لن يعاد للأوطان اعتبارها إلا إذا أعيد للإنسان
مع إطلالة العام الميلادي الجديد يبدو المشهد العربي كثيبا ومحزنا يعيد إلى الذاكرة ما كنا نقرأه في كتب التاريخ عن حالة التشظي والتمزق والضياع التي عاشتها الأمة العربية إثر تراجع الدور القيادي للعرب في الحضارة الإنسانية وتداعي الخلافة العباسبة. صراع قبائل وعشائر، وعساكر يتطاولون على الدولة وهدر لحقوق الناس، وعبيد يشترون من سوق النخاسة لينصبوا، في ظاهرة فريدة من نوعها، حكاما هنا وهناك، وبقايا من أسر حاكمة تتطاحن على الملك في هذه القرية أو تلك، فتبرز مماليك حمدانية وسلجوقية ومملوكية.. والقائمة طويلة، وكان احتلال عاصمة الرشيد “بغداد” من قبل هولاكو ودخول التتار هذه المدينة وإغراق دجلة بكتبها وإبداعاتها هو التجسيد العملي لحالة الإنهيار، وسيادة عهود والظلام التي استمرت قرابة تسعمائة عام.
الآن يتكرر المشهد، ولكن بشكل سيريالي, وأفقي وأوسع، يشمل معظم حواضر الوطن العربي وقراه وأريافه. حالة استسلام أمام غطرسة وهيمنة القوة، وعجز شامل، رسمي وغير رسمي عن الفعل تستعصي على الفهم، باستثناء وميض باهت لمقاومة فلسطينية وغضب شعبي مقهور هنا وهناك.
ولعل أكبر تجسيد للعجز العربي الرسمي عن الفعل، هو تجرأ بعض المسؤولين العرب، بالإعلان ليس عن افتقارهم للقوة فحسب بل ولكل أوراق الضغط السياسية والإقتصادية على الولايات المتحدة الأمريكية وعدم قدرتهم على منعها من العدوان على أشقائهم العرب، والإعلان جهارا وفي وضح الشمس عن افتقادهم للإرادة واستجابتهم، دون احتجاج، لإملاءات الأجنبي، باعتبار ذلك شكلا جديدا من أشكال الوطنية والشفافية والديموقراطية ومصارحة الشعب بالحقائق”، فلا الأهل أهل ولا الأحباب أحباب!
ولم يكن ذلك ممكنا إلا في هذا الزمن الذي أصبح فيه المنطق معوجا ومقلوبا. فمن كان سيتصور مثلا أن عربيا واحدا سيتجرأ في يوم من الأيام على طرح السؤال حول جدوى مقاومة المحتل أو التشكيك في الدور البطولي للمقاومة الفلسطينية؟ ومن كان سيصدق أن دماء الشهداء الفلسطينيين ستتحول إلى أوراق فوق طاولة المفاوضات تجري المساومات عليها، والمعروض مقابل ذلك في الأسواق أقل من الثمن البخس؟ ومن كان سيملك القدرة على التخيل أن الأرض العربية ستعتبر أرضا مباحة تعربد فيها الطائرات الأمريكية للإعتداء على أهلنا وأشقائنا.. في القرى والمدن العراقية، ولمقاومة ما يدعى “بالأرهاب” على أرضنا. ومن كان سيعتقد ׀ي يوم من الأيام أن الزعماء العرب سيعتبرون رفض الإحتلال الإسرائيلي ومقاومته، والدفاع عن الأرض والشرف والعرض والكرامة والمطالبة بتطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بذلك، خرافة وشيئا من الماضي “المقيت”؟.
وإذا كان العجز العربي أمام عطرسة القوة الأمريكية يمكن أن يجد له ما يبرره أمام صمت القوى الكبرى وتواطأها، وهو عجز غير مقبول على كل حال، فإن الأمر المستغرب أنه في في ظل التحيز الأمريكي الفاضح للكيان الصهيوني والإعلان الصريح عن عزم الإدارة الأمريكية على احتلال العراق والنوايا العدوانية المكشوفة للولايات المتحدة بحق عديد من الأقطار العربية، فإن معظم الحكام العرب يعيدون، دون ملل أو سأم تكرار اسطوانتهم المشروخة أن علاقاتات بلدانهم مع الإدارة الأمريكية هي علاقة استراتيجية وراسخة لا تهزها الرياح، ويقابلون باللامبالاة والتجاهل إعلان إدارة الرئيس جورج بوش والمسؤولين التابعين لمؤسسته أن الديموقراطية لن تستقيم في هذا الجزء من العالم ما لم يتم إسقاط الأنظمة العربية الغارقة في تخلفها وجهلها والداعمة للإرهاب، بعد أن اكتشفت هذه الإدارة مؤخرا أن تلك الأنظمة العربية استبدادية وليست ديموقراطية ولا تلتزم بحقوق الإنسان. ليس ذلك فحسب، بل وتنشر الإستخبارات الأمريكية مخططات ودراسات وبرامج لإعادة تشكيل الخريطة السياسية للوطن العربي، بشكل دراماتيكي لم تشهده المنطقة منذ الأيام الأخيرة للحرب العالمية الأولى حين وقعت اتفاقية سايكس بيكو التي جرى بموجبها تقسيم الوطن العربي حصصا بين البريطانيين والفرنسيين.
وللأسف فقد غدا الإستسلام والتحيز والإعتراف باغتصاب الكيان الصهيوني لأرض فلسطين من قبل الحكام العرب فضائل تحسب لهم، وتعتبر بوصلة لمستوى تمسكهم بالديموقراطية والتزامهم بالشفافية وحقوق الإنسان، ويثابون عليها من قبل العم سام بتوصيفات لا تدخل في معجم أو منطق. ولعل في تصريحات وزير الخارجية الأمريكية مؤخرا التي حدد فيها من هي الدول الديموقراطية في الوطن العربي ما يغني عن أي قول في هذا المجال.
استمع إلى نشرة أخبار واحدة فقط من إحدى الفضائيات العربية لتكشف حالة الإنهيار الذي تعيشه الأمة: مجازر في الجزائر، قتل لأطفال في فلسطين، مصادرة أراض وهدم لبيوت ثمانية من المقاومين الفلسطينيين، طائرات الأباتشي تقصف غزة، اغتيالات في اليمن، هجوم بالطائرات على ما يعرف بمناطق الحظر الجوي في شمال العراق وجنوبه، أطفال عراقيون يموتون من الجوع بسبب الحصار الذي استمر أكثر من 12 عاما، سقوط عبارة أو حافلة في مصر، احتراق سجن بالمغرب، حرب في جنوب السودان، اعتقال مناضل تجرأ على ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية في بلد عربي، متنكرا لكرامات الرئيس، رفع الستار عن جدارية للقائد، قمع للحريات في كل مكان.. شعارات قطرية وانعزالية جديدة ترفع: القطر الفلاني أولا، والقطر الثاني أولا، وبلاد الواق واق أولا.. إغلاق فضائتين لبنانيتن، منع صحف عن الصدور، حل حزب معارض تجرأ على المطالبة بالإصلاح، ورفض التصفيق للزعيم.. عودة المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين.. الدرع الواقي.. الطريق الوافي.. عودة المبعوث الأمريكي للسلام. السلطة الوطنية تدين العمليات الإستشهادية,. لجان التفتيش عن الأسلحة تستجوب عالم الكيمياء في العراق.. السوريون يخبؤون أسلحة العراق… تراجع أسعار الأسهم وإعلان لإفلاس الخزينة الخليجية وانهيار للإقتصاد اللبناني..
لكن من المؤكد جدا، أنك لن تسمع إدانة واحدة رسمية.. نعم واحدة فقط للإعتداءات اليومية الصهيونية والأمريكية المتكررة على وجودنا، ولن تجد بين الزعماء والمنتفعين من يسلم بحقنا في المطالبة في أن نكون بشرا أحرارا.. بل مجرد كوننا بشر!.
وتقوم الفضائيات العربية، بدور رائد في إضعاف مواريثنا وإرادتنا ومقاوماتنا، بعد أن أصبح مجرم الحرب إرييل شارون ونتنياهو وموفاز وبيريز وبقية العتاة الصهاينة يتناولون الطعام معنا، ويشاركوننا صالات جلوسنا وغرف نومنا.. حيث لا تكاد تسمع نشرة أخبار إلا وهناك صهيوني يقرأ ويحلل.. يشتم الجميع ويتهم العرب والمسلمين، والفلسطينيين منهم بشكل خاص، بالقسوة والتفنن في قتل النساء والأطفال والمدنيين الصهاينة.
ونحن لا نزال في الواقع المحلي، نعيش عقلية داحس والغبراء، حيث يتبارى الزعماء العرب الغيارى على وطنهم وكرامتهم باستدعاء هذا السفير أو ذاك من هذه العاصمة العربية أو تلك لأن خللا ما حدث في العلاقة مع أحد هذه العوصم، أو لأن فضائية أو صحيفة عربية تجرأت بالتعرض للأوضاع الداخلية في بلاده، وميثاقي التضامن العربي والأمن القومي الجماعي، قد دفنا إلى الأبد من برامجنا وتقاليدنا. أما التنمية الإجتماعية وبناء الإقتصاد ومناقشة قضايا الديون المستفحلة فمشاريع مؤجلة إلى حين تنتهي حروبنا المقدسة والطاحنة مع بعض.. وحين نأتي إلى الصحة والتعليم وحقوق الإنسان والتأمين الإجتماعي، فليس عليك سوى قراءة تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002 الصادر عن الأمم المتحدة ومؤسسة الإنماء العربي لتتعرف على حجم الكارثة التي تعيشها الأمة. وبالنسبة لحقوق الفرد، فإن الوطن العربي من البحر إلى البحر، كما يقول الشاعر النواب، سجون متلاصقة .. سجان يتبع سجان.
كيف لنا أن نخرج من هذا المشهد السيريالي القاتم؟!
سؤال ربما تبدو الإجابة عليه صعبة للغاية، ولا شك أن ما يحفظ لنا بقية من أمل هو إيماننا بأن للفعل الإنساني دوره الذي لا يستهان به. لكن المؤكد أيضا أن الأوطان لن يعاد لها الإعتبار إلا حين يعاد الإعتبار للإنسان..
نأمل أن يكون عامنا الجديد عاما لنصرة أطفال فلسطين والعراق..
نرجو أن يكون العام الجديد عاما للإرادة العربية وإعادة الإعتبار للإنسان,.
yousifsite2020@gmail.com
تاريخ الماده:- 2003-01-07
التعليق:
2000-00–0 0-:00
وحيد خيون من بريطانيا
لا تخلـُطي الأوراق َ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وحيد خيون
لا تخـْـلـُطِي الأوراقْ
كيفَ أكونُ عاشِقاً وكيفَ لا أشتاق ْ
كيفَ أكونُ بشـَراً
ومِثـْـلَ أيِّ نعْجَةٍ أُذبَحُ أو اُسَاقْ
كيفَ أكونُ سِلـْعَـة ً
تـُباعُ مِثـْـلَ التـَبْـغ ِ في الأسواقْ
كيفَ وكيفَ إنـّها أسْـئِـلـَة ٌ …
جوابُهاَ سَهْـلٌ ولكنّ السُؤالَ لا يُطاقْ
كيفَ أكونُ صورة ً تـُباعُ في الأسْـواقْ
كيفَ أكونُ صورة ًمطبوعة ً
على الجدارِ
والسِتارِ
والخِمارِ
والأسْوارِ
والدولارِ
والدينارِ والأطباقْ
كيفَ أكونُ نغمة ً تضرِبُها الطـُبُولُ والأبواقْ
كيفَ أكونُ عاجـِزاً حتى عن ِ التفكيرِ بالفِراقْ
لا تخلـُطي الأوراقَ يا حبيبَتي
لا تخلـُطوا الأوراقَ يا أحبابْ
فلمْ يَعُدْ يحمِلُ هذا الزَخـْمَ مِنْ أوراقِنا كِتابْ
ولمْ نعُدْ نعرِفُ ما أخطاؤُنا …
ولم يَعُدْ يُهـِمّـُنا الصَوابْ
ولم نعُدْ نحْتـَمِلُ الصِّـعابَ والعذابَ والإرْهابْ
ولم نعُدْ نحْتـَمِلُ النقدَ ولا العِتابْ
فيَالـَهُ عذابْ
كيفَ أكونُ صورة ً تُـلـْصَقُ بالأبوابْ
تحْمِلـُها الأسودُ والقرودُ والذئابُ والكِلابْ
يحْمِلـُها الصادِقُ والعاقِلُ والجاهِلُ والكذابْ
يحمِلـُها الرجالُ أو يحمِلـُها العِقالْ
يحمِلـُها النِعالُ أو يدوسُها النِعالْ
كيفَ أكونُ لـُعْبَة ً تلهو بها الأطفالْ
كيفَ أكونُ ذهَباً …
ولم أكـُنْ مُغـَيّـَباً في عالـَم ِ الرِّمالْ
ما لكَ يا غـَسِيـلـَنا وهذهِ الأشكالْ ؟
اعْتـَدْتَ يا غـَسِيلـَنا أنْ لا تجِفّ َ أبداً …
إلاّ على الحِبالْ
هل تعرِفينَ أينَ صارَ جوهرُ السّـُؤالْ ؟
لا تخلـُطي الأوراقْ
فلا مَجَالَ للهوى في هذهِ الأنفاقْ
قدْ فرّجَ اللهُ لنا
فما عرَفـْنا قدْ رَنا
والصدْرُ مِنـّـا ضاقْ
ما بينَ أشواقي أنا وهذهِ الأسْـواقْ
سِعْـرٌ كبيرٌ كلـّـُهُ حِبْرٌ على أوراقْ
كيفَ أكونُ عاشِقاً وكيفَ لا أشـْتاقْ
لا تخْـلـُطي الأوراقْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
20-5-2005 هولندا