من وحي اجتماعات القمة العربية

0 265

عند صدور هذه المقالة يكون القادة العرب قد انتهوا من اليوم الأول من اجتماعاتهم، في قمة الرياض، وأخذوا يتهيؤون لاجتماعات اليوم التالي. ومما تنامى لوسائل الإعلام عن جدول أعمال القمة العربية، فإن من المؤكد أن القادة العرب قد تناولوا في مناقشاتهم موضوعي المبادرة العربية للتوصل إلى حل للصراع العربي- الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وقضية الاحتلال الأمريكي للعراق والتوصل إلى استراتيجية تضمن عودة العراق إلى الحظيرة العربية، بلدا حرا عربيا مستقلا.

 

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار، الكلمة الافتتاحية لاجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي عقد بالعاصمة الرياض قبل يوم واحد من اجتماعات القمة، والتي تلاها وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، وكلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية، السيد عمرو موسى فإن من المتوقع أن يناقش المؤتمرون أيضا قضايا ذات صلة بتطوير المناهج الثقافية والتربوية العربية، وتحديث التعليم، وربما العلاقات الاقتصادية بين العرب.

 

والملاحظ، مما رشح حتى الآن عن هذه الأجندة، أنها في معظمها تأتي لتناقش مواضيع اللحظة، وأنها تتناول أوضاعا عربية وإقليمية ودولية تضغط بقوة على القادة العرب، وتتطلب أجوبة ملحة وتعاملا خاصا ومحددا من قبلهم تجاهها. والواقع أن ذلك كان دائما هو واقع الحال، في معظم القمم العربية التي عقدت حتى الآن، منذ مؤتمر القمة العربي الأول الذي عقد في عام 1964م، بدعوة من الرئيس المصري الراحل عبد الناصر.

 

كانت القمة العربية الأولى، قد جاءت كرد فعل على قيام الكيان الصهيوني بتحويل مياه الأردن لصحراء النقب. وكانت نتائجها توقيع معاهدة الدفاع العربي المشترك، وتشكيل قيادة عربية عسكرية مشتركة، تضم رؤساء أركان الجيوش العربية، وتأسيس جيش تحرير فلسطيني والموافقة على تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية لتمثيل الفلسطينيين والدفاع عن حقوقهم في جميع المحافل. وكان مؤتمر القمة العربي الذي عقد في الخرطوم إثر نكسة يونيو عام 1967م، ليتناول إزالة آثار العدوان ويقدم الدعم للأقطار العربية التي تضررت جراء العدوان. وهكذا كانت معظم القمم العربية.. بعد حرب أكتوبر عام 1973م، ليناقش المشاركة العربية في مؤتمر جنيف للسلام، وإثر انسحاب الفلسطينيين من بيروت، عام 1982م، لمناقشة المبادرة العربية الأولى، وأثناء الحرب العراقية- الإيرانية، في الثمانينات، لإيقاف الحرب، وبعد غزو العراق للكويت، عام 1990م لمناقشة تداعياتها، والانتفاضة الفلسطينية الثانية، في مطلع هذا القرن لاستثمار نتائجها، وهكذا…

 

إن الملاحظ على معظم هذه القمم غياب المبادرات العربية الذاتية لصناعة المستقبل، وافتقارها للخطط التي تدفع بمشاريع التقدم والنهضة في الوطن العربي. ولعل أجندة هذه القمة تأتي في هذا السياق… سياق ردود الأفعال، بالسلب أو الإيجاب على مشاريع خارجية، مطلوب اتخاذ مواقف بشأنها. وهكذا تكون نتائج حراكنا السياسي لهاثاً، وانشغالاً بوضع حلول لحالات انهيار مستمرة، في أحسن الأحوال، أو تماهياً مع مشاريع، أو مشروعيات أخرى خارجية، ليس لنا فيها في معظم الحالات ناقة ولا جمل، بحيث لا تتبقى أمامنا فسحة للانطلاق، ببرامجنا واهتماماتنا الخاصة من خلال الاعتماد على قوى ذاتية محركة، ترنو إلى تحقيق صبوات وطموحات هذه الأمة.

 

إن انشغالنا بمتطلبات اللحظة، يبرز بوضوح في خطابنا العربي المشحون والمستنفر دائما. فنحن باستمرار، كما هو ملاحظ، منذ أكثر من نصف قرن، في خطاباتنا وبياناتنا الختامية أمام لحظات مصيرية وحاسمة، وأمام تحديات خارجية، وأمام عدوان، ومنعطف تاريخي.. وهكذا. وليس من شك أن هذا الواقع المأزوم قد عكس نفسه في استمرار حالة الطوارئ والتقييد على الإبداع وقوانين المطبوعات، وساهم في تغييب الحريات، وأدى إلى ضعف المشاركة الشعبية في صناعة القرار.. ووسط ضجيجه ساد شعار “كل شيء من أجل المعركة”. ولم يحن بعد موعد المعركة، ووسط الضجيج ضاعت حقوق وكرامة وثوابت وكيانات وهويات، وأرض أيضا.

 

إن صناعة المستقبل، تتطلب، مغادرة لتلك المفردات، واستبدالها بمفردات أخرى، تتماهى مع خصوصية هذا العصر، عمادها الانتصار للإنسان ولحقه في تقرير مصائره وأقداره، واعتماد لغة جديدة وصياغات مختلفة تخلق الأمل، وتحفز على العمل، وتبشر بغد واعد، يضمن لهذا الجيل وللأجيال القادمة حياة أفضل.

 

لعل الخروج من هذا الواقع الذي مضى عليه أكثر من نصف قرن، هو إعادة قراءة تجربة القمم العربية السابقة، واتخاذ قرارات جريئة وشجاعة، تعيد الاعتبار والحيوية لمؤسساتها، وبشكل خاص، جامعة الدول العربية، وبضمن ذلك مراجعة هيكليتها، هذه الهيكلية التي مضى على تبنيها دون تغيير أكثر من ستين عاما، وبرامجها وأساليب عملها. وبالإمكان في هذا السياق، الاستفادة من تجارب الآخرين، كالأمم المتحدة ومؤسسات الاتحاد الأوروبي. فالتصويت على القرارات، على سبيل المثال، لا يمكن أن يستمر على حاله الذي سار عليه منذ تأسيس جامعة الدول العربية، حتى يومنا هذا. إن اشتراط صدور القرارات بالإجماع، يعني أنها تكون في الغالب مساومة وفضفاضة، وتمثل الحد الأدنى من طموحات الناس، في حين تكون الموافقة على القرارات بالأغلبية أكثر دقة وفاعلية.

 

ومن جهة أخرى، يبدو اعتماد تساوي الأصوات بين الدول الأعضاء، دون الأخذ بعين الاعتبار الثقل السكاني والاقتصادي والسياسي للبلدان العربية، غير منطقي. وبالإمكان معالجة ذلك بصياغات عديدة، ربما يكون بضمنها وضع حق للنقض (الفيتو) لبعض البلدان العربية، كما هو معمول به في مجلس الأمن الدولي. كما أنه يمكن تشكيل مكتب تنفيذي، أو مجلس حكماء من بعض الزعماء العرب، عاكسا ثقل وحضور بلدانها، لمعالجة الأمور المستجدة، وبخاصة حالات التصدع الطارئة في جدران التضامن العربي، دون حاجة لدعوة القمة العربية للانعقاد.

 

وليس من شك أن الإعداد التفصيلي والدقيق المسبق لأجندة مؤتمرات القمة، وتلقي اقتراحات الدول الأعضاء بنوعية المواضيع التي ينبغي مناقشتها، قبل الانعقاد بوقت كاف، وتشكيل لجان لمتابعة تنفيذ القرارات الصادرة عن هذه القمم ستشكل خطوات إيجابية باتجاه تفعيل وتحريك العمل العربي المشترك.

 

إن استمرار أوضاع القمم العربية على ما هي عليه الآن، له دون جدال، معان اعتبارية إيجابية، ينبغي عدم تجاهلها، في مقدمتها أن العرب ينتمون إلى أمة واحدة، تجمعهم آمال ومعاناة ومصائر، وأنهم يتداعون لنصرة بعضهم في أوقات المحنة. لكن ذلك ليس كافيا، في عصر كوني سماته، سيادة نمط عولمة جديد، يدرك الجميع صعوبة التعاطي معه بشكل إيجابي، دون تحقيق تكتلات اقتصادية وعسكرية وسياسية كبرى.. وتتجه فيه معظم الدول إلى بناء تحالفاتها على أسس من تقدير مصالحها الخاصة، في عملية الاندماج بهذا العصر. ينبغي على هذا الأساس، أن يكون للعرب أجنداتهم واستراتيجياتهم الخاصة، التي تضمن مصالحهم، تجاه قضايا العصر الكبرى. وفي المقدمة منها، السعي الحثيت نحو تحقيق التكامل الاقتصادي، وتحطيم الحدود الجمركية، والتوسع في فتح الأسواق الحرة، وإتاحة المجال للاستثمار في البلدان العربية، وتسهيل انتقال رؤوس الأموال، وتطوير النظم البيروقراطية، بما يسهل من عملية التبادل التجاري والاستثمار الاقتصادي المتبادل، وأيضا تسهيل انتقال العمالة العربية، وتفضيلها على العمالة الأجنبية.

 

ليس مقبولا أن تفتح بعض البلدان العربية أسواقها، أمام المنتجات الإسرائيلية، وتقيم معها الأسواق الحرة، وتخفض بعضها التعرفة الجمركية مع الكيان الغاصب، بينما لا يتحقق مثل ذلك بين البلدان العربية ذاتها. كما أنه ليس من المنطقي أن تتداعى البلدان العربية، الواحدة تلو الأخرى، للانضمام لمنظمة التجارة العالمية، دون وجود استراتيجية عربية موحدة تحسن من شروط الانضمام، لصالح تقدم الأمة ونهضتها. ولا مفر من التأكيد على أن التنسيق في البرامج التنموية وإيجاد لجان التخطيط المشتركة يأتي في سلم الأولويات لنجاح هذه البرامج، من أجل تحسين أداء منتجاتنا وجعلها قادرة على التنافس في الأسواق العالمية.

 

وأخيرا، نأمل أن يتناول القادة العرب أجندتهم الخاصة، بروحية ونظرة عربية، تضع المصالح العليا للأمة في مقدمة اهتماماتها، بتضامن عربي حقيقي، دون خضوع لابتزاز أو تهديد خارجي، فذلك وحده الضمان لكي تبحر سفينتنا وسط الأعاصير، بيقظة وحذر وتصميم، ولتصل إلى الشاطئ بسلام وأمان.

 

yousifsite2020@gmail.com

 

اضف تعليق

اسمك بريدك الالكتروني

 

تعليقك:

تعليقات

 

* تعليق #1 (ارسل بواسطة ع.ن.خ)

 

كما أنه ليس من الفطنة عند الكاتب أن لايدرك أن دول الخليج ومصر والاردن لهم تحالف مع أمريكا أقوى من الدين والدم.

انه المال والنفط ياعزيزي الدكتور!!!!!!!!!

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

3 × واحد =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي