مستقبل الوطن العربي في القرن الحادي والعشرين

0 258

مستقبل الوطن العربي في القرن الحادي والعشرين هو عنوان الندوة التي عقدها مركز دراسات الوحدة العربية، في الفترة من 10- 12 من شهر فبراير، وأخذت مكانها في فندق البريستول بمدينة بيروت، وكان لي شرف تلقي دعوة كريمة للمشاركة فيها.

 

هذه الندوة هي استكمال وتحديث لمحاولات جادة، بهذا الاتجاه سبق للمركز أن تبناها، وشارك فيها عدد كبير من المفكرين والكتاب العرب. كانت الأولى بينها قد تحققت في عام 1988، وصدرت بحوثها عن المركز في مجلد تحت عنوان مستقبل الأمة العربية: التحديات.. والخيارات التقرير النهائي لمشروع استشراف مستقبل الوطن العربي.

 

وكانت الندوة الثانية، بهذا الاتجاه، قد عقدت في عام 2001، تحت عنوان نحو مشروع حضاري نهضوي عربي، وصدرت بحوثها عن مركز دراسات الوحدة في مجلد ضخم تجاوزت صفحاته اﻟ1150 صفحة، وحمل نفس العنوان. وكانت ميزة هذا الإنجاز أنه قام بتحديد المفاهيم، وتناول بيئة المشروع الإقليمية والعالمية، وأجرى تحليلا معمقا للواقع العربي. وتناول مناقشة مشاريع الوحدة والديموقراطية والتنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية، والاستقلال الوطني والقومي والتجدد الحضاري، واستراتيجية تحقيق المشروع.

 

كان هدف هذه الندوة قد نتج عن إدراك أن مياها كثيرة سالت في الواقع العربي، منذ صدور التقرير الأول، والثاني. وأن أحداثا جسيمة أخذت مكانها في العالم، وفي محيطنا العربي والإسلامي، منذ إعصار 11 سبتمبر عام 2001، تقتضي إعادة القراءة للتقريرين السابقين وتحديثهما، بما ينسجم مع التحديات التي تواجهها الأمة في هذه المرحلة.

 

فعلى سبيل المثال، هناك تغير رئيسي في طبيعة العلاقات الدولية، التي لا يمكن لأحد أن يجادل في أنها كانت أكثر رصانة خلال الثنائية القطبية، قبل انتهاء الحرب الباردة. فالاستعمار الذي أقرت شرعة الأمم ومواثيق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان بأنه عمل غير أخلاقي، وأكدت على حق تقرير المصير، قد أصبح سلوكا مقبولا، تمارسه الدولة الأعظم بحق العراق وأفغانستان، وتفرض استمراره بالقوة على شعب فلسطين. والأجندة الأمريكية، حافلة بمشاريع أخرى تتعلق باحتمالات لاحتلالات قادمة.

 

والعولمة التي قيل لنا إنها ستشكل قارب النجاة لدول العالم الثالث، لكي تتفاعل وتندمج إيجابيا بالنظام الاقتصادي العالمي، تكشفت صورتها الحقيقية، وأصبحت أمركة، وهيمنة واحتكارا ونهبا اقتصاديا غير محدود. وبعد 11 سبتمبر 2001، أصبح للعولمة معنى مقيت آخر، هو عسكرة العالم، وتعميم سياسة القوة، ومحاولة إعادة بناء معادلة مختلفة للعلاقات الدولية، تقوم على استقرار القوة الأعظم، وفرض تبعية شاملة على الشعوب والأمم. وتكشفت حقيقة ازدواجية المعايير، حتى فيما يتعلق بالاتفاقيات والبروتوكولات الاقتصادية والسياسية والعلمية التي عقدتها الدول الصناعية الغربية، مع العالم الثالث، فإذا بها تتكشف عن تكريس لمعادلة التخلف، وتثبيت لنظرية النمو غير المتكافئ بين الأمم.

 

وعلى الصعيد المحلي، فإن أي مشروع نهضوي، حاله حال المشاريع الاقتصادية والسياسية الأخرى، يتطلب حاملا ومنفذا له. وما لم يتحقق ذلك فسوف يبقى إنجازا أكاديميا تضمه رفوف المكتبات، ولن يضيف شيئا يستحق الذكر إلى الأحلام والآمال والتطلعات التي تتوق لها الأمة، في أن تأخذ مكانها اللائق بين الأمم.

 

إن هناك أمورا ينبغي أن تكون حاضرة في الذهن عند صياغة مشروع نهضوي عربي في هذه المرحلة، هي أهمية وجود حامل واضح للمشروع. ولعل من الأهمية الإشارة في هذا الصدد،إلى ضعف التشكيلات الاجتماعية في الوطن العربي، وغياب شبه شامل لمؤسسات المجتمع المدني، وإلى انتقال واضح في مراكز الفعل السياسي العربي، من حركات قومية ويسارية ووطنية إلى حركات إسلامية، تنشط في معظم البلدان العربية، وتحمل منظورا ورؤى واستراتيجيات مختلفة لمشروع النهضة.

 

وحتى النظم السياسية السائدة في الوطن العربي، لها توجهات مختلفة، تصل أحيانا حد التناقض،فيما يتعلق بمنظورها للنهضة، والتنمية المستقلة، وللعلاقات الدولية، وأيضا في أنماط وأشكال وهياكل الحكم. وللأسف فإن ذلك يبدو واضحا حتى في المنظومة الإقليمية الواحدة. إن ذلك يعني أن المشروع العام، إما أنه سيعتمد طريقا واحدا، يبدو معزولا عن واقعه الموضوعي، أو يصبح مشروعا تلفيقيا، وفضفاضا،يسعى لإرضاء الجميع، وهذا بالتأكيد لن يجعل منه مشروعا نهضويا حقيقيا، بل تشكيلة مركبة، غير متجانسة من الآراء والأفكار.

 

هناك نقطة أخرى، لا تقل وجاهة عما أشرنا إليه، هي أن الدولة القطرية، في الوطن العربي، وخصوصا في مشرقه، لم تتحقق في الغالب نتيجة إرادة شعبية، بل كانت حدودا مرسومة في ظل انعدام لتوازن القوى بين الأمة وبين الاستعمار التقليدي. وجاء رسم الحدود محملا بنتوءات وتشوهات، وأيضا بقنابل موقوتة، قابلة للتفجر عندما تحين الحاجة، عند الأطراف وفي الداخل.. في شكل صراعات إثنية وطائفية وعشائرية، وأيضا في مناطق محايدة وأخرى متنازع عليها. وفي قيام أنظمة تقوم على المحاصصات الدينية والطائفية، معترف بمشروعية قيامها بموجب القانون، والرعاية الدولية.

 

إن النتيجة الطبيعية للتشكيل الزائف والمشوه لقيام أنظمة عربية لا تتماثل في نشأتها وهياكلها ودساتيرها ومؤسساتها،وأيضا في اختلاف وسائل إنتاجها وطريقة عيشها هي بروز فروقات اجتماعية شاسعة بين البلدان العربية… في مستوى الدخل والتعليم، والضمان الاجتماعي، والخدمات الصحية، ومستوى نمو القوى الفاعلة مجتمعيا، بما يفرض مراجعة لفكرة وجود مشروع نهضوي واحد. وربما اقتضى ذلك وجود مشاريع تفصيلية عدة، داخل بنية المشروع الواحد،أخذا بعين الاعتبار،وبعيدا عن الخيالات والطوباويات والأوهام الحقائق الموضوعية المتواجدة على الأرض.

 

وفي هذا السياق، فإنه في الوقت الذي يفترض فيه ألا يكون هناك فصل تعسفي بين مختلف مراحل التطور التاريخي في الوطن العربي، لكن تشخيص كل مرحلة وتحديد ملامحها وبرنامجها ينبغي أن يحظى بأهمية استثنائية. فليس صحيحا أن سلامة المنطلق والأداء في مرحلة ما يستتبعه بالضرورة انتقال إلى مرحلة أعلى بشكل طبعي ومطرد، دون وضع صياغة مستلزمات المرحلة القادمة بشكل صحيح.

 

على سبيل المثال، كان هناك تصور أثناء مرحلة التحرر الوطني، والنضال ضد الاستعمار الفرنسي، أن استقلال الجزائر، ونيل شعبها لحريته، سينتج عنه دخول الجزائر في عصر النهضة، بسرعة قصوى، تتماهى مع حجم التضحيات، التي قدمها شعب الجزائر والتي بلغت أكثر من مليون شهيد. وردت تلك التوقعات المتفائلة في كثير من الأدبيات ككتابات فرانتز فانون “معذبو الأرض” و”سوسيولوجية ثورة”. لكن الواقع التاريخي كذب تلك التوقعات، ورأينا الجزائر بعد أقل من ثلاثة عقود على إنجاز الاستقلال، تدخل أتون حرب أهلية تحصد الآلاف من أبناء شعبها. وكان الصراع، ولا يزال محتدماً حول ماهية الطريق الذي ينبغي على الجزائر أن تسير عليه، وصولا إلى النهضة والتنمية وتحقيق الكرامة الإنسانية.

 

إن الذي يدفعنا إلى تأكيد هذه النقطة، هو بروز أصوات داخل الندوة تشير إلى أن خلاص العراق وفلسطين من الاحتلال، سيتبعه بروز مشروع نهضوي في هذه الأقطار، وسيكون هذا المشروع جاذبا لبقية البلدان العربية. وهو باعتقادنا أمر خاطئ، وربما يكون مضللا. إنجاز الاستقلال بالتأكيد هو خطوة إلى الأمام، وأمر يستحق التضحيات الجسام، لكنه ليس ضامنا البتة، لأن تكون الخطوات اللاحقة سليمة، وبالاتجاه الصحيح، ما لم تتوفر أرضية لتحقيق ذلك، وما لم تتفق الأطراف حاملة مشروع التحرير على برنامج نهضوي وتنموي للمرحلة التي تلي التخلص من الاحتلال.

 

تلك نقاط موجزة أعتقد أن من الأهمية ضرورة التأكيد عليها. ومسيرة النهضة هي دون شك مسيرة طويلة، حسبنا أن نضع أقدامنا الآن على الطريق الصحيح، وحسبنا أن نأمل ونواصل الحلم في مشروع نهضوي قوامه الحق في التنمية، والحرية والكرامة.. والحق في الحياة دون خوف من المجهول.

 

cdabcd

 

yousifsite2020@gmail.com

 

اضف تعليق

اسمك بريدك الالكتروني

 

تعليقك:

تعليقات

 

* تعليق #1 (ارسل بواسطة صهيب)

 

أشكركم على هذه المواضيع الجادة وأرجوا ان تستمرون

 

* تعليق #2 (ارسل بواسطة ابراهيم المبرك)

 

الانطلاق لتشخيص الواقع العربي يتم كما هو مشاهد لدى العديد من الدوائر المهتمه ,على أساس مجموعة من المقدمات التي تطرح بشكل مسلمات يؤدي تبنيها والمسارعة في برمجتها الى الخلاص الدائم من عقد التخلف الضارب في جميع مفاصل المؤسسه العربيه حتى الاسلاميه منها

من هذه المقدمات ماينتشر في كتابات المثقفين والمفكرين حول التحديات التي تواجه المنطقه العربيه ,والسبل الكفيلة بتجاوز هذه التحديات لوضع الاقدام على ارضية التقدم والاصلاح,وهذه المقدمه عند التدقيق في ماهيتها والسياق التي يعاد طرحها لاتعدوا ان تخدم غرضين يؤديان الى الدوران في حلقة مفرغه الكاسب فيها اطراف اخرى قد تكون منتاقضة ومتصارعه ولكن لايوجد طرف عربي مستفيد,الاول يؤثر على التحركات الاصلاحيه مما يبثه من قناعة زائفه بان الوضع العربي الراهن لاينقصه سوى الالتفات لهذ التحديات والقضاء عليها وكفى ,والاغفال من ثم على الاساسيات الجوهريه الكامنه في مفاصل البنيه السياسيه العربيه من خلال التراكمات التاريخييه التي اثبتتت عمق المشاريع العربيه وتهافتها وضعف قدؤتها على تجاوز ازماتها منذ الاستقلال ,مما يعني في النهايه التنازل التام لقوى الاصلاح والتحديث الذين بحملون الرؤيه المتكامله ذات الطابع المؤسسي القائم بدوره على الثقافة الديمقراطيه وثقافة المجتمع المدني

الثاني وهو لايقل عن الاول ان هذه التحديات ليست وليدة الساعة بقدر ماهي نتاج طبيعي لضعف القدرة على دراسة التغييرات الحاصله في المجتمع بما يضمن في النهايه الخروج بأستجابات تخدم اولا واخر مصالح الشعوب

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

اثنا عشر − 11 =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي