نحو استراتيجية عملية لمواجهة التطرف

0 479

إذا كانت التجربة هي خير دليل على نجاح أو فشل الاستراتيجيات، فإن كل ما لدينا من معطيات حول الحرب العالمية على الإرهاب، التي أعلن عنها منذ عام 2001، بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك والعاصمة الأمريكية واشنطون، تؤكد أن الاستراتيجية المعتمدة لهذه الحرب، لم تنجح في تحقيق أهدافها.

فالإرهاب الذي كان في حينه حصرا على مناطق معروفة، في أفغانستان وباكستان، وخلايا محدودة في بعض بلدان العالم، تمدد كأخطبوط ليشمل بلدانا كثيرة، لم يكن للإرهاب سابق وجود على أرضها. أصبحت له الآن قواعد ثابتة وجيوش ومؤسسات يعتد بها، تمكنت من السيطرة على مناطق واسعة في العراق وسوريا وليبيا واليمن… والاحتمالات مفتوحة على ما هو أخطر. وفي السنوات الأخيرة، برز داعش، كتنظيم منافس للقاعدة، وتفوق عليه في أدوات توحشه.

في الأشهر الأخيرة، سمع العالم بحادثة حرق الطيار الأردني معاد الكساسبة، على يد تنظيم داعش. وشهد العالم أيضا على شاشات التلفزة إعدام واحد وعشرين عاملا مصريا، من أتباع الديانة المسيحية. ذهبوا لكسب الرزق في ليبيا وكان إرهاب داعش قد قادهم إلى المصير المحتوم، حيث تم إعدامهم بدم بارد من غير ذنب. وعند كتابة هذا الحديث، نقلت الأنباء نبأ نقل داعش لأفراد من البشمركة في أقفاص، وهم يرتدون الملابس البرتقالية، تمهيد لإعدامهم.

وبالتأكيد فإن ما يتنامى لنا من معلومات حول جرائم داعش، وبخاصة ما تتكشف عنه عبقريتها من أعمال شنيعة، منافية لكل الشرائع، هو القليل. فأعمال قتل الجنود السوريين والعراقيين، بأساليب بشعة، ومغرقة في وحشيتها، من قبل العصابات الإرهابية تمارس كل يوم.

والنتيجة التي تستخلص من هذه المقدمة، هي أن استراتيجية مواجهة الإرهاب، التي اعتمدها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، لم تحقق أهدافها، بل أسهمت في توسع تنظيم داعش، وتمدده أفقيا وعموديا.

لقد تمكنت تنظيمات الإرهاب من استنزاف الجيوش العربية، وأسهمت في انهيار كيانات وطنية، وتهدد الآن أمن واستقرار عدد كبير من الدول العربية.

في الأيام الأخيرة، كانت المنطقة، مسرحاً لأعمال تخريبية غير مسبوقة، وبشكل خاص ما شهدته مصر من ارتفاع وتيرة التفجيرات في سيناء، ذهب ضحيتها العشرات من الشهداء والجرحى، وعمليات أخرى في قلب القاهرة، وعدد من المدن والبلدات في مصر الشقيقة. عمليات أخرى مشابهة تحدث يومياً في العراق وعشرات القذائف تقصف العاصمة السورية دمشق. هذا عدا ما يجري في ليبيا واليمن وتونس.

قبل ستة أشهر، أعلن عن بدء التحالف الدولي، حرباً على الإرهاب في سوريا والعراق. وشاركت في هذه الحرب، دول من المنطقة وخارجها. حققت هذه الحرب نجاحات محدودة، في بعض المناطق، لكنها لم تحل دون تمدد تنظيم داعش لمناطق أخرى.

الملاحظ على هذه العمليات، أنها انتقائية، ولذلك لا يتوقع أن تتمكن من إلحاق الهزيمة بالإرهاب. فظاهرة الاستقرار، والتمسك بالأرض، ليست من طبيعة استراتيجيات الإرهاب وخططه. وما حدث في السنتين الأخيرتين، من محاولة “داعش” إقامة ما يعرف بالدولة الإسلامية، في العراق وبلاد الشام، هو أمر دخيل على فكر الحركات المتطرفة، المتسق مع فكرة الهجرة المستمرة، ولا يتفق مع تاريخها الطويل.

استراتيجية التمسك بالأرض، هي مرحلة متقدمة في حروب العصابات، وتتحقق عندما تنهار الدولة. والهدف الرئيس للتنظيمات الإرهاب هو استنزاف الخصم وإضعافه مادياً وبشرياً.

لقد أكدت الأحداث، ضرورة تلازم الحرب على الإرهاب بقضايا أخرى ملحة، لا تقل وجاهة وأهمية عن المواجهة بالسلاح. ولعل محاصرة خلايا الإرهاب، ومنعها من إيجاد أي ملاذ آمن لها هو أهم عنصر لإلحاق الهزيمة بالتنظيمات الإرهابية. إن ذلك يعني شمولية الحرب، واعتبارها مواجهة وطنية، في بعدها المحلي، وأممية في البعدين العالمي والإنساني.

وبالنسبة للعرب، فإن شرط هزيمة الإرهاب، هو اعتبار المواجهة، معركة مصيرية، تصل إلى مستوى الكينونة والوجود. إن قوة وصلابة الدولة المركزية هو الشرط اللازم لهزيمة الإرهاب. وليس أدل على ذلك من أن الإرهاب يتوغل الآن في أربعة مراكز: هي العراق وسوريا واليمن وليبيا. والجامع المشترك بينها هو ضعف الإدارة المركزية للدولة، لأسباب معروفة.

فالعراق لا يزال يعاني من جرح نازف، منذ احتلاله عام 2003، حين أسقطت دولته، وصودر كيانا وهوية، وأقيم نظام بديل يستند إلى القسمة بين الطوائف والأقليات. وفي سوريا تراجعت سلطة الدولة على كثير من المناطق. وقد تمركزت المجموعات الإرهابية، في مناطق على الحدود السورية العراقية، في مناطق تتميز باتساع الرقعة البرية، وخلوها من الكثافة السكانية، فكان أن استثمرت نقطة الضعف هذه، لتقيم عليها داعش “دولتها”.

في ليبيا انطلق ما عرف ﺒ”الربيع العربي”، بشكل مفاجئ، وسقطت سلطة القذافي، بفعل المساندة الجوية، من قبل الغرب للثوار، الذين لم يتمكنوا من بناء مؤسساتهم، حتى هذه اللحظة. وحين سقط نظام القذافي، تكشفت جملة التناقضات التي تحكم العلاقة فيما بينهم، في ظل تكدس مهول للسلاح. وبدا أن التيارات المتطرفة، هي الأكثر تغولاً وتأثيراً في الحراك السياسي. فكانت نتيجة ذلك هو تسلم تنظيم “القاعدة” وأخواته مقاليد الأمور في البلاد وضعف الدولة المركزية واستمرار الفوضى. ولتصبح ليبيا من أهم ملاجئ الإرهاب النموذجية بالبلدان العربية.

في اليمن، بقيت البلاد بتشكيلاتها القبلية ما قبل التاريخية. ولم تفلح محاولات التحديث، بسبب التكوين القبلي والعشائري، العصي على التغيير. وكان أهم قانون يحكم هذه الهيكلية، هو الانتقال السريع في الولاءات. فحليف اليوم، يمكن أن يكون خصماً في الغد. وقد أتاحت هذه البنية فسحة للمجموعات الإرهابية لالتقاط أنفاسها، والتواجد بقوة في أرض اليمن.

والخلاصة أننا أمام عناصر أساسية لازمة للانتصار على الإرهاب، لعل أهمها تقوية الدولة الوطنية، باستعادة روح التضامن العربي، ولمعاهدة الدفاع العربي المشترك وتجاوز الانتقائية في الحرب على الإرهاب، وتشكيل جبهة عربية متينة لمقاومته. وتلك عناصر يلزم لتحقيقها الوعي والإرادة والقدرة على الفعل.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

أربعة عشر + 12 =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي