مسمار فلسطيني في نعش أوسلو
وحضر حفل التوقيع الرئيس الأمريكي بيل كلنتون. وقد حملالاتفاق المذكور عنوان: إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي.
كان توقيع الاتفاق، حصيلة مفاوضات سرية طويلة، قادها عن الجانب “الإسرائيلي”، وزير الخارجية آنذاك، شمعون بيرير، وعن الجانب الفلسطيني، أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية، السيد محمود عباس “أبومازن”، الرئيس الحالي للسلطة الفلسطينية.
قضى الاتفاق، الذي عرف في حينه باتفاق غزة- أريحا أولا، بقيام سلطة فلسطينية، على أراضي الضفة والقطاع، مهمتها انتقالية، وتدير شؤون الفلسطينيين في المناطق التي احتلها “إسرائيل” في حرب يونيو 1967م. وأن هذه الفترة لن تتجاوز الخمس سنوات، تجري بعدها المفاوضات النهائية، التي يعلن على أثرها قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.
مضى على توقيع هذه الوثيقة قرابة اثنان وعشرون عاما، وضع خلالها الكيان الصهيوني مسامير كثيرة، جعل منها مجرد حبر على ورق. وخلالها استثمر العدو، حالة الاسترخاء الفلسطيني، التي نجمت عن توقيع الاتفاق، وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية ليوسع من بناء المستوطنات، ويصادر الأراضي والممتلكات، وليسن القوانين المعوقة لحق العودة. هذا مع سعي حثيث ومتواصل لتهويد المدينة المقدسة، مع تنكر للنصوص اتفاقية أوسلو، التي تشير أنه مجرد اتفاق مؤقت، يهيأ لنقل السلطة كاملة للفلسطينيين، بعد خمس سنوات من توقيع الاتفاق.
وعلى الجانب الفلسطيني، تمسكت السلطة الفلسطينية، ببنود الاتفاق، بما فيها البنود التي تمثل تجاوزا صريحا لحق الفلسطينيين في المقاومة وتقرير المصر. ومن أسوأ تلك البنود، ما عرف بالتنسيق الأمني بين الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية. وهو تنسيق من جانب واحد، يلزم الفلسطينيين وحدهم بتنفيذه، ولا يتحمل الإسرائيليون شيئا، من جرائه.
لقد أسهمت ترتيبات التنسيق الأمني، بين السلطة والكيان الصهيوني في لجم الحراك المقاوم للاحتلال. وكان أسوأ ما فيه، هو إناطة دور الشرطي والحارس للاحتلال، للسلطة. ومن خلالهتم تسليم قادة فلسطينيين، كان لهم دور ريادي في قيادة الكفاح الفلسطيني، وبشكل خاص في انتفاضة الأقصى، كالقائد مروان البرغوتي والقائد أحمد سعدات. وقد بقيا في سجون الاحتلال لأكثر من عقد، حالهما في ذلك حال ألاف الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال،
دون سعي من السلطة الفلسطينية لإطلاق سراحهما.
في ذات الوقت، حظي القتلة من الصهاينة، بحماية ورعاية الكيان المغتصب، ولم تتم محاسبة أي منهم قانونيا وقضائيا على جرائم القتل التي ترتكب بحق المدنيين الفلسطينيين. وقد شهد العقد الأخير، تصاعدا مضاعفا في الممارسات الصهيونية، ومصادرة الأراضي، وبناء الجدران العازلة، والمعابر من حصة الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تديرها السلطة الفلسطينية.
يتزامن ذلك مع تحد صهيوني سافر للقرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وتسويف باتجاه مبادرات الحل، التي لم تقدم ما هو أقل من الحدود الدنيا من الحقوق الفلسطينية، بما في ذلك المبادرات الأمريكية العديدة، سواء تلك التي أعلن عنها في عهد الرئيسين كلينتون وبوش، أو تلك التي أطلقت في عهد الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما.
قرر المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي صدر مؤخرا بالدورة العادية السابعة والعشرين والتي حملت عنوان “دورة الصمود والمقاومة الشعبية” التي عقدت في رام الله يومي يومي الأربعاء والخميس (4-5 آذار2015)، هي بمثابة انتفاضة داخل منظمة التحرير الفلسطينية، ضد ممارسات الكيان الصهيوني الغاشمة.
فبالإضافة، إلى تأكيد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، على التمسك والالتزام المطلق والثابت بالحقوق الوطنية وبإعلان الاستقلال وحق دولة فلسطين في ممارسة سيادتها على أرضها، أكد أن طريق الأمن والسلام والاستقرار في فلسطين لن يكون سالكًا إلا بقيام دولة فلسطين المستقلة على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس، وضمان حق اللاجئين في العودة وفق القرار 194، ومبادرة السلام العربية، وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.
ورغم أن هذه صيغة مألوفة في البيانات الفلسطينية السابقة، إلا أنها تأتي بعد غياب طويل لمنظمة التحرير التي كاد يطوي اسمها النسيان. والأهم من ذلك هو ما تضمنه بيان المجلس المركزي، من تحميل سلطة الاحتلال (إسرائيل) مسؤولياتها كافة تجاه الشعب الفلسطيني في دولة فلسطين المحتلة كسلطة احتلال وفقًا للقانون الدولي. ووقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله مع سلطة الاحتلال الإسرائيلي في ضوء عدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين.
السؤال الذي يدور بخلد الفلسطينيين بشكل خاص والعرب جميعا، هل نحن أمام انتقال استراتيجي في سياسة السلطة الفلسطينية، تجاه الاحتلال الصهيوني؟. وهل سيتم الالتفاف على هذا القرار من قبل السلطة أم سوف يجري التقيد به؟.
إذا ما أحسنا النية في صدقية هذا القرار، فإن ذلك يعني أن السلطة وضعت أول مسمار حقيقي في نعش أوسلو. وأن الأهم هو ما سيترتب على ذلك من تداعيات، على الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية معا. فليس لإنهاء التنسيق الأمني الفلسطيني مع الكيان الصهيوني سوى إطلاق يد المقاومة، بشقيها الشعبي والمقاوم، من أجل طرد الاحتلال. والتهيؤ لما يترتب على ذلك من منازلة مع الكيان الغاصب. ليس ذلك فحسب، بل والمطالبة بإطلاق سراح القادة الفلسطينيين، الذين تم تسلميهم من قبل السلطة للكيان الغاصب، بناء على نص في اتفاق أوسلو أمسى من الماضي.
الأيام القادمة ستتكفل بتوضيح ما إذا كان قرار المجلس الفلسطيني، هو مسمار حقيقي في نعش أوسلو أم أنه استجابة آنية منفعلة، تجاه غطرسة المحتل، وليس علينا سوى الانتظار…