ما الذي يبتغيه العرب من الرئيس ترامب
جرت انتخابات ترامب بشكل سلس، ولم يشك أي من الفرقاء أو المراقبين في نزاهتها، رغم اللغط الشديد، وعلامات الاستفهام الكبيرة، التي وجهت حول برنامجه الانتخابي، خلال تنافسه من السيدة هيلاري كلينتون.
وكان خطاب الرئيس أثناء أدائه اليمين القانونية، والاحتفال بتتويجه، قد جاء مختلفا بشكل كبير، عن خطابات نظرائه من الرؤساء الأمريكيين السابقين. فمن جهة حمل الخطاب نبرة هجوم حاجى على المؤسسات الأمريكية، التي وصفها بالسعي بالاستئثار على المكاسب، وعدم الالتفات لمصلحة الشعب الأمريكي,
أعلن انه عهده، هو بداية عهد يتسلم فيه الشعب الأمريكي السلطة بنفسه، من غير واسطة المؤسسات الأمريكية، المعتادة. وأكد أنه سيكون رئيسيا لكل الأمريكيين، بغض النظر عن ألوانهم وأعراقهم ومواقعهم في السلم الاجتماعي. وأوضح أن ولاءه الأول والأخير، هو لأمريكا وحدها، دون غيرها. وأن سياسته في الأربع سنوات القادمة ستكون تتويجا لهذا التوجه.
حل الخطاب نبرة انعزالية، حيث أشار إلى أن مهمته هي الدفاع عن حدود بلاده، وليس عن حدود الآخرين. وكان قد أشار أثناء حملته الانتخابية أن حلف الناتو بات من الماضي. وقد وجد المراقبون في هذه التصريحات إشارة واضحة إلى نوع جديد من العلاقة الأمريكية مع أوروبا.
لكنه من جهة أخرى، وعد بأن تستعيد أمريكا هيبتها وقوتها، كقائدة للعالم أجمع. وقد تساءل كثير من السياسيين، كيف يستقيم وعد الرئيس ترامب، للأمريكيين بأن يركز فقط على بناء أمريكا من الداخل، ولا يهتم بالدفاع عن حلفاء أمريكا، مع قيادة أمريكا للعالم، بما يفرضه ذلك من سياسات دولية نشطة، تتناقض مع سياسة الانكفاء على الذات.
بالتأكيد من حق الأمريكيين، أن يختاروا النهج الذي يناسبهم، وليس لأحد حق التدخل في شؤونهم الداخلية. وقد قال الأمريكيون كلمتهم في انتخابات حرة نزيهة، كسبها ترمب، رغم اللغط الشديد الذي ساد طريقة أدائه أثناء الحملة الانتخابية، ورغم تشكيك الكثير في برنامجه الرئاسي. ويقر الجميع أن المنافسة كانت حادة وشرسة، أمام شخصية تمتلك الكاريزما والخبرة السياسية، هي السيدة كلينتون… لكنه رغم كل ذلك بات في النهاية رئيسا للولايات المتحدة.
ما يهمنا في هذه القراءة، هي السياسة التي سيعتمدها ترامب تجاه الخارج، وتحديدا تجاه منطقتنا، وقضايانا المصيرية. وبالنسبة لنا طبيعة العلاقة التي ستربطنا ببلاده، خلال رئاسته. ذلك أن العلاقة التي تربط بين السعودية ودول الخليج العربي، التي توصف دائما بالاستراتيجية، لم تكن دائما عسلا.
فقد شهدت هذه العلاقة رياحا وعواصف، وافتراقا حادا في المواقف، وبشكل خاص فيما يتعلق بالموقف من القضية الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وفي محطات هذا الصراع، وقفت الإدارات المتعاقبة للولايات المتحدة باستمرار، ضد الحق الفلسطيني، ووقفنا نحن مع الأشقاء الفلسطينيين، نساند قضيتهم العادلة، ونقدم لهم مختلف أشكال الدعم.
وفي حالات المواجهة واحتدام الصراع مع الصهاينة، كما في حرب يونيو عام 1967م، وحرب أكتوبر عام 1973م، بلغ الخلاف حد التهديد بالقطيعة السياسية، ومنع تصدير النفط، وهو أمر تحقق بنسب متفاوتة، أثناء حروب عديدة، فرضت على العرب مع الكيان الصهيوني، دفاعا عن أرضهم وكرامتهم واستقلالهم.
واقع الحال، أن العلاقة مع أمريكا، قد شابها كثير من الشك، منذ حوادث 11 سبتمبر عام 2001م، حيث وجهت اتهامات أمريكية عديدة لبلادنا بدعم المتطرفين، بذريعة أن عددا من الذين نفذوا الهجمات الانتحارية هم من أبناء المملكة. وبدأنا نلحظ تدخلا في شؤون بلادنا الداخلية، تحت ذريعة الحرب على الإرهاب تارة، والدفاع عن حقوق الإنسان تارة أخرى. وقد بلغ التصعيد ضد بلادنا قمته بصدور مشروع جاستا، الذي يجيز لعوائل الضحايا والمتضررين من حوادث سبتمبر مقاضات مسؤولين من بلادنا.
نبتغي من إدارة ترامب طي صفحة الماضي، وفتح صفحة جديدة من العلاقات من المملكة ودول الخليج، والبلدان العربية، قائمة على عدم الندية والمساواة والتكافؤ وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وفي هذا السياق، ينبغي التأكيد على أن العلاقة الاستراتيجية التي شيدت بين المملكة وأمريكا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لم يكن المستفيد منها طرف واحد فقط. لقد كانت علاقة مبنية على الاعتراف بثنائية المصالح، والأمل أن تسهم هذه العلاقة، في الحفاظ على الأمن والسلم الدولي، وأن تكون في سياق مبادئ الأمم المتحدة، وحق الأمم في تقرير المصير.
نبتغي من الرئيس الجديد، أن يفي بوعده في مكافحة الإرهاب، الآفة التي حصدت مئات الآلاف من أبناء الأمة العربية والعالم الإسلامي، وكنا ولا نزال الأكثر تضررا من هذه الآفة. نتطلع أيضا أن تلغي إدارة ترامب قانون جاستا، لأنه قانون جائر، ويشكل إسفينا في العلاقة التاريخية بين بلادنا وبلاده. وأن نركز على نقاط التقاطع في السياستين السعودية والأمريكية، وهي كثيرة، بما بخدم المصالح المشتركة للبلدين.
وأخيرا، نتطلع بصدق أن يتخلى ترامب عن وعوده بنقل السفارة الأمريكية للقدس الشريف، نظرا لما يمثله ذلك من تحد صارخ للقانون الدولي ولمبادئ وقرارات الأمم المتحدة، وبشكل خاص القرار رقم 2334 الذي يرفض بناء المستوطنات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأيضا بسبب المكانة المقدسة للقدس، وقوة حضورها في الوجدان الديني الإسلامي والمسيحي.
نأمل أن تشهد الأيام القادمة، من عهد الرئيس ترامب حقبة تقارب أمريكية جديدة مع منطقتنا، وأن يسهم ذلك في إطفاء الحرائق وعودة الأمن والاستقرار للبلدان العربية، وأن يقرب الفلسطينيين من حلمهم في الدولة المستقلة، اتساقا مع مبادئ الشرعية الدولية الكافلة للاستقلال وحق تقرير المصير.