مستقبل السياسة الأمريكية

0 454
​​​​​​أسبوع واحد يفصلنا، عن “الثلاثاء العظيم”، اليوم الذي سيتحدد فيه من سيكون بالمكتب البيضاوي، للأربع سنوات القادمة. جل التقارير والمؤشرات، تشي بأن الفوز سيكون من نصيب المرشح الديمقراطي، جوزيف بايدن. وبخلاف أسباب الفشل والنجاح للوصول لسدة البيت الأبيض، في الدورات الانتخابية السابقة، والتي ترتبط عادة بالاقتصاد، فإنها هذه المرة، تعود لسبيين أخرين، ليست لهما علاقة مباشرة به.
السبب الأول فشل إدارة ترامب الذريع في احتواء حائجة كرونا، حيث تحتكر الولايات المتحدة الرقم الأول في الإصابات والموتى جراء استفحالها. أما السبب الآخر، غياب الخطاب التوحيدي، في معالجة القضايا العنصرية، ومظاهرات الاحتجاج على قتل مواطنين سود، في عدد من المدن الأمريكية. مما سعر السخط والغضب وسط مختلف مكونات المجتمع الأمريكي، وبشكل خاص ضمن السود، والمنحدرين من أصول مكسيكية، وقطاع واسع من فئات أخرى، من المجتمع الأمريكي، تجاه سياسة ترامب.
ما يهمنا في هذا الحديث، ليس تناول موضوع الانتخابات، رغم أهميته، فقد تناولنا بعض جوانبه في أحاديث سابقة، بل هو مستقبل السياسة الأمريكية، في حالة الفوز، المرجح الآن للمرشح الديمقراطي بايدن.
ورغم التسليم بأن جوهر السياسة للإدارات الأمريكية المتعاقبة في العصر الحديث ثابت، يختزل في الدفاع عن المصالح الأمريكية، وموقع أمريكا، كقوة عالمية عظمى. وفي سبيل تأمين ذلك، فإن كل الوسائل مشروعة، من وجهة نظر هذه الإدارات، بما في ذلك القسر والإرهاب والحرب. لكن الأداء والاستراتيجيات والتكيتيات التي يمارسها الرؤساء، مختلفة من رئيس لآخر، عاكسة موقف الحزبين الرئيسيين اللذين يتناوبان على الحكم في الولايات المتحدة، الديمقراطي والجمهوري.
فبالإضافة إلى الاختلاف الكبير، في المسألة الاقتصادية بين الحزبين، والتي تعبر عن اقتصاد موجه عند الديمقراطيين، واقتصاد منفلت لدى الجمهوريين، بما يعني التناوب بين التخضم والانكماش، وبين حضور دولة الرفاه وغيابها، هناك أيضا فروقات شاسعة في السياسة الخارجية، لا تعكسها سياسة الحزبين فقط، بل وأيضا شخصية الرئيس، وطاقم العمل المحيط به.
وإذا ما أخذنا موقف الحزبين في الخمسة عقود المنصرمة، واعتبرناها بوصلة لقراءة المستقبل، أمكننا تقديم قراءة استشرفية لما ستكون عليه سياسة بايدن الخارجية، حال تسلمه الموقع الرئاسي. وما يجعل هذه القراءة أقرب للصواب، أن الرئيس “المرتقب”، كان إلى ما قبل أربع سنوات من هذا التاريخ، نائبا للرئيس باراك أوباما لفترة ثماني سنوات، وكان شريكا له في قراراته السياسية.
السياسيات الاقتصادية الداخلية، لها تأثير كبير، على السياسة الخارجية. فتوجيه خزينة الحكومة الفيدرالية، نحو معالجة القضايا الداخلية، يقتضي تقليص مصاريف الدفاع، وسباق التسلح. وهو ما يعني السعي للاتفاق مع روسيا الاتحادية.، من أجل تعضيد الاتفاقيات السابقة، لوقف سباق التسلح، وبشكل خاص في المجال النووي. وسوف يعكس ذلك ذاته، على الموقف من الأزمات الدولية الأخرى المستعصية. وفي اعتماد الحروب بالوكالة بديلا عن الحروب المباشرة.
هناك أيضا الملف النووي الإيراني، وموقف بايدن تجاهه واضح وصريح، وهو العودة للاتفاق الذي جرى التوقيع عليه، أثناء عهد الرئيس باراك أوباما. وهو اتفاق يضمن استمرار المراقبة على المنشآت النووية الإيرانية، ويحجب عن حكومة إيران، استمرار العمل من أجل امتلاك السلاح النووي. وإذا ما تناولنا الأمر، من زاوية عملية، فإن مواقف ترامب، المتشدة من إيران، من غير مراقبة مستمرة لمنشآتها النووية، قد أتاح لها أربع سنوات من العمل، بحرية في بناء مشاريعها النووية، في حصار اقتصادي، أضر بالشعب الإيراني، لكنه لم يؤثر جديا على سياسة التسلح لطهران.
في هذا المضمار ستعمل إدارة بايدن على احتواء وجود إيران في العراق واليمن وسوريا ولبنان بوسائل أخرى غير تقليدية.
وسيكون الموقف، مختلفا تجاه القضية الفلسطينية. فالديمقراطيون، هم أول من تبنى أمريكيا قيام دولتين على أرض فلسطين التاريخية، منذ عهد الرئيس، جيمي كارتر، عام 1978. بل إن الرئيس كارتر مضى أكثر من ذلك، فوقع على وثيقة ثنائية مع زعيم الحزب الشيوعي السوفييتي، ليونيد بريجينف، تعهد بموجبها القائدان بدعم قيام دولة فلسطينيىة مستقلة، بالأراضي التي احتلها “إسرائيل” عام 1967. ولن يكون مستبعدا أن تعود سياسة المفاوضات الماراثونية ألى الواجهة بين السلطة الفلسطينية والكيان الغاصب. وستبرر السلطة قبولها العودة لطاولة المفاوضات باختلاف موقف بايدن من الصراع مع سابقه ترامب ، وأن الإدارة الجديدة ليست مسؤولة عن التفريط بعروبة القدس وصفقة القرن.
وفي هذا السياق، فإن جل معاهدات السلام السابقة، قد جرى توقيعها برعاية رؤساء ديمقراطيين, فكارتر رعى اتفاق كامب ديفيد، وكلينون رعى اتفاقي أوسلو ووادي عربة, سيعيد بايدن الاعتبار مجددا للمفاوضات على قاعدة الاعتراف بدولة فلسطينية في المناطق التي جرى احتلالها عام 1967.
سيركز بايدن على قضايا حقوق الإنسان، في البلدان الأخرى، ومنها منطقتنا العربية، وعلى الأوضاع في العراق، والأزمة السورية، والحرب في اليمن والقضية الكورية والعلاقة مع الصين، والاتحاد الأوروبي. والحديث بحاجة إلى المزيد من القراءة والتحليل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

أربعة + 17 =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي