مواضيع هامة أمام مؤتمر القمة في شرم الشيخ

0 434

بعد انقطاع طويل، تعود القمة العربية إلى الانعقاد في ظروف دولية وعربية وإقليمية بالغة التعقيد. والمفترض إنه تم الإعداد الجيد لانعقادها، بحيث تستجيب للتحديات والأحداث العاصفة التي تواجهها الأمة.

وكان من المتوقع أن يناقش القادة العرب، المبادرة العربية لحل المسألة الفلسطينية، على قاعدة الاعتراف المتبادل بوجود دولتين على أرض فلسطين التاريخية. دولة “إسرائيل” في حدودها التي كانت قائمة عليها حتى الرابع من يونيو عام 1967، ودولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف، وتقوم على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة.

هناك جدول أعمال مكتظ، بالإضافة إلى القضية الفلسطينية، يعكس تعقد وعمق المشاكل التي تمر بها البلدان العربية، على رأسها الأزمة اليمنية، والأزمة الليبية، والأزمة العراقية، والأزمة السورية… وكأن قدر هذه الأمة في هذه المرحلة، أن تكون لها أزمة في كل زاوية من زوايا الوطن الكبير المقهور.

وهناك عامل جديد متدخل، هو تداعيات الأحداث في اليمن الشقيق، وانتقالها من حافة الحرب إلى حرب حقيقية، ستكون بالتأكيد على رأس جدول أعمال القادة العرب. والمؤكد أن هذه القضية، ستغطى بحكم الواقع، على كل القضايا في اجتماعات القمة المرتقبة. وهي قضية شغلت الإعلام كثيرا في الأيام الأخيرة.

الأزمة اليمنية، تناولناها كثيرا بالتحليل في أحاديث سابقة، من بينها قراءة تحليلية للأحداث قبل عدة أسابيع، والواضح أن هناك شبه إجماع عربي، على الخطوة التي أقدمت عليها المملكة، ولذلك لن تشهد القمة اختلافات كبيرة حولها. وسيجري التأكيد على أن الحل النهائي للأزمة اليمنية سيكون بعودة مختلف الأطراف إلى طاولة المفاوضات، على أساس المبادرة الخليجية، للتوصل إلى عملية سلمية، تضع المسار السياسي اليمني على السكة الصحيحة.

القضية التي ربما تثير جدلا كبيرا هي إعادة النظر في المبادرة العربية للسلام، في ظل العودة المحتملة لبنيامين نتنياهو لرئاسة الحكومة الإسرائيلية.

هناك أيضا وجهات نظر مختلفة، حول الأزمة السورية، وبشكل خاص بعد تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، بأنه يبدو أن لا مفر من التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد، ورفض بعض أطراف المعارضة لهذا التصريح. وقد جاءت هذه التصريحات في ظل ارتفاع وتيرة مطالبة عدد من الدول الكبرى بالتوصل إلى حل سياسي، وإيقاف نزيف الدم السوري، الذي استمر أكثر من أربع سنوات، وحصد أكثر من مائتي ألف قتيل.

في الأزمة الليبية، هناك ما يقترب من الإجماع على دعم الحكومة المركزية، في مواجهة الإرهاب والميليشيات المسلحة، وإعادة بناء الدولة وتسليح الجيش الليبي، ليكون قادرا على الاضطلاع بدوره في الدفاع عن الوطن وتحقيق الاستقرار.

الموضوع الشائك الذي سيواجه اجتماع القمة، هو القضية الفلسطينية. فهناك أزمة الانشقاق بين حكومة فتح في رام الله بالضفة الغربية، التي يقودها الرئيس الفلسطيني أبومازن، وحكومة حماس التي يقودها إسماعيل هنيه في قطاع غزة. وهي أزمة مستعصية مضى عليها وقت طويل. وليس من الممكن الحديث عن مواجهة لغطرسة الكيان الصهيوني مع انشطار القطاع عن الضفة.

الأمر الآخر هو تعثر عملية السلام، وعدم وجود بارقة أمل للخروج من النفق الراهن، خاصة بعد فوز الليكود مرة أخرى، في الانتخابات البرلمانية وحصوله على ثلاثين مقعدا، بعدد ثلاثة عشر مقعدا مضافا عن دورة الانتخابات البرلمانية السابقة، التي حصد فيها سبعة عشر مقعدا.

لقد خاض بنيامين نتنياهو الانتخابات تحت شعار عدم تمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم المستقلة. ورغم أنه تراجع لاحقا عن هذا التصريح، لكنه لم يوضح حتى هذه اللحظة رؤيته لتحقيق السلام، وهل تعني انسحابا كاملا من الأراضي المحتلة، أم تسويفا ومماطلة وشراء للوقت، لبناء المزيد من المستوطنات، وللمضي قدما في تهويد المدينة المقدسة.

لقد دفعت تصريحات نتيناهو هذه، ورفضه القبول بأي حل سياسي للخروج من المأزق، بالرئيس الأمريكي باراك أوباما، في معرض تعليقه على نتائج الانتخابات الأخيرة التي انتهت بفوز نتنياهو إلى القول أن بلاده “بحاجة إلى إعادة تقييم سياساتها” بعد أن احتكرت الولايات المتحدة رعاية “عملية السلام” ومفاوضاتها بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين دولة إسرائيل، منذ عام 1991م.

وفي هذا السياق، أشار مفاوضي المنظمة صائب عريقات إن “إسرائيل انتخبت دفن عملية السلام”. وقد دفعت هذه التطورات باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إلى إصدار بيان سياسي، أوضحت فيه، أنها أمام “مفترق طريق مصيري وتاريخي”.

ليس أمام منظمة التحرير الفلسطينية، أية أوهام الآن بشأن السلام. وطريقها الوحيد هو مواصلة اكتساب الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية المستقلة، والعمل على إنجاح الشكوى التي تقدمت بها إلى محكمة الجنايات الدولية، بحق الكيان الغاصب، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ورفض تهويد المدينة المقدسة، وتحقيق المصالحة الفلسطينية بين الضفة والقطاع، وتحشيد التأييد العربي والإسلامي لمساندة القضية الفلسطينية، وإعادة الروح للجنة القدس.

وأمام مؤتمر القمة العربي، الذي يعقد في شرم الشيخ، ستطرح هذه القضايا، بعد أن وضعت مبادرة السلام العربية، التي رعتها القيادة السعودية، أمام الامتحان وفشلت في تحقيق أهدافها بسبب التعنت الإسرائيلي، ومواصلته رفق الاعتراف بالحقوق الفلسطينية. وينتظر الفلسطينيون من القمة قرارات تشفي غليلهم، وتكون عامل تسريع في تحقيق صبواتهم في الحرية والانعتاق.

مواضيع مهمة تنتظر قرارات تاريخية بحجم التحدي الذي تواجهه الأمة، وعليها يتحدد موقع العرب في الخارطة الكونية، الخارطة التي لا تحترم سوى لغة الكبرياء والقوة.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

خمسة × خمسة =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي