ماذا يحمل لنا العام الجديد؟

0 417

 

 

عام مضى، وكان كما سوابقه السبعة، عاماً قاسياً وكئيباً، وكانت خواتيمه استعادة لروح وعد بلفور، وعد من لا يملك لمن لا يستحق، والهدف هذه المرة، هو وضع قدس الأقداس في قائمة المصروفات. لكن بقعة ضوء تفرض حضورها، رغم عتمة الليل وطوله، يجسدها نضال الشعب الفلسطيني، الأعزل إلاّ من إيمانه بحتمية انتصاره، وهو يتصدى للاحتلال بصدوره العارية.

 

ماذا يحمل لنا العام الجديد؟ والإجابة على السؤال، لكي تكون صحيحة، ودقيقة، فينبغي أن تنطلق من أن التاريخ، هو سلسلة ممتدة، والعام الجديد، ليس معزولاً بأي شكل من الأشكال، عن سابقه، لكن استمراريته، ليست بالضرورة أن تكون تراتبية، وبالإيقاع نفسه، الذي حدث في العام الماضي، أو ما سبقه من أعوام عجاف.

حملت نهاية العام الماضي، تغيرات دراماتيكية في المشهد السياسي. أولى هذه المتغيرات، هي هزيمة تنظيم «داعش» في العراق وسوريا وهروب قياداته منهما، والخشية الدولية، من انتقال هذا التنظيم إلى مناطق جديدة، من بلدان العالم.

الأمر الآخر، هو قرار ترامب بنقل عاصمة بلاده في «إسرائيل»، لمدينة القدس، وهو أمر اعتبر خروجاً على قرارات ومبادئ الأمم المتحدة، التي تؤكد عدم جواز العبث أو المساس بالأراضي الواقعة تحت الاحتلال. والتي أكدت أن القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، هي أراض محتلة، من حق الشعب الفلسطيني، وفقاً للقانون الدولي، العمل على استرجاعها بكل الوسائل.

كما شهد العام المنصرم، سيطرة الحكومة السورية، على معظم الأراضي، التي فقدتها وتعزز التحالف بين روسيا الاتحادية والدولة السورية، واحتدام صراع الإرادات والتنافس بين روسيا بوتين، والولايات المتحدة لتوسيع مناطق نفوذهما في المنطقة العربية، والجوار الإقليمي. فهناك تنافس محموم بين القوتين، على العراق وسوريا وتركيا ومصر والسودان والجزائر. وسوف يستمر التنافس، بحدة أكثر هذا العام، ويبلغ مديات أعمق وأوسع.

ولعل إدراك إدارة ترامب، لهذه الحقيقة، هو ما جعل استراتيجيته التي أعلنت بالشهر الماضي، تتركز، على ثلاثة عناصر، التنبه للطموحات الروسية والصينية، واعتبارهما أخطر منافسين رئيسيين للولايات المتحدة في العالم. والتعامل مع الدول، التي هي من وجهة نظر الإدارة الأمريكية، أنظمة مارقة مثل كوريا الشمالية وإيران، أما العنصر الأخير في هذه الاستراتيجية فهو ما قال إنه الاستمرار في محاربة الإرهاب.

شهد العام الماضي أيضاً، توافقاً إقليمياً بين إيران وتركيا، عماده رؤيتهما المشتركة، لمخاطر قيام كيانات كردية مستقلة، في العراق وسوريا. وقد حقق هذا التوافق نجاحاً ملحوظاً في تعطيل نتائج الاستفتاء الكردي في شمال العراق، على الانفصال عن الوطن الأم، كما أسهم في اتخاذ تركيا خطوات عملية في مواجهة القوات الكردية في سوريا، وأيضاً في اتفاق إيران وتركيا وروسيا، على الحل السياسي للأزمة السورية، واعتبار الثلاثة، الضامنين لهذا الحل.

لكن الأيام الأخيرة، شهدت تبدلاً واضحاً في السياسة التركية، حيث نحت نحو تشكيل تحالف ثلاثي، ضم السودان وقطر، معها في جبهة واحدة، يخشى أن تكون موجهة هذه المرة ضد مصر.

هناك خشية حقيقية هذا العام، على أمن مصر. فهناك إرهاب يتسلل عبر الأراضي الليبية، وآخر، يأتي من الشمال، إلى شبه جزيرة سيناء. وقد حدثت استهدافات إرهابية لمساجد وكنائس في عدد من المدن المصرية. وهناك خطر تهديد أمنها المائي، ما لم تتم توافقات بين الحبشة والحكومة المصرية، تضمن للأخيرة استمرار تدفق حصتها من مياه نهر النيل.

وعلى الصعيد الفلسطيني، يتوقع تصاعد الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، وأخذها مسارات أكثر عنفاً، بما يمكن أن يؤدي إلى مواجهة فلسطينية «إسرائيلية» كبيرة مع قطاع غزة. ولن يكون بمقدور أحد التحكم في خيارات الشعب الفلسطيني، إلاّ إذا أقدمت إدارة ترامب، على التراجع عن قرار نقل سفارتها إلى المدينة المقدسة. ويظل احتمال إلغاء اتفاقية أوسلو قائما، إذا ما استمر الضغط الشعبي الفلسطيني، خاصة أن «الإسرائيليين»، قد ضربوا بها عرض الحائط منذ زمن طويل.

إن استمرار الانتفاضة، سيعزز دور المنظمات الرافضة للتسوية، كحماس والجهاد والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ويمنحها زخماً جديداً، في حين يتراجع دور حركة فتح، إلاّ في حالة تبنيها تكتيكات جديدة، مماثلة لتلك التي تبناها الزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، بعد اندلاعة انتفاضة الأقصى، حيث زج بتنظيم فتح في أتون تلك الانتفاضة.

وأخيراً وليس آخراً، لا بد من التعرض إلى المظاهرات التي شهدتها المدن الإيرانية، في الأيام الأخيرة، وهي مظاهرات تشير إلى تصاعد الرفض لسياسات الحكومة. لكن الشعارات التي رفعت في هذه المظاهرات هي ذاتها الشعارات التي رفعتها الحركة الإصلاحية، في الأيام الأولى، للدورة الانتخابية الثانية للرئيس أحمدي نجاد.

وفي يقيني، فإن هذه المظاهرات ليست معزولة عن الواقع الإقليمي والدولي، رغم وجود عوامل احتقان قوية في الداخل. ولهذا السبب بالذات، ليس من المتوقع أن تستمر هذه الهبّة كي تحقق أهدافها في تغيير النظام.

إن الواقع الدولي الراهن، لا يسمح مطلقاً بالعبث باستقرار إيران، رغم لغة التصريحات العدائية العالية من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فإيران تبقى طريق الحرير، والمنطقة العازلة بين الدب القطبي، والمياه الدافئة. وتاريخياً، لم يكن مسموحاً من قبل القوى الكبرى، شرقاً وغرباً، العبث باستقرار هذه البلاد. وربما لن تتعدى «قرصة أذن».

هناك ملفات عديدة أخرى، ذات علاقة بالمتغيرات في السياسة الدولية هذا العام، ستكون موضوع حديثنا القادم بإذن الله.

yousifsite2020@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

اثنان × 5 =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي