من سيحظي بالمكتب البيضاوي في الأربع سنوات القادمة

0 406

 

في الأسبوع الذي مضى، اختتم الحزب الديمقراطي مؤتمره العام، في شارلوت، وسمي الرئيس باراك أوباما مرشحا للحزب بالانتخابات القادمة، وأعلن أوباما في خطاب تاريخي ألقاه من على منصة المؤتمر، قبوله ترشيح حزبه له، وهكذا تأكد أن التنافس على مقعد الرئاسة سيجري بين مرشح الحزب الجمهوري ميت رومني والرئيس باراك أوباما عن مرشح الحزب الديمقراطي.

 

إن تقديم قراءة استشرافية عمن سيكون الأكثر حظوة بالوصول للبيت الأبيض، بنيل ثقة الناخبين في نوفمبر القادم، يستدعي منا التذكير بموضوع الدورة الاقتصادية الذي تناولناه في حديثنا السابق.

فنتائج الانتخابات الأمريكية القادمة ستكون، من غير شك، مرتبطة بموقع الاقتصاد الأمريكي بين مؤشري الانكماش والتضخم. فطغيان حالة التضخم، فوقوع أي بلد تستدعي بالضرورة مرشحا جمهوريا، يعيد الماكنة الاقتصادية إلى سابق عهدها، من خلال الحد من الضرائب، ومن سيطرة الدولة على المفاصل الاقتصادية. وبالمثل، فإن وقوع البلد في حالة انكماش قاس، تستدعي وصول رئيس من الحزب الديمقراطي لمقعد الرئاسة. وعلى هذا الأساس، فإن استمرار أي رئيس أمريكي بالحكم لأكثر من دورة انتخابية، يعني أن الدورة الاقتصادية لم تكتمل بعد، وأن لدى الرئيس فرصة أخرى، ليواصل مهمته، إلى أن تبلغ الدورة الاقتصادية ذروتها، بانكماش أو تضخم.

لقد ارتبط وصول الرئيس باراك أوباما إلى السلطة، بأزمة اقتصادية حادة، مرت بها بلاده، وأثرت بنتائجها على العالم بأسره. وقد اعتبرت أزمة الرهن العقاري، نقطة البداية في هذه الأزمة ليتبعها إعلانات متتابعة عن إفلاس آلاف البنوك، بالولايات المتحدة وأوروبا. ورغم مضي أكثر من خمس سنوات على الإفصاح عن هذه الأزمة فإن نتائجها لا تزال تلقي بظلالها ثقيلة على عدد من البلدان الأوروبية، وبشكل خاص في اليونان والبرتغال وأسبانيا، محددة بانفراط الإتحاد الأوروبي.

عمل الرئيس الأمريكي، أوباما بالأربع سنوات، بعد وصوله للبيت الأبيض على معالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية في بلاده. ونفذت حكومته ما وعدت به، أثناء حملته الانتخابية الرئاسية، بالانسحاب العسكري من العراق، بما يخفف من الأعباء المالية التي تعاني منها الخزينة الأمريكية. وعند انطلاق ما جرى التعارف عليه بالربيع العربي، طبقت الإدارة الأمريكية نظرية الحرب بالوكالة، ومنحت دورا رئيسيا لحلف الناتو وللدول الحليفة أثناء الحرب على ليبيا التي انتهت بسقوط نظام العقيد معمر القذافي.

نجح أوباما لحد كبير، في برنامجه الاقتصادي، الذي أعلنه غداة ترشيحه من قبل الحزب الديمقراطي، قبل أربع سنوات. لكن الأزمة ظلت قائمة. وتحولت إلى مشكلة عالمية، لم تعد تكفي في معالجتها السياقات المألوفة التي اعتمدها الحزب الديمقراطي سابقا، من رفع للضرائب بشكل تصاعدي على الشركات الكبرى، وتوسعة الخدمات الاجتماعية ومحاربة البطالة, وتوسعة الأجهزة البيروقراطية، وإشادة دولة الرفاه.

فهذه الحلول تفترض ابتداء، قدرة للولايات المتحدة على توسيع صادراتها، ووجود قوة استيعابية لدى الدول المستهلكة لتلك المنتجات، وهو أمر لا يمكن الجزم به في ظل أزمة الركود العالمي الراهنة. وأيضا، في الظل الصعود الكاسح للاقتصاد الصيني، وفاعلية منتجاته، وقدرة مختلف الطبقات المتوسطة والفقيرة على اقتنائها.

تبدو هذه القراءة، إذا جرى تناولها بشكل مجرد، في غير صالح الرئيس المرشح، لكنها في كما تشير الوقائع، تأكيد على أهمية استمرار الحزب الديمقراطي بقيادة أوباما في الحكم لدورة أـخرى. فذلك ما يتسق مع الدور الذي تضطلع به الأحزاب السياسية التي تطرح الاقتصاد الموجه بديلا عن الانفلات والفوضى وما يعرف مجازا بالحرية الاقتصادية. ففي وقت الأزمات يصبح تدخل الدولة في الاقتصاد أمر لا مندوحة عنه. وقد أكدت الأزمات الاقتصادية العالمية الحادة التي مرت بها أوروبا في القرن المنصرم ذلك. أو ليست النازية والفاشية هما بعض لتجليات الأزمة الاقتصادية التي عاشها العالم في نهاية الثلاثنيات من القرن الماضي والتي تمكنت من السلطة في ألمانيا وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال. وبعض هذه الدول هي من أعتى قلاع الديمقراطية في العالم.

النتيجة التي نخلص لها، أنه ما دامت الأزمة الاقتصادية مستمرة بشكل حاد بسبب الانكماش، فإن الحاجة ماسة للحزب الديمقراطي وليس الجمهوري، لأن الأول يطرح تدخلا مباشرا للدولة لحل الأزمة، بينما يطرح الحزب الأخر، الحرية الاقتصادية ومبدأ آدم سميث دعه يعمل. ويعتبر الفوضى والتنافس سبيلا لتحقيق الانتعاش، وذلك ما لا تحتمله طبيعة المرحلة التي تمر بها الولايات المتحدة الأمريكية والعالم بأسره.

علاوة على ذلك، فإن التجارب السابقة للانتخابات في الولايات المتحدة، أكدت حقيقة أخرى، هي ضرورة استكمال الدورة الاقتصادية، باتجاه التضخم أو الانكماش، لكي يتحقق الانتقال السياسي، فالانتقال الاقتصادي شرط لازم للانتقال السياسي، ولكي يتسلم حزب آخر الرئاسة غير الذي يقود السلطة. لقد تسلم باراك أوباما السلطة، واقتصاد بلاده في حالة انكماش وكساد كبير، وحقق بعض الإصلاحات، لكن الوضع الاقتصادي لم يتمكن بشكل نهائي من عبور حالة الانكماش، ولا يزال بعيدا عن حالة التضخم. وليس من المعقول، أن يأتي الناخب الأمريكي، برئيس يضاعف من حدة الأزمة الاقتصادية، ويعيد الماكنة إلى الخلف.

في الجانب السياسي، لا يتحمس الأمريكيون كثيرا للشأن السياسي، ويهتمون كثيرا بالاقتصاد، وبحقوقهم الأساسية. وموقف الأمريكيين دائما سلبي وغير مكترث بتدخلات بلادهم في شؤون البلدان الأخرى، حتى إذا كانت تلك التدخلات بصيغة التدخل العسكري والعدوان. إن تدخل الموطنين الأمريكيين بالسياسة رهن بالخسائر في الأرواح والمعدات، التي ربما يتعرضون لها حال العدوان على أي من بلدان العالم الثالث. عندها فقط تتصاعد الحركة الاحتجاجية ويضعف دور الرئيس الذي اتخذ قرار الحرب.

في حالة أوباما، ليس هناك عمليا، ما يمكن أن يدان به سياسيا من قبل الشعب الأمريكي. وبالنسبة للاقتصاد فإنه يعالج الآن أزمة ليست من صنعه، ورثها عن سابقه وعمل على إيجاد حلول لها. أخفق في حالات ونجح في حالات أخرى. ودورته الاقتصادية لم تكتمل بعد. وهي بحاجة إلى دورة رئاسية أخرى علها تكتمل، أو تحال إلى رئيس آخر، يرشحه الحزب الديمقراطي إلى أن تكتمل الدورة الاقتصادية، ويطل شبح التضخم بشكل مخيف ومدمر، يلجأ على أثرة الأمريكيون لاختيار خط اقتصادي بديل، يعيد التوازن ويتجه بدورة اقتصادية جديدة، تعلي من شأن الطبقة الرأسمالية العليا، وتلجم دور الطبقة المتوسطة، في دورات متعاقبة لا يبدو أن لها نهاية، مؤكدة ترجيح فوز الرئيس باراك أوباما لدورة رئاسية أخرى، ما لم تحدث مفاجآت تقلب الطاولة رأسا على عقب.

yousifmakki@yahoo.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

19 + 17 =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي