سبعين مليون قتيل، ودماراً هائلاً في ربوع المعمورة وتشوهات اجتماعية، وتحولات سياسية كبرى.

وفي الزمن القريب، عام 2008 تسببت أزمة الرهن العقاري، في إغلاق مئات البنوك بالولايات المتحدة، لتتحول الأزمة الاقتصادية الأمريكية، إلى أزمة عالمية، تسببت في انهيار أسواق المال، وطرد ملايين العاملين من وظائفهم. ومن نافلة القول، أن الأزمة الحالية، هي أعمق وأخطر بكثير من سابقاتها، وستلقي ظلالها كئيبة على العالم بأسره لعدة عقود، ما لم يتسارع قادة الدول، والفكر وصناع القرار، إلى العمل الجدي للتخفيف من مخلفات الأزمة.

ليس الهدف من هذا الحديث نشر الخوف والذعر، فقد باتا أمراً معاشاً، ولكن التحريض على فتح بوابات الأمل. وذلك يحتاج إلى المبادأة، وبحس إنساني عال، في تناول تبعات الأزمة، حاضرها ومستقبلها. بدءا من محاصرة الوباء، وسبل القضاء عليه، إلى معالجة تبعاته المدمرة للأمل في مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

البشرية الآن في قارب واحد، وفي مواجهة طوفان ماحق، فإما أن تتضافر جهودنا للإنقاذ، كل من موقعه أو سيجرفنا هذا الطوفان. نحن بين خيارين لا ثالث لهما، إما الاستسلام، أو العمل، وفتح بوابات الأمل، ولا خيار آخر.

صحيفة الخليج الإماراتية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

ستة + خمسة =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي