مصر المستقبل- قراءة استشرافية

0 336

 

بدأت مرحلة التصويت في الانتخابات الرئاسية بأرض الكنانة، بعد حملة اقتصرت على مرشحين رئاسيين هما وزير الدفاع السابق المشير عبد الفتاح السيسي وزعيم حزب الكرامة سابقا، السيد حمدين صباحي. المرشح الاول تسلم منصبه بعد احالة المشير الطنطاوي وزير الدفاع الاسبق على التقاعد. صدم السيسي بالإخوان المسلمين اثناء فترة حكمه. وحين اندلعت الحركة الاحتجاجية في 30 يونيو من العام السابق، ساند تلك الحركة، وانحاز لها وكان له دور الاساس، في الاعداد لخارطة الطريق التي اعقبت اسقاط حكم الدكتور محمد مرسي وازاحة جماعة الإخوان المسلمين عن السلطة.

اما المرشح الآخر “حمدين صباحي” فعرف منذ اواسط السبعينيات من القرن المنصرم، بنشاطاته في الحركة الطلابية المصرية، وبمناوئته الحادة، لسياسات الرئيس الراحل انور السادات الاقتصادية، واتجاهه نحو التسوية السلمية مع العدو الصهيوني، وما تمخض عنها من توقيع اتفاقية كامب ديفد.

واثناء حكم الرئيس الاسبق حسني مبارك تبوء السيد صباحي عضوية مجلس الشعب، وعرف خلالها بمناوئته لسياسات الرئيس مبارك الاجتماعية والاقتصادية والتي اعتبرها سبب في اتساع دائرة الفقر والبطالة، وانتشار العشوائيات، وتراجع دور مصر في الساحتين الاقليمية والدولية.

ترشح السيد حمدين صباحي لموقع الرئاسة في الانتخابات التي أجريت بعد سقوط الرئيس الاسبق حسني مبارك. وجاء ترتيبه الثالث في الفوز، بخلاف ما توقعه المراقبون آنذاك. حيث حصل مرشح الإخوان المسلمون على الترتيب الأول، وحصل اللواء احمد شفيق على الترتيب الثاني.

اسس صباحي التيار الشعبي، الذي هدف من ورائه تشكيل كتله شعبية واسعة، لتدعمه في الانتخابات الرئاسية ،التي يفترض فيها أن تتم في منافسة مع الاخوان المسلمون، لكن الامور بالنسبة له سارت بما لا تشتهي السفن.

ورغم أن كلا المرشحين يتمتعان بسمعة طيبة، وليست هناك علامات استفهام حول وطنيتهما أو نزاهتهما، فإن جل المؤشرات ترجح فوز المشير السيسي أمام منافسه صباحي بموقع رئاسة الجمهورية. ويرجع ذلك لسببين رئيسيين: السبب الأول، أن المشير السيسي هو الشخص الذي قاد عملية إزاحة الإخوان المسلمين عن السلطة، وأغلق حقبة قصيرة سوداء في تاريخ مصر. لقد عمل الإخوان المسلمون على ابعاد معظم القوى السياسية، عن المشاركة في السلطة، وسطروا دستورا على مقاسهم، وعملوا على أخونة الدولة والمجتمع، وإعادة الارهاب إلى واجهة الاحداث. والسبب الثاني أن مصر تواجه الآن أحداثا غير مسبوقة، من انفلات أمني، وارتفاع في معدلات الجريمة. ومن جهة أخرى تشهد شبه جزيرة سيناء تصاعد ظواهر الارهاب، وقد صارت تلقي بلهيبها على معظم المدن والبلدات والريف المصري، بما يهدد وحدة البلاد وأمنها واستقرارها.

إن المشير السيسي الذي اثبت شجاعة وبسالة في التصدي للإخوان المسلمين، ومحاربة الارهاب في سيناء، منذ تسلم منصبه كوزير للدفاع، هو الأقدر، من وجهة نظر غالبة المصريين في هذه المرحلة العصيبة، على قيادة السفينة. ومن وجهة نظرهم ايضا فإن منافسه صباحي يفتقر في تجربته السياسية إلى الخبرات التي اكتسبها المشير في مواجهة الإرهاب.

ترشح السيسي للانتخابات الرئاسية، بعد ضغط شعبي قوي لإقناعه بذلك، قادته حركة “تمرد” تحت شعار “كمل جمايلك” ويحضى ترشيح المشير بدعم قوي من قبل معظم الفعاليات السياسية المصرية، بما في ذلك عناصر كثيرة من التيار الناصري الذي ينتمي له السيد صباحي. وبضمنهم سياسيين ومفكرين ومثقفين وفنانين معروفين. كما يحضى بدعم عدد كبير من قادة الحزب الوطني الذي كان يقود الدولة والحكم اثناء عهد الرئيس الاسبق مبارك. وتدعمه ايضا مؤسسة الازهر والكنيسة القبطية.

إن هذا التأييد الواسع لترشيح المشير لموقع رئاسة الجمهورية، هو بالتأكيد مبهج ومفرح له، ولكنه يضع أمامه مهام جسام، ربما يكون من المستحيل التوفيق بينها. تقف خلفه الآن وتسنده قوى تمتد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار: لبرالية وقومية ويسارية ووطنية ودينية، ولكل منها برنامجه الخاص ومطالبه الخاصة. فكيف سيتمكن الرئيس المقبل “السيسي” الذي حضي بدعمهم وتأييدهم جميعا من مقابلة مطالبهم واستحقاقاتهم.

كيف سيتعامل الرئيس القادم “السيسي” مع الفروقات الحادة بين الغنى والفقر، ومعالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية، والقضاء على البطالة وإلغاء ظاهرة العشوائيات. لقد اختار منافسه السيد حمدين صباحي الحل الصعب، وربما الممكن، وهو الأخذ من الأغنياء وإعطاء الفقراء، لحل المشاكل الاقتصادية والقضاء على البطالة وبناء مؤسسات تنموية جديدة وتطوير الصناعة والزراعة. والحل كما يراه صباحي، هو مضاعفة المستوى الضريبي بالطريقة التصاعدية. برنامج كهذا سهل بالنسبة لصباحي، الذي يدرك ان ليس له نصيب في الفوز في هذه الانتخابات، ولكنه ليس كذلك بالنسبة للمشير.

كيف سيتصرف المشير لمضاعفة موارد مصر، وتلبية الاستحقاقات التي وعد بها، اثناء حملته الانتخابية. سؤال صعب ومن المبكر الإجابة عليه، خاصة وأن المشير لم ينبئ عن ذلك اثناء حملته. لكن المؤكد أن سياساته ستكون مختلفة، وبشكل جوهري عن السياسات التي شهدتها مصر في العقود الثلاثة، وربما الاربعة.

لقد وضعته المقادير في مرحلة دقيقة من تاريخ مصر، ورأى فيه الشعب قائده المنقذ الذي سوف يغير احواله من حال إلى حال. وهو بخلاف اسلافه ممن قادوا السلطة في العقود الاخيرة يمتلك الشجاعة وإرادة صنع القرار. ومن حسن طالعه انه يأتي في ظل انتفاء الاحادية القطبية وتغير واضح في موازين القوى الدولية. لقد اوضح المشير بجلاء انه لن تستأذن أحد حين يتعلق الامر بحماية أمن مصر واستقلالها وفي ذلك مؤشر واضح على أن مصر الجديدة ستكون رافعة للكفاح العربي ولنهضة الأمه وليس علينا سوى الانتظار.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

3 × ثلاثة =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي