من يقف خلف التسعير الطائفي في العراق؟

0 184

العراق بلد التآخي والتنوع الديني والطائفي والإثني، والذي استمد، لفترة طويلة من تاريخه، قوته من لوحته الفسيفسائية التي منحته خصوبة وثراء من نوع خاص شهد خلال هذا الأسبوع فتنة طائفية، لا يعلم إلا الله وحده إلى أين تتجه، وإلى أين سوف تنتهي. فمن هو الذي يقف وراء هذه الفتنة ويغذيها، كلما حاول المخلصون من أبناء البلاد إخمادها؟.

 

والجواب على هذا السؤال، لكي يكون صادقا وموضوعيا، فإنه ينبغي أن يطل على الخارطة السياسية المحلية، في هذه المرحلة، وعلى التطورات التي أخذت مكانها في بلاد الرافدين منذ العدوان الأمريكي عليه، الذي انتهى باحتلاله في أبريل عام 2003، وأيضا على طبيعة الاصطفاف والتحالفات السائدة، والقوى الفاعلة في مجمل الصراع الدائر الآن في العراق، وردود الأفعال الرسمية والشعبية السابقة تجاه التفجيرات التي حدثت بالأماكن المقدسة.

 

وابتداء نشير إلى أن أول حكومة انتقالية جرى تعيينها من قبل المحتل، قد شكلت على أسس محاصصات طائفية وإثنية. وقد حذرنا في حينه من أن الطريقة التي جرى بها ذلك التشكيل، هي دون شك قنبلة موقوتة لتفتيت العراق والتحضير لتقسيمه مستقبلا، استنادا على تلك المحاصصات. وتلاحقت الأحداث لتؤكد ما ذهبنا إليه وحذرنا منه، منذ الأيام الأولى للاحتلال. وكان مشروعا الدستور والفدرالية هما أحد التعابير عن تلك النوايا التي بيتتها الإدارة الأمريكية نحو هذا البلد الشقيق.

 

القوى التي تفعل فعلها الآن في صناعة الأحداث في بلاد الرافدين هي بالدرجة الأولى قوة الاحتلال والقوى التي تردفها من جهة، وعناصر المقاومة العراقية والشعب الذي يردفها من جهة أخرى. وقد ثبت بالدليل، من خلال المقاومة الباسلة التي أبداها العراقيون للاحتلال استحالة إخضاع هذا الشعب، وأصبحت هزيمة المشروع الأمريكي في العراق مسألة وقت. وقد بدأ الحديث في الأوساط الأمريكية، وعلى مختلف الصعد، عن انسحاب أمريكي مبكر، بعد أن تصاعدت بشكل ملحوظ حجوم الخسائر في الجنود الأمريكيين وعناصر الأمن العراقي التابعة للمحتل، بحيث يكاد لا يمر يوم دون سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف قوات الاحتلال. وجرت محاولات للتفاوض مع المقاومة العراقية، على أساس إشراكها في العملية السياسية، بما يحفظ للأمريكيين مكتسباتهم السياسية والإستراتيجية. وانتهت تلك المحاولات إلى فشل ذريع، لأن استراتيجية المقاومة وبرنامجها السياسي يركزان على وجوب انسحاب القوات الغازية من العراق دون قيد أو شرط.

 

وبالإضافة إلى هاتين القوتين، توجد ميليشيات بدر والدعوة، وهي مسنودة من قبل إيران، وتتلقى الدعم اللوجستي والمادي والمعنوي من قبل القيادة الإيرانية. وليس سرا أن تلك الميليشيات وقيادتها كانت تتمركز في طهران، حتى قبيل الاحتلال الأمريكي لبغداد. ورغم أن هذه القوى قد تحالفت مع الأمريكيين ونسقت معهم في مشروع الاحتلال، لكنها في الجانب الآخر، تنسق مع إيران، وتبلغ علاقتها بها حد التماهي مع سياساتها واستراتيجياتها في عموم المنطقة. ولذلك، فإنه مع تصاعد الصراع الأمريكي- الإيراني حول الملف النووي فإن صراعا بين الأمريكيين وبين هذه القوى بدأت معالمه تلوح في الأفق، وعبر عن نفسه في اتهامات متبادلة بين الطرفين حول الإساءة للسجناء العراقيين، في معتقلات وزارة الداخلية التي يقودها بيان جبر صولاغ، قائد ميليشيات بدر، ومعتقل أبوغريب الذي تشرف عليه قوات الاحتلال. كما بدا واضحا في تصريحات السفير الأمريكي، زلماي خليل زاده بأن الإدارة الأمريكية لن تسمح بقيام نظام طائفي في العراق، وأن الأمريكيين لن يمكنوا الموالين لإيران من تسلم وزارتي الداخلية والدفاع.

 

وهناك بالتأكيد العناصر التكفيرية، وهي في الغالب لا تنتمي للنسيج العراقي، وتتسلل من الخارج، وهم مجموعة من الأشباح الذين يتعذر أن تشملهم أية عملية سياسية، سواء في الوقت الحاضر، أو بعد طرد الأمريكيين وتحرير العراق.

 

بالنسبة لقوى الاحتلال، فإن مشروعها التفتيتي واضح، منذ البداية، وهو يأتي بداهة، منسجما مع الشعار الاستعماري التقليدي “فرق تسد”. وقد مورس هذا الشعار في معظم بلدان العالم التي شاءت لها مقاديرها أن تقع تحت القبضة الاستعمارية. ولا شك أن أي وحدة وطنية عراقية حقيقية ستزعزع مشروع الاحتلال، وتعجل برحيل الغزاة. في الجانب الآخر، فإن القوى المتماهية مع إيران، يهمها، وبخاصة في هذه المرحلة، أن تؤكد للغزاة أنها تشكل معادلة صعبة يجب أن تؤخذ في الحسبان، وأنه من غير الممكن للأمريكيين تجاوزها في القسمة، بل إن القسمة الأكبر يتحتم أن تكون من نصيبها، وبغير ذلك سيدفع الأمريكيون ثمنا باهظا جراء تصادمهم مع هذه القوى.

 

بالنسبة للمقاومة العراقية، فإنها لا تستطيع تحقيق برنامجها بفعالية دون وجود حزام شعبي يحميها ويقدم لها الدعم والمساعدة. ويدرك الأمريكيون تماما هذه الحقيقة، ولذلك فإنهم يمارسون العقاب الجماعي بحق الفلوجة والرمادي وتكريت وسامراء وبلد وهيت وبعقوبة ومدينة الصدر… يقتلون المدنيين ويهدمون المنازل، ويقصفون الأحياء السكنية بالطائرات والدبابات والمدفعية الثقيلة أملا في ترهيب المواطنين وزعزعة ثقتهم في قدرة المقاومة على المضي قدما في عملية التحرير.

 

ضمن هذه القراءة، وأخذا بعين الاعتبار الخارطة السياسية وطبيعة الاصطفاف واستراتيجيات قوى الاحتلال، فإن القوى المبرأة من عمليات التفجير في الأماكن المقدسة هي المقاومة. وتنحصر الاتهامات في القوى المتبقية: الاحتلال والقوى الرديفة له والتي لها امتداداتها خارج العراق، والعناصر التكفيرية.

 

ومن نافلة القول، أن عمليات القتل التي شملت الآلاف من العراقيين من مختلف الطوائف، والتي قامت بها ميليشيات بدر بحق عدد كبير من المسؤولين السابقين، تحت شعار اجتثاث البعث تارة، ومكافحة الإرهاب تارة أخرى، قد حقنت المشاعر الطائفية، وجاءت تصريحات الشبح، الزرقاوي المقيتة لتصب الزيت على النار، ولتضاعف من أوار الفتنة.

 

من حقنا إذن أن نتهم قوى الاحتلال والقوى التي تساند مشاريعه وعناصر التكفير والتفجير بأنها تقف خلف الفتنة. ونطرح في هذا الصدد تساؤلات مشروعة لم تجد جوابا حتى يومنا هذا. لماذا على سبيل المثال، لم يجر التحقيق في قصف القباب التي تعرض لها مقام الإمام علي بن أبي طالب في النجف الأشرف؟ ولماذا لم نسمع شيئا عن نتائج التحقيق في جريمة قصف مقام الإمام موسى الكاظم؟ وأين هي نتائج كارثة جسر الأئمة؟ بل واغتيال الخوئي والحكيم، والتي يعلم العراقيون جميعا أنها انعكاس لصراعات واحترابات داخلية بين التيار الصدري والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية.

 

أهل سامراء، الذين تعرضت مدينتهم للمهانة، هم من الطائفة السنية، وكانوا لقرون طويلة يشرفون على إدارة مقام الإمامين: الهادي والجواد، ويعتبرون أنفسهم أحفادا للإمامين. ولم يعرف عنهم أي مسلك طائفي فيما مضى. بل إننا نستطيع أن نقول إن وجود المقدسات الإسلامية في مدينتهم هو المصدر الرئيسي لرزقهم، نتيجة لوفود عشرات الألوف من الزوار لمدينتهم في كل عام، ولا يعقل أبدا أن يكونوا هم، أو المقاومة المسنودة من قبلهم، من يقترف هذه الجريمة الآثمة. ثمة أيد لها مصلحة في الاستيلاء على هذه المواقع هي التي ينبغي أن توجه لها أصابع الاتهام، وهي اتهامات مشروعة، إذا ما أخذ بعين الاعتبار الظرف السياسي وحالة الاحتقان الطائفي التي يمر بها العراق الآن.

 

وإذا افترضنا أن العناصر التكفيرية هي التي أقدمت على اقتراف هذه الجريمة، وذلك أمر غير مستبعد، فإننا هنا إزاء التعامل مع أشباح، ربما أمكننا أن نوجه التهمة لهم، ولكن من الصعب أن نحدد بالدقة العناصر التي أقدمت عليها، على وجه التحديد، لأننا كما قلنا، سابقا، نتعامل في هذه الحالة مع أشباح. أما الذين وجهوا بهدم المساجد وقتل المدنيين من الطائفة السنية، فهم معروفون بأسمائهم ووظائفهم، وهم يعملون في صفوف المحتل، ويسندون مشاريعه واستراتيجياته، وقد أفلتوا حتى تاريخه من الحساب والعقاب.

 

بقي أن نقول، إن المرجعية الشيعية وهيئة كبار علماء المسلمين والحريصين على أمن العراق واستقراره قد أحسنوا صنعا بدعوتهم إلى الوحدة وحقن الدماء، ومحاولتهم تضميد الجرح، من أجل أن يكون العراق وطنا لكل العراقيين، فعسى ألا يكون الوقت قد فات على هذه المحاولات النبيلة.. وحمى الله العراق وشعبه من كل مكروه.

 

yousifsite2020@gmail.com

 

 

 

 

 

 

د. يوسف مكي

تاريخ الماده:- 2006-03-01


2020-06–0 3-:03

عزيزة الخولى من مصر

كل التحية والتقدير أهديهما لقلمك الراقى دكتور يوسف ولفكرك المتعمق ، ولحضورك المتميز فى قلب الأحداث

كل التقدير

 

2020-06–0 3-:03

أنا من

لم يكن ولن يكون العقاب الجماعي لغير المناطق التي ذكرتهاباستثناء مدينة الصدر ،ثم أنك لم تستبعد التكفيريين وأنت واثق أن من فجر القبة هم الفرس بكل أذرعهم…وختمتها بشكر الحاخامات المسماة (مرجعيات)وهم من أيقظ الفتنة باستغباء فج لا يخطيء فهمه من يملك ذرة وعي إذ فرضوا حدادهم ومظاهراتهم المحرّضة على كل ما هو سني تماما كما فعل نصر اللات وفضل الله الذي نتمنى على الله ألا يزيدنا أفضالاًعلى شاكلتهم وتحياتي

 

2020-06–0 3-:02

عبدالله الجفال – ممثل مسرحي من السعودية

الوقت لم يفت أيها الدكتور العزيز فالمقاومة هي من تصنع تاريخ العراق وهي من تضع اللبنة الأولى لبناء عراق حر موحد ، الخائبون لا يملكون القوة من أجل البقاء على أرض العراق بعد رحيل المستعمرين ، فضلا عن القدرة على إيذاء شعب العراق.

الوقت لم يفت لأن الاستعمار يتكئ الآن على آخر خيوط الدفاع بتحويل العراق إلى ساحة احتراب طائفي يشعل نارها الذين تستروا وراءه وجاؤا تحت مظلته.هؤلاء يعرفهم الشعب العراقي المقاوم ويعرف ألاعيبهم. إنها مسألة أعلام كما قلت يتحكم فيها الطغاة الغزاة ويديرونها كيفما شاؤوا تدعهم في ذلك وسائل إعلام عربية متخاذلة. ولكن الساحة يمتلكها رجال العراق دون حواجز طائفية أو عرقيه فالمناضلون على أرض العراق لا تجمعهم هوية طائفية ولا عرقية هم عمق العراق الأشم بكل أطيافه وأعراقه.

مقاومة من هذا النوع ترتكز على قوة لا تحدها هوية ولا طائفة ولا عرق أقوى بكثير من القوى العميلة التي تتحكم فيها مثل هذه السمات.

هم قالوا قبل ذلك بأنهم سيلجأون إلى الحرب الطائفية إذا فشلوا في التحكم في شئون العراق وقد جاء دورهم ألآن قبل الإعلان عن انسحابهم وهزيمتهم بشكل غير مباشر.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

5 × 1 =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي