مقدمات الإعلان عن انهيار المشروع الكوني الأمريكي
بمناسبة مرور ثلاث سنوات على الاحتلال الأمريكي للعراق نشرنا على صفحات التجديد العربي الغراء حديثا، بتاريخ 12نيسان/ أبريل عام 2006 تحت عنوان: بعد ثلاث سنوات على احتلال العراق، أشرنا فيه إلى أن مشروع الاحتلال يواجه فشلاً ذريعاً، وأن 72% من الجنود الأمريكيين الذين يعملون بالعراق، يريدون الخروج منه بأسرع ما يمكن، وأن ثلث الجنود الأمريكيين يتعرضون لاضطرابات وأمراض نفسية، بما يعني أن الإدارة الأمريكية تخوض الحرب في العراق بجنود مهزومين.
وتوصلنا في حديثنا إلى أن إدارة الاحتلال أمام ثلاثة سيناريوهات للتعامل مع المستنقع الذي وجدت نفسها غارقة به في العراق. كان الأول بينها أن تتجنب التشابك المباشر مع المقاومة العراقية، وتدع تنفيذ العمليات القذرة للجيش والشرطة العراقيين. وكان هناك سيناريو آخر، يقضي بالخروج من العراق، وكان الاعتقاد لدى بعض المحللين السياسيين الأمريكيين بأن ذلك يعني ترك العراق لقمة سائغة لإيران. أما السيناريو الأخير فهو إشراك أطراف أخرى في العملية السياسية.
الآن وبعد مرور نصف عام على هذا الحديث، تثبت التطورات أن الخيار الأخير، هو الأكثر حظا. إن ذلك الخيار سوف يشمل الاحتلالين الأمريكيين، لأفغانستان والعراق. ولم يعد الحديث عن ذلك يجري في الكواليس المغلقة، بل خرج بشكل واضح إلى العلن، وأصبح حديث الصحف ومحطات التلفزة ووكالات الأنباء. وبالنسبة للمسؤولين الأمريكيين، فقد خرج الحديث عن هذا السيناريو من دائرة التلميح والتلويح ليصل إلى التصريح المباشر.
ففي سلسلة خطاباته الأخيرة التي دافع فيها عما دعاه بـ “بالحرب على الإرهاب”، اعترف الرئيس بوش بمواجهة صعوبات في أفغانستان. وقد فسر بعض الخبراء ملاحظات بوش بأنها تُجسّد فشل إدارته في أفغانستان، بينما اعتبرها آخرون ذريعة بغية إعادة طالبان إلى معادلة توازن السلطة. وجاءت زيارة الرئيس الباكستاني، مشرف والرئيس الأفغاني، كارازاي إلى واشنطن وافتضاح أمر الخلافات بينهما لتكشف عن خفايا ما يجري في الكواليس من محاولات تحقيق مصالحة وطنية، تعترف لطالبان بدور أساسي في تقرير المستقبل السياسي لأفغانستان. وكان الاتفاق الذي تم التوصل إليه في الشهر الماضي بين باكستان وحركة طالبان في محافظة وزيرستان بدعم كامل من الرئيس الأمريكي، جورج بوش قد أكد بما لا يقبل الشك أن ثمة تحولاً في السياسات الأمريكية تجاه حركة طالبان.
في خضم هذه الأحداث، يطرح أعضاء في الكونجرس الأمريكي تساؤلات حول نوايا إدارة الرئيس بوش.. هل أصبحت مهتمة بإعادة طالبان إلى السلطة في أفغانستان بعد خمس سنوات على إسقاطها؟. ووجه بعضهم انتقادات عنيفة لاتفاق وزيرستان، باعتبار ذلك خيانة لصالح “الإرهابيين” على حساب الولايات المتحدة وقوات الناتو المنتشرة في أفغانستان. وكانت المخاوف من عودة طالبان إلى الحكم قد تعززت إثر تصريح رئيس أغلبية الجمهوريين في الكونجرس، السناتور فرست الذي قال: “إن على إدارة بوش أن تأخذ في اعتبارها إعادة الطالبان لموازنة السلطة في كابول. وحجته في ذلك أن مقاتلي طالبان “كثيرون جداً ولهم شعبية كبيرة جداً” وهذا يجعل – حسب قوله – من الصعب إلحاق الهزيمة بهم. وتجدر الإشارة إلى أن فرست قد أكد ذلك مرة أخرى، خلال زيارته الخاطفة مؤخرا، لأفغانستان حيث أبلغ الصحفيين بـ “الحاجة لإعادة الطالبان في سياق بناء نمط حكومة أكثر شفافية… وإذا تحقق هذا الأمر، عندئذ نكون قد نجحنا… إن اكتمال العملية المضادة للمقاومة تتطلب كسب قلوب وعقول الناس باعتبارها مسألة مهمة في نجاحنا. لا يتحقق النصر بمجرد وضع العسكر في مواجهة المقاومة… إن الطالبان موجودون في كل مكان”. هكذا يصل فرست إلى أن أنجح طريقة للتعامل مع طالبان هو تطبيق أسلوب مرن معهم، والترحيب بأعضاء منهم في حكومة ائتلافية.
والواقع أن تصريحات فرست ووجهت بحملة انتقادات عنيفة، فقد أشير إلى أنها تلوح بالعلم الأبيض (الاستسلام) أمام “الحركة التي ساهمت في جانب من الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة عام 2001”. ويتساءل المنتقدون عن أسباب غزو أفغانستان، ما دامت الإدارة الأمريكية في النهاية مستعدة لإعادتهم إلى سدة الحكم.
على الجبهة العراقية، أشارت الأخبار إلى أن وزيرة الخارجية الأمريكية، كونداليزا رايس أثناء زيارتها الأخيرة لبغداد، التقت برئيس الوزراء، نوري المالكي، وأنها خلال لقائها به وجهت لحكومته إنذارا بعدم وجود متسع من الوقت لديهم لمعالجة الوضع الأمني المتردي وتسوية المشاكل بين الأطراف السياسية العراقية.. بالطبع حملت السيدة رايس حكومة المالكي أسباب الفشل في انفلات الوضع الأمني، وتناست أن هذه الحكومة ليست حالة مستقلة عن الاحتلال، وإنما هي أحد تعابيره. وقد نقل عنها قولها بلغة تهديدية “لا وقت لدينا لنقاش لا نهاية له حول قضايا الأمن”، وأكدت أن “دور الإدارة الأمريكية يكمن في دعم جميع الأطراف وفي الضغط عليها للعمل من أجل التوصل لحل سريع لأن من الواضح أن الوضع الطائفي ليس الوضع الذي يمكن تحمله أو الذي يفيد فيه عدم اتخاذ إجراء سياسي”. وفي هذا المقطع تنحصر الزيارة. وقد أوضح بعض المراقبين أن هناك نوايا أمريكية لإقالة حكومة المالكي إذا لم تنجح في احتواء الأزمة الأمنية، وتحقيق المصالحة الوطنية خلال شهرين من تاريخ زيارتها، وأن الإدارة الأمريكية عازمة على التدخل المباشر لتسوية المشاكل ومعالجة الوضع الأمني. ويذهب بعضهم إلى أن الإنذار حمل إشارات واضحة عن العزم على تهيئة المناخ لاتخاذ خطوات موجعة بالنسبة لها، للخروج من المستنقع العراقي.
وفي هذا السياق، واستجابة لضغوط وزيرة الخارجية، قام وفد يمثل الكتل الرئيسية في مجلس النواب العراقي بجولة عربية تشمل سوريا ومصر والأردن والإمارات، لإجراء مباحثات مع معارضين عراقيين يقيمون فيها، لإقناعهم بالانضمام إلى مشروع مصالحة وطنية. وقال أحد أعضاء الوفد إنه لا وجود لأي خطوط حمراء ضد القوى السياسية المعارضة. في حين أشار الشيخ حارث الضاري الأمين العام لهيئة علماء المسلمين إلى أن العملية السياسية في العراق وصلت إلى طريق مسدود.
أثناء ذلك، حرصت المقاومة العراقية على تأكيد حضورها، فلم تكد السيدة رايس تغادر بغداد حتى تصاعدت عمليات المقاومة، موقعة سبعة عشر قتيلاً أمريكياً خلال يومين. وتزامن تصاعد العمليات العسكرية بعقد اجتماعات حاشدة لزعامات عشائرية في عدد من المدن العراقية، مطالبة برحيل الاحتلال، ومؤكدة على شرعية النظام السياسي الذي كان قائما حتى صباح التاسع من أبريل عام 2003، كما تأتي هذه التحركات وسط أنباء عن اجتماعات تجريها تنظيمات عراقية ذات اتجاهات علمانية في لندن لتنظيم صفوفها في مواجهة تغيرات دراماتيكية مقبلة على الساحة العراقية.
ومن جانب آخر، ذكرت عناصر مقربة من المقاومة العراقية، أنها تكثف جهودها الآن من أجل تشكيل حكومة إنقاذ وطنية في المنفى. وتأتي هذه الأنباء وسط تكتم على مفاوضات جدية تجري الآن بين عناصر قيادية في حركة المقاومة العراقية، بضمنها عناصر من حركة المجاهدين والجيش الإسلامي وكتائب ثورة العشرين. وأن هذه المفاوضات قطعت شوطا متقدما، وافقت بموجبه الإدارة الأمريكية على تحديد جدول زمني لسحب قواتها من العراق وتسليم السلطة للمقاومة العراقية. وأن الخلافات تتركز الآن حول مطالبة الإدارة الأمريكية بقاعدتين عسكريتين في العراق، بعد رحيل القوات الأمريكية، الأمر الذي ترفضه حركة المقاومة، وتصر على الرحيل الأمريكي غير المشروط من العراق. وهناك قناعة لدى مختلف الأطراف المشاركة، بأن المفاوضين سيتوصلون في نهاية المطاف إلى حل يقبل به مختلف الفرقاء. وأن أطرافا عربية سوف تتدخل، في الأمر إن لم تكن قد تدخلت بالفعل، لتقريب وجهات النظر بين المتفاوضين.
تلك هي خلاصة الأحداث التي طرأت على الخارطة السياسية للمشروع الكوني الأمريكي خلال الثلاثة أسابيع المنصرمة. وهي تطورات تعلن تخلي الإدارة الأمريكية، حتى وإن كان ذلك تكتيكيا، عن مشروعها الكوني، فلا ديموقراطية ولا مخاض ولادة، ولا شرق أوسط جديداً. هل هي مناورة فرضتها انتخابات الكونجرس؟ أم إنها تراجع استراتيجي عما تعهدت به الإدارة الأمريكية خلال الأربع سنوات المنصرمة؟
أيا يكن الجواب، فإن ما يتحقق على ساحة الصراع والمواجهة العسكرية بين المحتلين والمقاومين، في أفغانستان والعراق هو الذي سيقرر رد الفعل، وشكل الخارطة السياسية للمشروع الأمريكي. وهو واقع ينذر دون شك بفشل ذريع لقوات الاحتلال الأمريكي في البلدين، ويؤكد أن جملة التطورات والمبادرات الأمريكية الأخيرة هي بمثابة الإعلان عن انهيار المشروع الكوني الأمريكي للقرن الواحد والعشرين.
yousifsite2020@gmail.com
د. يوسف مكي
تاريخ الماده:- 2006-10-11
2020-06–1 0-:03
علي الكاش/كاتب ومفكر عراقي من اليونان
كما أفصحت بدقة عن الأزمة التي تعيشها الأدارة ألامريكية في افغانستان والعراق فقد تحول البلدان الى مستنقع آسن للقوات الأمريكية وحلفائها المرتزقة التي تتكبد الخسائر المتلاحقة بشكل تصاعدي ولا شك أن خسائرها البشرية التي تجاوزت 2700 قتيل إضافة الى اكثر من عشرين الف جريح وهروب اكثر من (10) آلاف جندي امريكي من الخدمة في العراق إضافة الى الخسائر المالية التي تجاوزت(350) مليار دولار تكشف حقيقية الوضع المأساوي لقوات الأحتلال وهذا الوضع هو الذي جعلها تنزل من عرشها الواهن لتستجدي التفاوض مع المقاومة العراقية لتمسح عن جبينها عرق الذل والمهانة..
نعم أستاذ يوسف لقد فشل المشروع الكوني الأمريكي في الالفية الثالثة ولم يفشل بقوة جيوش ماحقة أو اسلحة متطورة وانما بفعل إرادة صلبة وهوية وطنية وايمان كبير بالله والوطن والشعب .. انك أزفيت لنا بشرى كبيرة
بالنصر في هذا الشهر الكريم فبشراك وبشرى للأقلام الوطنية الحرة ومن الله التوفيق .