مجلس الشورى: التحديات والمهام المطلوبة

0 208

شهدت مدينة الرياض في الأيام الأخيرة حدثين مهمين، الحدث الأول كان حملة التفجيرات المنظمة التي شهدتها العاصمة، في عدد من المراكز السكنية التي ذهب ضحيتها عشرات من القتلى والجرحى من المدنيين الأبرياء، والثاني كان بداية انعقاد أعمال الدورة الثالثة لمجلس الشورى السعودي.

لقد كان الحدث الأول أمرا غير مألوف في مجتمعنا، وخارجاً على تقاليد وعادات وموروث أبناء هذا البلد، وقد أطنب الجميع في الداخل والخارج بإدانة هذه الأحداث ومرتكبيها، على اعتبار أنها عملا غير مبرر، وجريمة لا تغتفر. أما الحدث الثاني، فأخذ مكانه في مناخ داخلي كئيب فرضته تداعيات الأحداث التي مرت بالمنطقة العربية عموما، والأوضاع التي تمر بها البلاد، بشكل خاص.

 

وأي يكن الموقف من الحادث الأول، فإنه أخذ مكانه وأصبح جزءا من تاريخ هذا البلد. إن المهم الآن ليس تدبيج بيانات السخط والاستنكار والإدانة، فذلك أمر أجمعت عليه كافة فصائل المجتمع ونخبه الثقافية والاجتماعية والفكرية، بل المهم هي الدروس والعبر التي يجب أن تستخلص من هذه الحادثة، ومحاولة منع تكرارها في المستقبل.

 

ومن هنا تداعت معظم الصحف المحلية، مشكورة، إلى استقراء رأي المثقفين والمفكرين في هذا الحدث، وربطت جريدة عكاظ الغراء بين كل من الحدثين. وطرحت سؤالا هاما، مركزيا وملحا، على نخبة منتقاة من المعنيين بالشأن العام عن الدور الذي ينبغي أن يضطلع به مجلس الشورى السعودي تجاه التحديات التي يواجهها الوطن.

 

ويقينا، أنه في ظل المتغيرات الدرامية السريعة والأحداث العاصفة التي يمر بها مجتمعنا والمنطقة بأسرها، فإن السؤال الذي تناولته جريدة عكاظ، وصحف محلية أخرى يبقى منطقيا ومشروعا، يلح على الضمير والوجدان، ويمثل هاجسا مقلقا وكبيرا لكثير من المفكرين والمثقفين والنخب في هذه البلاد. ويعيد السؤال طرح نفسه بحدة عند كل منعطف نمر به. ماذا ينبغي علينا عمله وما هو الدور الذي يجب أن يضطلع به مجلس الشورى الموقر في هذه المرحلة العصيبة من تاريخنا؟.

 

وعلى الرغم من أن طرح السؤال، بهذا الشكل، يبدو فضفاضا وعاما وغير محدد، لكنه، من جهة أخرى، يجعل الفضاءات واسعة والأجوبة مفتوحة لتناول كثير من الموضوعات وتلمس مجموعة من الآراء والمقترحات والحلول.

ومن وجهة نظري، فإن المهم عند تناول هذا الموضوع، أن يجري التمييز بين أمرين: الأمر الأول هو وعي مدى قدرة مجلس الشورى بتشكيلته وبنيته الحالية والصلاحيات الممنوحة له من قبل أعلى سلم الهرم، على الاستجابة والتفاعل مع متطلبات المرحلة الحاضرة، وهل هو مؤهل وقادر فعلا على عمل أي شيء في مواجهة الأعباء الجسام والأعباء التي ينتظر المواطنون من المجلس أن يقوم بإنجازها، والأمر الثاني، هو كيف تمكن إعادة بناء وتشكيل هذا المجلس بحيث يصبح واحدا من صمامات الأمان والدعائم الرئيسة للمجتمع، في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة التي تواجهها البلاد، وكيف يصبح عنصرا مؤثرا وفاعلا في صياغة مستقبلها، والتصدي للتحديات والمخاطر التي تحدق بها، على الصعد كافة.

 

وليس من نافلة القول الإشارة إلى أننا نعيش في هذه اللحظات من تاريخنا وضعا استثنائيا، غير مسبوق يتمنى المخلصون أن نتمكن من اجتيازه بسلام، وإن الصدق في الطرح يقتضي شجاعة ومواجهة للحقائق كما هي لا كما نطمح في الكيفية التي نتمنى أن تكون عليه. وهذه الحقائق التي تصدمنا بقوة، تشير إلى أننا الآن في هذا الوطن الغالي نعاني، بشكل مباشر من تحديين خطيرين، الأول داخلي، ويتمثل في انتقال فكر الإرهاب من مرحلة التبشير إلى العمل، بكل ما يحمله ذلك من تهديد لأمن الوطن وسلامته واستقراره، ومن سيل للدماء وهدر للأرواح. وفي هذا الصدد علينا أن نعترف أن البلاد تعاني تصعيداً غير مسبوق للعنف في البلاد، متسترا بواجهات جهادية ودينية بالتوازي مع تسعير مقيت للمسألة الطائفية والمناطقية بما يهدد، إن لم يتم تداركه قبل فوات الأوان، بتفتيت دعائم الوحدة الوطنية. والثاني خارجي، وخلاصته أن هناك جملة من المتغيرات السياسية على الساحة الدولية، أخذت مكانها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، الذي عنى في جملة ما عنى إليه أنه لم تعد هناك أية قوانين أو مواثيق دولية، بما في ذلك مبادئ الأمم المتحدة ذاتها، يعتد بها ويمكن اللجوء إلى أحكامها ونصوصها، وأن شريعة القوة هي السائدة الآن. وهذه المتغيرات تتجه إلى صياغة خارطة جديدة للمنطقة بأسرها. وقد أفصح أناس لهم علاقة مباشرة بالصياغة المرتقبة أن بلادنا ليست خارج الخارطة الجديدة.

 

إذن لا حاجة لنا للاستغراق في التفكير طويلا، فالمطلوب أولا هو أن نأخذ جملة التهديدات والمخاطر الداخلية والخارجية التي تتعرض لها البلاد مأخذ الجد، وأن نعمل على تأمين وحدة البلاد وأمنها وسلامتها، وأن يكون الوعي من قبل الجميع، حكاما ومحكومين، والاستعداد لتحمل المسؤوليات كافة بحجم التحديات التي تواجهنا.

وأولى المهام التي يجب أن تتحقق وطنيا فيما يتعلق بمجلس الشورى، هي أن ينتقل دوره من مؤسسة استشارية إلى مؤسسة تشريعية، وأن تكون هذه المؤسسة ممثلة بصدق، قولا وفعلا نبض الشارع السعودي وحركته. وذلك لن يتم إلا باعتماد الانتخاب الحر لأعضاء المجلس، حتى إن تم ذلك بشكل تدريجي، وإعادة النظر في هيكلته وبنيانه وطريقة تشكيله.

 

بمعنى آخر، لا بد من أن يكون للجمهور قول في تشكيل هذا المجلس، وأن يضم نخبة مقتدرة من الكفاءات ممن يتمتعون بالجسارة في الصدق وممن هم موضع ثقة وقبول من الجميع، وينبغي أن يكون المجلس معبرا في تكوينه وطروحاته عن الإرادة الوطنية. وفي هذا الاتجاه، فإن من المهام الرئيسة التي يجب أن يضطلع بها هذا المجلس، بعد الأخذ بعين الاعتبار هذه النقاط المهمة، في المرحلة المقبلة العمل على تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ ثوابتها، والتسليم بأن ذلك لن يتم ما لم يتجذر مفهوم المواطنة، بواجباتها واستحقاقاتها كافة، التي تعني التكافؤ وتحقيق المساواة في الفرص والواجبات أمام الشرع والقانون.

 

إن البلاد التي يتم التفاعل بين أبنائها في الهرم والسفوح والقاع، ويلتحم فيها مواطنوها مع بنيانها الفوقي، طرديا وعكسيا، ستصبح عصية على الاختراق من قبل الأجنبي وعناصر التخريب، وستكون قادرة على مواجهة التهديدات والمخاطر التي تحدق بها، ما هو معلن منها وما هو باطن. فلا بد من أن يكون تحقيق السلم الاجتماعي هدفا أساسيا نعمل عليه جميعا، ويعبر عنه في المناهج الدراسية والتربوية والإعلام والثقافة، ويسود التعامل به في المؤسسات والدوائر الحكومية والأهلية، ويجب العمل على مواجهة تفشي البطالة، ووضع البرامج العملية للتقليل منها ومن آثارها، وتحسين مستوى الدخل، والدفع بمشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية خطوات متقدمة إلى الأمام.

 

وأخيرا لا بد من الانتقال إلى مرحلة جديدة تتسم بالتسامح والتنوير والتحديث، وأن تتاح الفرصة أمام الرأي والرأي الآخر للتعبير والتفاعل… وأن يتم التضييق على نهج التفكير والتعصب والتفرد وإشاعة روح الفرقة. وفي هذا الصدد تنبغي الإشارة، إلى أن فكر التكفير والتعصب تمكن خلال حقبة طويلة من فرض منهجه على كثير من أفراد مجتمعنا، وقد حان الوقت لفتح أبواب الاجتهاد وسيادة فكر التسامح والمحبة، وأن ننفتح على التيارات الإنسانية الخيرة ونتفاعل معها، بما لا يتنافى مع مبادئ ديننا الحنيف وشريعتنا السمحة. وقد شاءت إرادة الخالق عز وجل أن يزهو هذا الكون الرحب بمختلف الألوان الجميلة، فعسى أن نجعل من مجتمعنا واحة تتفاعل فيها الأفكار والقيم النبيلة ولا يسود فيها فكر التعصب والانغلاق.

 

تلك مقدمات لا بد من الأخذ بها، باعتقادي، إذا أردنا لهذا الوطن أن يبقى كما هو عزيزا، كريما حرا، وأن نجعل من هذه السفينة بعيدة عن الأذى، قوية شامخة أمام الرياح والأعاصير التي تعصف بالمنطقة بأسرها الآن.

 

 

 

 

 

 

د. يوسف مكي

تاريخ الماده:- 2003-05-22

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

10 + سبعة عشر =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي