ما الذي ينتظره الفلسطينيون بعد وقف إطلاق النار في غزة
د. يوسف مكي
بعد حرب شنتها إسرائيل بحق قطاع غزة، وصفت من قبل الكثيرين من المحللين السياسيين، بحرب إبادة، وافقت حكومة بنيامين نتنياهو على وقف إطلاق النار بالقطاع. وقد تضمن الاتفاق المعلن، إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين من الجانبين، مع تحفظات إسرائيلية على إطلاق سراح البعض من المعتقلين الفلسطينيين. وبهذا الاتفاق تبدأ مرحلة جديدة، في صيرورة الكفاح الفلسطيني، من أجل الحرية والاستقلال وتقرير المصير.
ولا جدال في أن صمود الفلسطينيين كان العامل الحاسم، في وقف إطلاق النار، لكن توقيته يحسب للضغوط التي مارستها الإدارة الأمريكية الجديدة، برئاسة دونالد ترامب، التي رأت في ذلك وسيلة لإنقاذ المحتجزين الإسرائيليين، وليس الفلسطينيين، بتعبير فاقع في عنصريته.
وليس من شك، في أن هذه الحرب هي الأطول والأكثر عنفا، في تاريخ الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، منذ نكبة فلسطين عام 1948، حتى يومنا هذا. فقد استغرقت أكثر من ستة عشر شهرا، منذ أطلقت حركة حماس، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2022، ما بات يعرف بطوفان الأقصى، بعد انسداد طويل لتسوية القضية الفلسطينية.
كانت منظمة التحرير الفلسطينية، بقيادة الراحل ياسر عرفات، قد توصلت مع الحكومة الإسرائيلية، التي رأسها إسحق رابين إلى اتفاق أوسلو، الذي عرف بإعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي، وقد جرى التوقيع على الإعلان في العاصمة الأمريكية واشنطن، وبرعاية الرئيس الأمريكي بل كلنتون، في 13 أيلول/ سبتمبر عام 1993. وبموجب هذا الاتفاق تم تأجيل قضيتي عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، ومدينة القدس الشرقية للمفاوضات النهائية، التي اتفق المتفاوضون على تأجيلها خمس سنوات، هي الفترة الانتقالية، ليتم بعدها التوصل إلى حل نهائي، يضمن حلا سلميا عادلا للقضية الفلسطينية. ورغم مرور قرابة ثلاثين عاما على توقيع اتفاق أوسلو، فإن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لم تتقدم خطوة واحدة على طريق الالتزام بوعودها.
كلف الحرب على غزة، دمارا وخرابا، وقتلا، هي الأعلى منذ تأسيس الكيان الإسرائيلي. فقد تجاوز عدد الشهداء أكثر من خمسة وأربعين ألفا، جلهم من المدنيين، من النساء والأطفال والشيوخ، يضاف لهم أكثر من مائة ألف جريح هذا عدى المفقودين. أما الخراب الذي الحقته آلة التدمير الإسرائيلية، فحدث ولا حرج. فأكثر من نصف قطاع غزة، بات مدمرا، وغير صالح للسكن. وذلك لا يشمل مساكن الفلسطينيين فحسب، بل البنية التحتية للقطاع، بما فيها من ماء وكهرباء وصرف صحي، وشوارع، باتت جميعها بحاجة إلى إعادة تأسيس جديد.
وقد باتت قضية غزة، لفرط ما عانته من دمار وقتل وتخريب، قضية عالمية، طرحت بقوة في قلب أمريكا والقارة الأوروبية، وتبنتها مؤسسات إنسانية وقانونية، لعل الأبرز بينها محكمة العدل الدولية، التي صنفت رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو ووزير دفاعه، وبعض من أقطاب حكومته بمجرمي حرب، وطالبت باعتقالهم.
صحيح أن التضحيات التي قدمها الفلسطينيون، كانت فادحة، لكن القضية الفلسطينية، قد حظيت باهتمام واسع من قبل الرأي العالمي، وإسرائيل التي صنفها الغرب باعتبارها الدولة الديمقراطية الوحيدة فيما يعرف بالشرق الأوسط، قد فقدت سمعتها، وباتت توصف باعتبارها نظام فصل عنصري، شبيه بما ساد في نظام الفصل العنصري، بجنوب أفريقيا.
نقطة الضعف، في طوفان الأقصى، أنه أخذ مكانه في بقعة صغيرة جغرافيا، تعتبر الأكثر اكتظاظا بالسكان، في الكرة الأرضية، وأنه لم يشمل بشكل شامل الضفة الغربية ومدينة القدس، رغم تعاطف الفلسطينيين جميعا مع سكان القطاع. ونقطة الضعف الأخرى، أن أحداث غزة، أخذت مكانها في ظل غياب الوحدة الفلسطينية، التي هي الشرط اللازم، لتحقي تطلعات الفلسطينيين في الحرية، وإقامة دولتهم المستقلة فوق التراب الفلسطيني.
فاعلية الكفاح الفلسطيني، لن تكون مؤثرة، بالشكل الذي يلبي تحقيق أهدافهم، إلا بقيادة وطنية موحدة. وهذا درس بليغ ينبغي أن يكون حاضرا في المستقبل.
لقد قبل الفلسطينيون، بوحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية، للشعب الفلسطيني، في الداخل وفي المهجر. وقد حان الوقت لعودة الاعتبار للمنظمة لتكون، كما كانت لعقود طويلة، الكيان الشرعي الوحيد، للإرادة الفلسطينية. ولا بديل عن تجاوز واقع التشظي الراهن، وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.
سيجادلنا الكثير، من المهتمين باستحالة ذلك نتيجة اختلاف التوجهات السياسية، داخل الحركة الوطنية الفلسطينية، وهذا في بعض أوجهه صحيح، لكن هذا الحال، كان كذلك باستمرار، ومع ذلك تمكن الفلسطينيون من تجاوزه، باعتماد لغة الحوار، واللجوء إلى تغليب رأي الأكثرية، على رأي الأقلية. وذلك ليس فقط أمرا ممكنا، بل هو الحل الوحيد، الذي يرتقي بالكفاح الفلسطيني، ويمكن الشعب الفلسطيني، من تحقيق أهدافه، وإنجاز استقلاله السياسي. كما أنه يضع إسرائيل، في موقف صعب، ويفقدها ذريعة التعلل بعدم وجود إجماع فلسطيني.
إن تحقيق الوحدة الفلسطينية، ستدعم دون شك القضية الفلسطينية، وستفقد العدو ذرائعه، بعدم وجود ممثل وحيد، يمكن التفاوض معه بين الفلسطينيين. كما أنها ستمنح العرب جميعا، ومناصري القضية على مستوى العالم أجمع، قوة مضاعفة، لنصرة قضية فلسطين، وانهاء الاحتلال الإسرائيلي، عن قطاع غزة، والضفة الغربية، ومدينة القدس، وتنقل مستوى القضية الفلسطينية، من قضية لاجئين، إلى شعب يطالب بالحرية والاستقلال والكرامة الإنسانية، وفقا لمبادئ القانون الدولي، وميثاق هيئة الأمم المتحدة، وحق الأمم في الحرية وتقرير المصير.
التعليقات مغلقة.