ملاحظات حول الحرب الكونية على داعش

0 276

 

تصريحان مهمان، أطلقتهما شخصيان مصريتان، الأول وزير الخارجية المصري، السيد سامح شكري، والثاني، للأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، ورئيس اللجنة التي أشرفت على صياغة الدستور الحالي، السيد عمرو موسى. وكلا التصريحين، لهما علاقة مباشرة، بالحرب الكونية على داعش، التي يزمع شنها في الأيام القادمة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

تصريح وزير الخارجية المصري، سامح شكري أكد تمسك حكومة بلاده، باستراتيجية شاملة للحرب على الإرهاب، وأن لا تكون الحرب موجهة فقط ضد تنظيم داعش. أما السيد عمرو موسى، فطالب باستراتيجية إقليمية لمواجهة الحرب على الإرهاب.

في يقيني أن التصريحين انطلقا من أرضية واحدة، هي الحرص الشديد على الأمن القومي العربي. فليست داعش وحدها، من وجهة النظر المصرية، ما يهدد الأمن الوطني والقومي للأمة. والأساس في محاربة الإرهاب، أن وجوده هو تهديد للأمن القومي العربي، وتهديد للسلم والاستقرار العالمي.

والإرهاب هو سلوك عدواني، لا يقبل التعايش مع الآخر. والأخر بالنسبة للتنظيمات المتطرفة، هو كل من يختلف معها في الأفكار والتوجهات. ومن هذا المنطلق تأتي تصريحات وزير الخارجية المصري، بإن تحقيق الأمن والاستقرار في بلادنا العربية، ليس رهنا بالقضاء على فصيل دون غيره، من التنظيمات، فمعظم هذه التنظيمات هي إفراز تنظيم القاعدة، والذي هو في المحصلة نتاج واقع تاريخي، إن من حيث أفكاره، أو من حيث البيئة التي احتضنته.

تنظيم القاعدة، إذن هو الأصل في الإرهاب المعاصر. وقبله كانت أفكار أبو الأعلى المودودي، في ضرورة الهجرة من بلاد الشرك، وتأسيس دار الإسلام. وجاء سيد قطب فيما بعد، ليتبنى حرفيا رؤية المودودي حول التكفير والهجرة، وحاكمية الله. وليستتبع ذلك تفريح سريع ومتتابع لتنظيمات إرهابية، أدت أنشطتها لمصرع العشرات في مصر، وتفجير للقاطرات والحافلات. وسع تنظيم الإخوان محيط عمله، ليشمل بلدانا كثيرة. وفي أفغانستان، تحققت نقلة أخرى، على طريق إيجاد نموذج سياسي متطرف، لطريقة إدارة الدولة والمجتمع، قادته حركة طالبان، وتزامنت بتصاعد دور تنظيم القاعدة، في المرحلة التي أعقبت سقوط النظام الشيوعي.

عندما شنت الحرب العالمية على الإرهاب، بعد حوادث 11 سبتمبر 2011 بالولايات المتحدة الأمريكية، وجرى احتلال أفغانستان، قام تنظيم القاعدة بمراجعة لأسلوب عمله، في المرحلة التي أعقبت سقوط أفغانستان، وتبنى استراتيجية جديدة، تكونت من عناصر ثلاثة. الأول، هو التكور في الأماكن التي يجري فيها الهجوم العسكري المباشر على قواعده. والثاني هو الهروب إلى الأمام، بالتوسع في أنشطته، في أماكن وبلدان لم يكن له فيها وجود من قبل، كما هو الحال في العراق، بعد احتلاله، وكما في ليبيا وسوريا، بعد اشتعال ما عرف بالربيع العربي.

وكان التنظيم قد حط رحاله، بشكل واضح في اليمن، وحقق نقلة كبيرة في نشاطاته، بتفجير المدمرة الأمريكية كول. أما في بلدان المغرب العربي، فقد تمكنت السلطة المغربية، من احتواء محاولات تشكيل خلايا إرهابية تابعة للقاعدة، لكن ذلك لا يعني قضاء مبرما على أنشطته فيها. وفي الجزائر عاشت الحكومة صراعا مريرا مع التنظيمات الإسلامية المتطرفة المختلفة، بعد صراع المؤسسة العسكرية مع جبهة الإنقاذ، تسببت في مصرع ربع مليون قتيل. والأمور في الجزائر لا تزال حبلى بمفاجئات، قد لا تحمد عقباها.

العنصر الثالث، في استراتيجية تنظيم القاعدة، فيما بعد أفغانستان، هو فتح فروع بمسميات مختلفة، وباستقلال نسبي عن المركز، الذي مثله أسامه بن لادن سابقا، ولاحقا أيمن الظواهري. وبقاء كل التنظيمات في الجوهر، ملتزمة بذات الأفكار التي انطلق منها تنظيم القاعدة. والتسميات في هذا السياق كثيرة.

خلاصة القول، إن الإرهاب قد فرخ الآن في معظم بلدان الوطن العربي، فهو الآن يتواجد في العراق وسوريا ولبنان ومصر والأردن وتونس وليبيا والجزائر والمغرب وموريتانيا والسودان، ومن غير أن نسمي الصومال، الذي كان له سبق استقبال عناصر هذا التنظيم المتطرف.

الأمن القومي العربي لا يهدده تنظيم داعش فقط. فمصر على سبيل المثال، لا تواجه بشكل مباشر، تنظيما يحمل هذا المسمى، بل تعاني من تنظيم القاعدة، بمسمياته المختلفة. والقيادة المصرية، التي شاركت في اجتماعات التحالف، ربما تشعر ببعض الضيق، كون أمنها الوطني لم يكن مطروحا جديا، على الطاولة، إنما أمن المناطق الكردية شمال العراق، وبعض المحافظات العراقية، ذات الصلة المباشرة بالمصالح الأمريكية.

والحال هذا ينسحب أكثر، على أوضاع اليمن وليبيا. والبلدان يتعرضان الآن لعملية تفتيت. ففي ليبيا انهارت الدولة. والحكومات التي شكلت غير قادرة على الإضطلاع بمسؤولياتها، بسبب تصاعد دور الميليشيات المتطرفة، بمسمياتها المختلفة، التي تتبع لتنظيم القاعدة.

الحرب على الإرهاب، ينبغي أن تكون شاملة، ولا تستثني بلد عربي دون آخر. إن ذلك سيخلق إحساسا مريرا، لدى إخوتنا في ليبيا واليمن ومصر، بأن أمنهم ليس في المقدمة من اهتمام أشقائهم العرب. وأن هناك انتقائية، وكيل بمكاييل مختلفة، تغض الطرف عن مشاريع التفتيت في المنطقة، المشاريع التي ارتبطت بالربيع العربي.

والنتائج ربما تكون أخطر من ذلك بكثير. فليس هناك ما يمنع داعش، في حالة تعرضه لهجمات جوية كبيرة ليس بمقدوره احتواءها، أن يوجه قواعده لمناطق مجاورة، هربا من القصف الجوي، كما حدث بالدقة، عام 2001، حين شنت الطائرات الأمريكية هجماتها المكثفة على قواعد القاعدة، في أفغانستان فكان أن رحل معظم كوادها إلى باكستان، ولتغرق هذه البلاد في فوضى عارمة، لا تزال مستمرة، رغم مرور ثلاثة عشر عاما على الهجوم الأمريكي على أفغانستان.

إن |ن توقف الحرب على الإرهاب، بالهجوم على داعش دون غيرها من التنظيمات الإرهابية، من شأنه أن يوسع دائرة حركة هذا التنظيم بدلا عن تقليصها. ويبقى السؤال قائما، عن حواضنه الاجتماعية. فالأماكن التي توجد فيها حواضن اجتماعية أكبر، ستكون هي المؤهلة أكثر لاستقبال داعش بعد الهجمات الجوية المكثفة على قواعده.

وتبقى نقاط أخرى جديرة بالقراءة والتحليل في حديث آخر بإذن الله.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

4 × 5 =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي