ماذا يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟

0 200

أحداث الفوضى والانهيارات التي تشهدها الأراضي المحتلة، في الضفة الغربية وقطاع غزة، تبعث على الأسى والحزن، وتثير في النفس شجونا ومرارات. ويزيد من حالة الإحباط واليأس، أن الشعب العربي بأسره، ينظر بشكل استثنائي لقضية فلسطين، ويتعامل، وجدانيا، مع شعبه على أنه طليعة الأمة في التصدي لمشاريع الهيمنة الصهيونية والاستعمارية بحق العرب جميعا. ولذلك لم يكن غريبا، أن تحمل الأدبيات السياسية العربية، منذ النكبة الفلسطينية عام 1948 وحتى يومنا هذا تعبير قضية العرب المركزية، رغم ثقل القضايا التي تنوء بها جميع الأقطار العربية منفردة، وصعوبة إيجاد حلول لها، في ظل واقع التشرذم الراهن.

 

نعم إن ما يحدث الآن في غزة والضفة الغربية، قد شكل خنجرا مسموما طعن آمالنا وأحلامنا، نحن الذين هتفنا وصفقنا كثيرا، للانتفاضة الفلسطينية الباسلة، وانحنينا إجلالا وإكبارا للشهداء والمجاهدين الذين سقطوا دفاعا عن الكرامة والإباء العربي.. نحن الذين حفر في ذاكرتنا أسماء من قافلة طويلة ستبقى، بإذن الله، خالدة في سجل المآثر العربية، باعتبارها رموزا للنبل والشهامة والشجاعة والتضحية… نحن الذين اعتبرنا كفاح الشعب الفلسطيني فصلا جديدا، ومدخلا رئيسيا للولوج في مرحلة جديدة من مراحل النهوض العربي.

 

لذلك يصبح مهما، ولزاما علينا، والفتنة قد طفت على السطح، وأصبحت حديث الجميع، أن نحاول قدر ما يتيحه ما هو متوفر من معلومات أن نفهم ما يحدث، عل في ذلك ما يعيد للنفس بعض من أمانها المفقود. ولعل طرح السؤال عمن هو المستفيد من الأحداث التي تجري الآن في المناطق المحتلة هو المدخل الصحيح لتفكيك الحوادث وفهم الدوافع والأسباب التي أدت إليها.

 

ومن المؤكد، أن الجواب البديهي والمنطقي لن يكون إلا توجيه إصبع الاتهام للكيان الصهيوني، فهو وحده المستفيد من تمزيق وحدة الشعب الفلسطيني، وحرف معركته عن مواجهة الاحتلال إلى الاحتراب الداخلي. لكن ذلك سيطرح علينا أسئلة أخرى، ربما تكون أكثر أهمية وتعقيدا من سابقها، هي لماذا إذن يختار العدو هذا الوقت بالذات لتفجير الأزمة؟ وأهم من ذلك بكثير، لماذا نجح الكيان الصهيوني في مخططه؟ وهل أن غياب التسليم بمطلب الإصلاح الإداري والسياسي، للسلطة الفلسطينية، الذي يطرح الآن بحدة في الأراضي المحتلة هو أحد الأسباب الحقيقية للأزمة الحالية. هذه الأسئلة، وأسئلة أخرى، تبدو الإجابة عليها مهمة للإحاطة والوعي بما يجري على مسرح الحدث في هذه اللحظة.

 

فيما يتعلق بأسباب اختيار هذه اللحظة من قبل الكيان الصهيوني، فيمكن أن نسوق فرضيتين لهذا الاختيار. الأولى، هي القرار الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بعدم مشروعية الجدار العازل الذي أقامه الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد جرى تعضيد القرار بقرار الأمم المؤيد لرأي محكمة العدل. ولا شك أن صدور القرار في هذه اللحظة سوف يمنح السلطة الفلسطينية هامشا أكبر للمناورة، ويوسع دائرة الحركة ويحقق لها استقطابا أكبر على الصعيد الدولي، من أجل تحقيق أهدافها المرحلية في إقامة الدولة الفلسطينية على أراضي الضفة والقطاع. ولن يجادل أحد في أن ما يحدث الآن، قد أضر كثيرا بالقضية الفلسطينية، وغيب على الفلسطينيين نصرهم السياسي الأممي. وإذا ما استمرت الأوضاع المتدهورة على ما هي عليه، فسوف تضيع آثار هذا المكسب، ولن يتمكن الفلسطينيون من تحقيق خطوة واحدة، من أجل استثمار نتائجه.

 

الفرضية الثانية، ولعل وزنها أكبر كثيرا من الأولى، هي أن شارون قد أعلن عزمه على الانسحاب من قطاع غزة من جانب واحد. ومن حقنا هنا أن نضع خطا غليظا على كلمة جانب واحد. ذلك أن ما يجري من اتصالات، وما يعلن من تصريحات على لسان بعض المسئولين الصهاينة والفلسطينيين، وحتى بعض الزعماء العرب، وقادة دول أوروبا يقول بغير ذلك. فهناك تحركات سرية وعلنية من أجل التنسيق ليس فقط بين الفلسطينيين والإسرائيليين على موضوع الانسحاب، ولكن أيضا مع الإدارة الأمريكية وبعض الأنظمة العربية، وفي مقدمتها القيادة السياسية المصرية. وذلك يعني أن الطرح الصهيوني، في موضوع الانسحاب من جانب واحد، ليس دقيقا البتة، بل عكس ذلك هو الصحيح، ما دامت الاتصالات قائمة على قدم وساق، وما دامت التصريحات الأمريكية تتكرر، مؤكدة على أن هذا الانسحاب سوف يتم في إطار خارطة الطريق، وأنه خطوة راسخة على طريق التوصل إلى الحل الشامل لقضية الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

 

لكن ذلك بدوره يطرح سؤالا ملحا آخر، عن علاقة قرار شارون بالانسحاب بما يجري الآن من تدهور للأوضاع. وهنا في محاولة الإجابة تبرز الخارطة السياسية للقوى الفلسطينية في القطاع. وقد لا نأت بجديد، بالنسبة للقارئ، حين نشير إلى القوتين الرئيستين في القطاع هما حركة التحرير الفلسطيني (فتح)، بحكم قدمها وثقلها في حركة المقاومة الفلسطينية، وهيمنتها على منظمة التحرير الفلسطينية، وأخيرا إدارتها، بموجب اتفاقية أوسلو مع الإسرائيليين، للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. أما القوة الثانية، فهي حركة المقاومة الإسلامية، حماس، التي أسسها الشهيد الشيخ أحمد ياسين، ويتعاطف مع خطها الجهادي حركة الجهاد.

 

وتقتضي الدقة الإشارة إلى حضور فلسطيني نسيبي ملحوظ، للجبهتين الشعبية والديمقراطية، ولبعض التنظيمات والأحزاب الفلسطينية الأخرى. وباستثناء حركة فتح، وملحقاتها في السلطة وكتائب الأقصى، فإن معظم الحركات الفلسطينية تتبنى خطا معارضا لاتفاقية أوسلو، وتعارض السلطة الفلسطينية في سعيها الحثيث للتوصل إلى حل سلمي مع إسرائيل، متهمة إياها بالتفريط في حقوق الفلسطينيين، وبخاصة فيما يتعلق بقضية القدس وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، من الشتات، إلى ديارهم.

 

ومن جهة أخرى، فإن حركة فتح ذاتها تمور بصراعات داخلية، بعضها ناتج عن رؤى مختلفة حول الصيغة التي ينبغي التعامل بها مع الكيان الصهيوني، وبعضها الآخر، ناتج عن صراع مصالح ومراكز، وهو ناموس طبيعي لن تشذ عنه المجموعات الفلسطينية، مهما بلغت من المثاليات. وفي ما يتعلق بالخلاف حول العلاقة مع إسرائيل، فمن الواضح أن خط الرئيس عرفات، بالمقارنة مع نهج أبو علاء، المتحمس للتوصل إلى صيغة اتفاق مع إسرائيل، يعتبر متشددا. وكان ذلك واضحا منذ أيام مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، وخلال المفاوضات السرية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولعل ذلك كان السبب في فرض الإقامة الجبرية على الرئيس الفلسطيني خلال العامين المنصرمين، من قبل إسرائيل، والتعاطف الأمريكي مع هذا القرار. كما أنه يفسر الحماس الأمريكي، تحت يافطة الإصلاح، لتعيين “أبو مازن” رئيسا للوزراء، والإلحاح على تقليص صلاحيات عرفات فيما يتعلق بالأمن والمال، ومن ثم الرضا الأمريكي والإسرائيلي بتعيين “أبو علاء” رئيسا للحكومة بعد استقالة “أبو مازن”.

 

ومن الواضح أن هذه الخلافات قد شطرت العناصر المنتمية إلى مجموعات يتخندق كل منها في أحد الخنادق تبعا لقناعاته ولمصالحه. ومن غير شك، أن الوصول إلى السلطة قد تسبب في وجود مراكز قوى، لكل منها أتباعه ومواقعه. وأمام غياب المؤسسات وانعدام أجهزة المحاسبة، وضعف السلطة الفلسطينية نتيجة للضربات الماحقة التي وجهتها لها حكومة شارون خلال العامين المنصرمين، فقد أصبحت الساحة مهيأة لمثل هذه الأحداث. وليس من شك في أن مطلب الإصلاح السياسي والإداري الذي يرفع الآن، والذي تحول إلى شعار بين المتنافسين، هو حق يراد به باطل، ذلك أن معظم الأطراف المتصارعة متمرغة حتى أخمص قدميها في الصفقات غير الشرعية وعمليات الفساد التي حدثت في السلطة، حيث كانت ضالعة ومشاركة فيها منذ البداية وحتى هذا التاريخ. وبالتأكيد فإن ذلك يضفي شكوك كبيرة حول رفع هذا الشعار.

 

يبدو من هذه المقدمة أن الهدف الإسرائيلي الرئيس من تفجير الأزمة الآن هو إغراق قطاع غزة في الفوضى، وخلق واقع جديد، يفرض على العرب، والمصريين بشكل خاص، المشاركة بقوات في القطاع لمطاردة المقاومة الفلسطينية، وضمان إبعاد القوى المناوئة للتسوية مع الإسرائيليين، بشروط الأخيرة، طبعا. وتسليم السلطة للعناصر التي تتماهى مع المشروع الصهيوني الأمريكي، وتطبيق خارطة الطريق بالتفاسير والرؤى الصهيونية. وقد طالب شارون، وهو الذي رفض وجود أي قوة دولية أو عربية خلال الثلاث سنوات الماضية، لحماية الفلسطينيين، أن تأتي قوات عربية الآن لتأمين الحدود مع إسرائيل. يبدو أن شارون يعمل الآن على إيصال أوضاع الصراع بين الفلسطينيين إلى حالة يكون القادة العرب مضطرين فيها للتدخل للفصل بين المتصارعين، تحت شعار حماية الوحدة الفلسطينية وحقن الدماء العربية، ويتحقق لشارون ما كان يريده.

 

فهل سنكون يقظين وواعين جميعا، عربا وفلسطينيين، لهذا المخطط، فيسارع الفلسطينيون، قبل فوات الأوان، إلى إيجاد حل للصراع بينهم، ويفوتون الفرصة على مشروع شارون؟، وهل سيتجنب القادة العرب السقوط في حبائل شارون، وينصاعون لرغبته في إرسال شرطة لملاحقة إخوتهم المقاومين الفلسطينيين. تلك أسئلة في حكم الغيب، وستجيب عليها التطورات التي تحدث على الأرض خلال الأيام القريبة القادمة.

 

—–—–—–—–—–—–

 

yousifsite2020@gmail.com

 

 

د. يوسف مكي

تاريخ الماده:- 2004-07-28

التعليقات

 

2020-06–1 1-:04

حنان من الجزائر

أرجوكم أريدمراحل كفاح الشعب الفلسطيني

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

خمسة − أربعة =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي