موت لك فرج لي

7

من الأمثال العربية القديمة، التي راجت وجرى استخدامها في مناسبات عديدة، المثل الذي تصدر هذا الحديث. والمعنى في المجال الاقتصادي، يشير بوضوح، أن موت الدائن، حين لا يكون له وارث هو مكسب للمدين، وحتى في ظل وجود ورثة تكون وفاة الدائن مدعاة للتأجيل ولو إلى حين. وقد استخدم هذا المثل في مجالات أخرى، تشير في مضمونها إلى المعنى ذاته.
في الحرب التي تشن على غزة الآن من قبل الدولة اليهودية، تضامنت إدارة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، بالمطلق مع السياسة الإسرائيلية، وقدمت مختلف أشكال الدعم، بحيث تكرر الحديث عن وجود جسر جوي بين واشنطون وتل أبيب، لنقل المعونات الأمريكية من الأسلحة والذخائر، لاستخدامها في الحرب ضد الفلسطينيينً
في الحرب التي شنتها إدارة الرئيس فلاديمير بوتين على أوكرانيا، في 24 فبراير/ شباط عام 2022م، دعمت الولايات المتحدة الأمريكية، عسكريا وسياسيا، حكومة زيلينسكي، وذلك أمر له ما يبرره. فالحرب الروسية، شنت بالأساس، لمنع أوكرانيا من الالتحاق بحلف الناتو، حيث سيكون ذلك لو تحقق بمثابة مسدس فوق رقبة الأمن القومي الروسي. وقد أرادت إدارة الرئيس الأمريكي بايدن، أن تحول الهجوم الروسي إلى فرصة، تستنزف من خلالها قوتها العسكرية والاقتصادية. إضافة إلى أنها ستكشف، نوعية الأسلحة التي صنعتها، والتي بقيت مجهولة للأمريكيين.
ومع أن هذه الحرب قد طالت أكثر مما هو متوقع، فإن روسيا تمكنت من خلال احتلالها لبعض الأراضي الأوركرانية، خاصة تلك التي يسكنها ناطقون باللغة الروسية، من توسيع دائرة عمقها الاستراتيجي، فإن الهزائم المتكررة للجيش الأوكراني، لم تدفع بأمريكا إلى مراجعة مواقفها، بل واصلت دعمها بقوة لأوكرانيا، فإن الإدارة الأمريكية، واصلة دعمها غير المشروط لحكومة زيلينسكي، وغضت الطرف عن اتهامات متكررة لإدارته بالفساد. وتبتعتها بريطانيا وألمانيا وعدد آخر، من الدول الأوروبية، في تقديم مختلف أشكال الدعم.
الحرب الدائرة في غزة، وانهماك الإدارة الأمريكية بتفاصيلها، حتى باتت، من وجهة نظر كثير من المحليين السياسيين، ومعاهد الدراسات الاستراتيجية، شريكة كاملة فيها. وكان من نتائج ذلك أن تراجع الاهتمام الأمريكي والأوروبي، بما يجري فوق الأراضي الأوكرانية.
ليس ذلك فحسب، بل إن إسرائيل ذاتها، هي حليفا مهما لأوكرانيا، ضد روسيا، وقد قدمت بعض أشكال الدعم العسكري، بما في ذلك خبراتها القتالية، وبعض المتطوعين اليهود من الأصول الأوكرانية. وذلك أمر مفهوم، إذا ما ربطناه بتحالفها مع الغرب، ضد روسيا بوتين.
في الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة الآن، تراجع الاهتمام الأمريكي والإسرائيلي معا، بما يجري على الجبهة الاوكرانية. وقد تنبه الرئيس الروسي بوتين لهذا التراجع، واعتبره فرصة ينبغي استثمارها بقوة. واتسمت سياسته تجاه ما يجري على أرض غزة في الأيام الأولى، بالسلبية، مكتفيا بالإدانة الخجولة للعدوان، وبمواقف لا تسمن ولا تغني من جوع في مجلس الأمن الدولي. وربما هدف من هذه السياسة، إلى إشغال الإدارة الأمريكية وحلفائها بما يجري في غزة، وترك المجال له لشن هجمات ماحقة على الجيش الأوكراني، في ظل غفلة أمريكية.
قبيل عدة أيام شنت روسيا أكبر قصف جوي على أوكرانيا، منذ بداية الحرب، شمل تنفيذ خمسين غارة جماعية على الأراضي الأوكرانية، وصفه مسؤول رفيع بالأمم المتحدة، بالاعتداءات المروعة، وتسبب في مصرع ثلاثين أوكرانيا على الأقل بحسب تصريحات كييف. وقد دفع ذلك بالرئيس الأمريكي، يوم الجمعة الماضي، بحض الكونجرس الأمريكي، لاتخاذ خطوات طارئة وسريعة، معتبرا هذا الهجوم رغبة روسية في محو أوكرانيا من الخارطة. وفي السياق ذاته، وردا على الهجمات الروسية، أعلن وزير الدفاع البريطاني، جرانت شابس أن بريطانيا سترسل نحو مائتي صاروخ للدفاع الجوي لأوكرانيا، لمواجهة الضربات الروسية المكثفة للأراضي الأوكرانية.
وقد دفعت التطورات العسكرية في أوكرانيا، ببعض المحللين العسكريين للتنبأ بأن عام 2024، سوف يشهد نهاية الحرب، برفع أوكرانيا للراية البيضاء، وإبلاغ الحكومة الروسية باستعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة معها، للتوصل إلى حل سلمي للأزمة، بعد أن بات متعذرا حسمه عسكريا. وإذا ما تحقق ذلك، فسيكون من المستبعد وغير المنطقي، ربط هذه التطورات بما يجري من عدوان إسرائيلي على غزة، قرابة ثلاثة أشهر، والذي كرس معادلة جديدة في الصراع الأوكراني، تمثلت في دعم عسكري أمريكي لامحدود لإسرائيل، وتقليص لهذا الدعم على الساحة الأوكرانية، ولتكون روسيا هي المستفيد الوحيد من هذه المعادلة، وليحضر المثل العربي: “موت لك فرج لي”.

التعليقات مغلقة.

د.يوسف مكي