ما بعد الهجوم على الكرملين
د. يوسف مكي
في الثالث من هذا الشهر، تم الهجوم على الكرملين، المبنى التاريخي، والمقر الرئاسي الروسي، بثلاث مسيرات، تم تعطيل اثنيتن منهم، وأصابت الثالثة، حسب رواية موسكو. وقد وجهت القيادة الروسية الاتهام المباشر لأوكرانيا بالوقوف خلف العملية، واصفا الهجوم بالإرهابي، ومحاولة اغتيال رئيس روسيا الاتحادية، فلاديمير بوتين.
أوكرانيا من جهتها، نفت باسم الرئاسة، وجود أية صلة لكييف بهذا الهجوم، واتهمت موسكو بخلق الذرائع لشن هجوم واسع على أوكرانيا. لكن المسؤولين الروس يستبعدون وجود جهة أخرى، تقف خلف هذا العمل “الإرهابي”.
في هذا السياق، صرح باستريكين رئيس لجنة التحقيق الروسية في الحادث، أن اللجنة، تعمل على تحديد كل الظروف التي أحاطت بالمحاولة الأوكرانية، لضرب مقر الرئاسة بطائرات مسيرة، مشيرا إلى أن الحادث، كشف من جديد، الطرق التي يستخدمها نظام كييف. وأن ارتكاب الهجمات الإرهابية، هو نمط نموذجي للقوميين الأوكرانيين، حيث أن هذا الهجوم، تم ليلة الاحتفال بالعيد الوطني، للنصر الكبير على النازية بنهاية الحرب العالمية الثانية.
الناطقة باسم وزارة الخارجية ماريا زخاروفا أعلنت أن بلادها ستحدد شكل وزمان الرد الانتقامي على العملية الإرهابية التي شنتها كييف. وأن إمكانية عقد مفاوضات مع الرئيس زيلنسكي، للتوصل إلى حل سلمي للصراع بين البلدين باتت مستحلية، محملة الولايات المتحدة مسؤولية التحريض على الجرائم التي يرتكبها نظام كييف، وفقا لهذا التصريح. وقد جاءت تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف متماهية، مع تصريحات رخاروفا، حيث أكد أن بلاده ستتخذ ردها الانتقامي بحق أوكرانيا، بالشكل والوقت المناسب.
وكان الهجوم الأعنف على أوكرانيا، قد جاء على لسان نائب رئيس مجلس الأمن القومي، ديمتري مديفيديف، الذي وجه الاتهام مباشرة للرئيس الأوكراني زيلينسكي، ووعد بتصفيته جسديا، معلنا أن روسيا ليست بحاجة له لتوقيع وثيقة استسلام أوكرانيا، الاستسلام الذي سيفضي له استمرار العملية العسكرية الخاصة التي شنتها روسيا ضد كييف.
إدارة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، تراوحت تصريحاتها بيد التأييد المبطن للعملية، وبين نفي علمها مسبقا بالتخطيط الأوكراني لها. فوزير الخارجية الأمريكي، بلينكن، قال إن من حق كييف استخدام أي وسيلة للدفاع عن استقلالها، وأنه ليس لديه ما يؤكد مصداقية الرواية الروسية. أما الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض، فأعلن أن بلاده تعارض أساليب التصفية الجسدية.
اللافت للنظر، هو إعلان الإدارة الأمريكية، عن تقديم المزيد من المساعدات العسكرية، لزيلنسكي، إثر الإعلان عن تنفيذ الهجوم بالمسيرات، من قبل أوكرانيا على مبنى الكرملين، بما يعطي انطباعا ضمنيا بعدم معارضة الولايات المتحدة لهذا الهجوم.
الدول الأوروبية، لم تخرج عن الموقف الأمريكي، وشككت في الرواية الروسية، وأكدت مواصلة دعمها العسكري والسياسي لأوكرانيا، في الحرب الدائرة على أراضيها.
السؤال الذي يطرح في هذا السياق، في حالة ثبوت تورط أوكرانيا بالجهوم على مبنى الكرملين، هو لماذا اختارت كييف، هذا التوقيت بالذات لتنفيذه، وهي تعلن عن اقتراب موعد شن هجومها المعاكس لاستعادة الأراضي التي احتلها الجيش الروسي، بالعملية العسكرية الخاصة، التي تم اطلاقها قبل أكثر من عام، من هذا التاريخ؟!.
إن أي قراءة منطقية للهجوم على الكرملين، إن صح ارتباط أوكرانيا بها، سيفهم منها أن استراتيجية كييف العسكرية، تستدعي أن تكون موسكو هي البادئة بالهجوم العسكري على أوكرانيا، وأن مثل ذلك، حال تحققه، سيتيح لها تنفيذ هجومها المبكر، الذي وعد الرئيس زيلنسكي بتنفيذه وهي في حالة دفاعية. ومثل هذه القراء غير دقيقة، لأن روسيا ضالعة فعليا بشن حرب على كييف، وقد حققت انتصارات يعتد بها على طول الجبهة مع أوكرانيا، وأنها الآن على مشارف احتلال مدينة باخموت الاستراتيجية، بما يجعل القوات الروسية، أكثر قربا من العاصمة كييف ذاتها.
يضاف إلى ذلك، أن وعود الرئيس الأوكراني زيلنسكي، بتحرير جميع الأجزاء التي سيطرت عليها روسيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، باتت شبه مستحيلة. إن ذلك يطرح علامات استفهام كبيرة، على من يقف خلف قرار الهجوم على مبني الكرملين ودوافعه، واحتمالات أن الهجوم قد تم من قوى أوكرانية، من خارج دائرة صنع القرار في كييف، أو بقرار منفرد من أحد أجنحتها.
المؤكد أن عملية الهجوم بالمسيرات على مبنى الكرملين، لن تمر من غير رد انتقامي روسي قوي. وكل المؤشرات تشي أن موعد هذا الهجوم سيكون دقيقا، وأنه سيأخذ في الحسبان، مختلف ردود الأفعال والمواقف الدولية، ولن يطول بنا الانتظار.
التعليقات مغلقة.