مستقبل الشرق الأوسط بعد الحرب على العراق قراءة أولية
لا شك أن الحرب العدوانية الأمريكية التي تدور رحاها الآن في بلاد الرافدين ستشكل الخارطة السياسية الجديدة للوطن العربي، والشرق الأوسط، وسترسم مستقبل المنطقة، وربما مستقبل السياسة الدولية في العالم بأسره.
ومع أن الوقت لا زال مبكرا لتقديم رؤية دقيقة حول شكل هذا المستقبل، كون ذلك رهن للتطورات التي سوف تأخذ مكانها في ميدان المواجهة العسكرية أولا، وردود الأفعال الشعبية والرسمية العربية تجاه تلك المواجهة، فإن المؤكد كما يبدو من قراءة مجرى العمل العسكري في العراق، خلال الأربعة أيام المنصرمة، أن العدوان الأمريكي لن يكون، كما صورته أجهزة الأعلام الغربية، نزهة، بل سيواجه بمقاومة ضارية، وسيحمل مفاجآت غير سارة للغزاة.
لقد أثبتت الأيام الماضية، بعد العدوان، عنف المقاومة العراقية للقوات الغازية، وفشل المراهنة الأمريكية والبريطانية على إنجاز العمليات العسكرية خلال أسبوع من بدأ الحرب. وكان الصمود الملحمي لميناء أم قصر طيلة الأيام التي مضت واستبسال المقاتلين العراقيين في الدفاع عن كل شبر من بلادهم نذير شؤم لمشروع الغزو الأمريكي. فإذا كانت مدينة أم قصر الصغيرة، بأعداد محدودة وقليلة من السكان استطاعت المقاومة والصمود، وواجهت محاولة الإحتلال بشجاعة وبسالة، فكيف سيكون الحال مع المدن الكبرى العراقية، وفي المقدمة منها العاصمة العراقية، بغداد، ومدن البصرة والموصل وكركوك المحصنة تحصينا جيدا والمعدة في الأصل لتكون ميدان المواجهة الحقيقية.
وعلى هذا الأساس، فإن من المتوقع أن تتواصل المقاومة العراقية الضارية للعدوان الأمريكي البريطاني، وأن تستمر لعدة شهور، وأن يخسر الغزاة آلاف القتلى والجرحى في هذه المواجهة، بما يقوي الجبهة المعادية للحرب ويضعف جبهة الصقور، داخل الولايات المتحدة الأمريكية وفي بريطانيا.
ولا مجال للشك في أن ذلك سيخلق معادلات جديدة في مناطق أخرى من العالم، وبشكل خاص في الوطن العربي، بما يقلب الطاولة رأسا على عقب في وجه عموم المشاريع الأمريكية المعدة سلفا، والتي روجت لها الإدارة الأمريكية، وتحدث عنها كثيرا عددا من المسؤولين في تلك الإدارة، وبضمنهم وزير الخارجية الأمريكي، كولن باول والتي أشارت إلى سايكس بيكو جديدة وإلى النية بإعادة تشكيل الخارطة السياسية للمنطقة بأسرها.
إن بالإمكان الجزم بأن تغيرات حقيقية ودراماتيكية سوف تأخذ مكانها في المنطقة، ولكن ليس بالصورة القاتمة التي يطمح لها الغزاة، بل بصورة مشرقة ومعاكسة لها تماما، وبما يتناسب مع التطلعات والأماني المشروعة للشعب العربي في الحرية والإستقلال وتحقيق السيادة.
لقد شهدت منطقة الشرق الأوسط، وبشكل خاص، منطقة الخليج العربي انتقالا رئيسيا، في التبعية السياسية الدولية، إثر الإنسحاب البريطاني من شرق السويس في مطلع السبعينيات من القرن الماضي. فقد سارعت الإدارة الأمريكية لتطبيق ما أطلق عليه في حينه بـ “ملء الفراغ” والذي بموجبه جرى تنفيذ المرحلة الأخيرة من مشروع إزاحة الهيمنة البريطانية عن منطقة الخليج العربي، ومنحت كياناتها صكوك الإستقلال، واستعيض عن النفوذ البريطاني المباشر بتبعية اقتصادية وسياسية للولايات المتحدة الأمريكية وبوجود قواعد عسكرية أمريكية في عموم المنطقة. ومن سوء طالع الأمة العربية أن تنفيذ تلك المشاريع جرى بالتزامن مع تداعيات وانهيارات أخرى جرت في البنيان العربي نتجت عن هزيمة يونيو/ حزيران عام 1967، وتمكن الكيان الصهيوني من هزيمة الجيوش العربية في مصر وسوريا والأردن.
وكان وصول الرئيس المصري، أنور السادات إلى سدة الحكم، وما تبعه من قضائه على ما أطلق عليه بـ “مراكز القوى” وطرد الخبراء السوفييت عن مصر، واندلاع حرب أكتوبر تشرين عام 1973 وقيام الدول العربية المنتجة للنفط بحظر تصديره عن الدول التي دعمت الكيان الصهيوني في تلك الحرب، ومحادثات الخيمة في الكيلو 101 وفك الإرتباط على الجبهتين المصرية والسورية، وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، والغزو الصهيوني لبيروت قد مهدت الطريق لانقضاض استراتيجي أمريكي على المنقطة العربية، وبخاصة منطقة الخليج العربي. وجاءت حربي الخليج الأولى والثانية، وسقوط جدار برلين والإنهيار المروع للإتحاد السوفياتي وسقوط حلف وارسو، لتعزز من الإنقضاض الأمريكي ولتطرح مشاريع أمريكية وصهيونية مشبوهة جديدة، جرى الإعلان عنها إثر انعقاد مؤتمر مدريد “للسلام في الشرق الأوسط” في بداية التسعينيات من القرن الماضي، كمشروع الشرق أوسطية، كجزء من الإستراتيجية الشاملة للولايات المتحدة لفرض سياساتها الأحادية على العالم.
لقد أوضحنا، بشيء من التفصيل، في أحاديث سابقة أن احتلال العراق هو المقدمة في تطبيق السياسة الأمريكية الجديدة لما بعد انتهاء الحرب الباردة. وأشرنا إلى أن الإدارة الأمريكية تطمح، من خلال هذا الإحتلال، التحكم في العالم بأسره، عن طريق تحكمها في النفط، وتحديد مستوى النمو الإقتصادي لكل دولة. وجعل الجميع يعيشون تحت أريحية كرمها وتعطفها عليهم. كما تطمح أيضا إلى إضعاف الكيانات القطرية العربية وتجزئتها، بحيث لا تبقى سليمة سوى الكيانات المجهرية التي لا تقبل القسمة أبدا.
وبناء على ذلك، فإن الصمود العراقي، سيشكل السد المنيع في وجه مشاريع الهيمنة الأمريكية. وسوف تكون له نتائج إيجابية مباشرة على العالم بأسره، وعلى الأمة العربية بشكل خاص.
والواقع أن تقرير ذلك ليس قراءة للغيب، كما أنه ليس إغراقا في التفاؤل، فقد بدأت طلائع تلك النتائج في الرفض الفرنسي والروسي والصيني الحاسم للعدوان الأمريكي، وعدم قدرة الإدارتين الأمريكية والبريطانية على تسويق العدوان واستصدار قرار يجيز لهما استخدام القوة ضد العراق، بسبب اعلان الحكومة الفرنسية الواضح بأنها لن تسمح بمرور مثل هذا القرار، وعجز الإدارة الأمريكية عن إقناع الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن بالتصويت عليه، وقيام المعتدين بغزو العراق، خارج إطار ما يدعى الشرعية الدولية، وخلافا للمواثيق والأعراف والقوانين المعمول بها في العالم المتحضر.
ومن جهة أخرى، تتجه الدول الأوروبية بزعامة فرنسا وألمانيا ومساندة بلجيكا واليونان إلى التنسيق العسكري والسياسي فيما بينها، في مواجهة الغطرسة الأمريكية. وتتجه الصين وروسيا والهند إلى تعزيز علاقاتها وتشكيل محور يتعاون مع الدول الأوروبية لتشكيل مجموعة تتصدى لهيمنة لآحادية القطبية على العالم.
إن مستقبل الشرق الأوسط، كما يبدو من المشهد السياسي والعسكري الحالي، إذا استمر الوضع على حاله خلال الأيام القادمة، لن تصنعه الولايات المتحدة الأمريكية، وستتعثر محاولات فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين، ويندحر مشروع الشرق أوسطية. إن من المتوقع أن تتصاعد المعارضة العالمية الرسمية والشعبية للحرب، خاصة بعد الخسائر الكبيرة التي لم تكن متوقعة في صفوف الأمريكيين والبريطانيين وصمود جبهة المقاومة العراقية. وفي الولايات المتحدة وبريطانيا، فإن وصول العشرات من جثث القتلى وعودة الجرحى إلى ديارهم سيفجر حالة غضب كبيرة في المدن الأمريكية والبريطانية، وستصل حالة الإحتقان إلى الوضع الذي ساد في تلك المدن أثناء الحرب الفياتنامية في الستينيات.
وفي هذه الحال، فإن الذين راهنوا على انتصار سريع للعدوان، سيصابون إما بخيبة أمل، إذا كانوا قد ساندوا العدوان عن نية وتصميم، أو بانتعاش وارتياح وقدرة غير مسبوقة على فك ارتباطهم بمشروع العدوان، إذا كان ارتباطهم به قد تم عن طريق القسر والخشية من الجبروت الأمريكي. ولسوف تواصل الشعوب العربية ضغطها، بشكل أكثر قوة على الدول المشاركة في العدوان من أجل فك ارتباطها به، أو تواجه بحالة من عدم استقرار لن تكون نتائجها في صالح أحد من أبناء المنطقة.
وحتى إذا افترضنا جدلا، نجاح مشروع العدوان الأمريكي والبريطاني على العراق، لا سمح الله، وتمكن الأمريكيين من احتلاله، فإن ذلك لن يكون نهاية المطاف. فكما تتصاعد المقاومة الأفغانية الآن للوجود العسكري الأمريكي، فإن المقاومة العراقية لن تكون أقل من المقاومة الأفغانية، وسوف تستمر بشكل أعنف على أرض الرافدين، وسوف تشهد المنطقة بأسرها حالة من عدم الإستقرار، تنمو فيها الإتجاهات السياسية المتطرفة، وتتصاعد المقاومة للوجود والمصالح الأمريكية في كل مكان، بما يعزز في تسارع انهيار الهيمنة الأمريكية على العالم، ويساعد في بروز أقطاب جديدة في السياسة الدولية.
وهكذا فإن إدارة الولايات المتحدة الأمريكية، ورديفتها الإدارة البريطانية، التي أرادت أن تحسم بشكل لا لبس فيه، من خلال غزو العراق الشقيق، إحكام قبضتها على العالم قد وضعت نفسها في مستنقع لا يمكن الخروج منه ومأزق حاد لا سبيل إلى تفاديه، ستكون نتائجه وبالا عليها وعلى مصالحها، وينهي للأبد تفردها في السياسة الدولية وهيمنتها على العالم، وهو ما ستتوضح معالمه بجلاء في الأيام القليلة القادمة، وسوف تصنعه دون شك سواعد المقاومة العراقية الشعبية الباسلة.
تاريخ الماده:- 2003-03-25
التعليقات:
2020-05–0 3-:02
د محمد الم ختار ديه الا مين العام لقوى التغير في مو ريتا نيا من مو ريتا نيا
لا شك ان ما يحدث في العراق زلزال في اثر ه وتدا عيا ته,لا يقل عن زلزال تسنا مي ,الم يكن اتسنامي مو جة عا تية من زلزال العراق والشرق الاوسط بصيفة عا مة. ومن المعروف عند علماء الطبيعة ان ما من آفةفي عالم الطبيعة الاولها اجا بيات وسلبيات,فهل هذ الامر يمكن تعميمه على ما يجرىمن زلزال في السياسة الد ولية ومنظومة ما يسما بالعلا فات الدوليةفي العراق .
ما يتبادر للمتتبع لسنن العمران,واسباب السقوط والنهوض,في عالم الحضارة :ان ما يجرى في العراق بدا ية,ونهاية:بداية النهوض لاامة:هي الامة العربية والاسلامية,لبدا يتها في الا مساك بزمام المبادرة,وتخطى معوقات النهوض :الانظمة,التي قتلت في الامة مقومات وجودها واسباب نهوضيها:حرياتها,وحقها في القيومية على وجودها,فهاذه هي اول خطوات النهوض, ومعلوم في العلوم الطبيعية:ان كل ولادة لا بد لها من مخاض ,وكل مخاض لا بد له من آلام,وهذا بالضبط هو ما يجرى في العراق,فهو قطعا بداية نهايةطغيان اللبرالية الر اس ما لية المتوحشة التي تمثلها امركا,اليمينية,والدكتاتو رية العسكرية المفروضة على العرب ملكية كانت او جمهورية.
فابرز شروط نهضة الا مة هي وعيها بذاتها ,ومقومات وجودها ,وهذا ما يتجلى بوضوح من الاوضاع بكل تفا علا تها وتعقيداتها في العراق,والتي اصبح رذا ذها يو قظ الشعوب, ولحيبها يحرق زيف الا نظمة,كلها,ويدفع بالشعوب الى تجاوزها.
وهذا قطعا ما لم يكن مقصودا للحملة الامركية, وسما سرتها من انظمة الا فلاس والقهر العربي.
د كتور محمد المختار ديه امين عام قوى التغير في مو ريتا ني :وهي تكتل من المثقفين غير حزبي ولد في موريتانيا بتا ريخ 3_4_2003م
2020-06–0 1-:03
معن مع عمار الفهداوي من العراق
ان قوات الامركية في العراق انتهكت جميع حقوق الانسان وخاصتا في الرمادي اين حقوق الانسان من هذه الااخلاقية