لماذا يستهدف لبنان الآن؟!
وابتداء، لا بد من تشخيص الأطراف المتورطة، أو المورطة بشكل مباشر بالاحتراب الداخلي في لبنان الذي اتخذ طابع الحرب المكشوفة خلال الأسبوعين المنصرمين.
الحرب الآن تجري بين الجيش اللبناني، ومجموعة تطلق على نفسها فتح الإسلام، تتحصن في المخيمات الفلسطينية، وبخاصة تلك التي تتواجد في طرابلس والمعروفة بمخيم نهر البارد، وعين الحلوة والبداوي. الجيش اللبناني، إذاً طرف رئيسي في المواجهة الدامية.. وسجل هذا الجيش طيلة الفترة التي أعقبت استقلال لبنان، يؤكد التزامه الثابت والصارم بمواقف وطنية نزيهة، منحته حصانة أخلاقية، خلقت إجماعا وطنيا لبنانيا حوله. وكان لهذه الحصانة دورها في الحيلولة دون انخراطه في مجمل الحروب الأهلية التي جرت على أرض لبنان.
وفشلت محاولات جميع الأطراف المتصارعة في لبنان، من أجل إحكام السيطرة عليه في جر هذا الجيش إلى الوقوف في هذا الخندق أو ذاك… واختار باستمرار أن يقف على الحياد، مدافعا عن حرية لبنان وأمنه واستقلاله، واستقراره. وكوفئ هذا الجيش مرتين من شعب لبنان، وعين قائده رئيسا للجمهورية اعترافا وعرفانا بالدور الوطني لمؤسسته الحيوية.
جرى ذلك أول مرة بعد نهاية الحرب الأهلية الأولى، حيث عين فؤاد شهاب قائد الجيش رئيسا للجمهورية في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات. أما المرة الثانية، فكانت انتخاب الرئيس الحالي، إميل لحود رئيس أركان الجيش اللبناني لرئاسة الجمهورية بسبب موقفه الوطني، أثناء الاحتراب الداخلي، ونصرته للمقاومة الوطنية بالجنوب في مواجهة العدوان الصهيوني.
أما مجموعة فتح الإسلام، فقد أشرنا في الحديث السابق إلى أنها خرجت من رحم فتح الانتفاضة. لكن كيف حدث ذلك؟. إن الإجابة على هذا السؤال ستمكننا من فهم بعض ما يجري الآن على الساحة اللبنانية. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن فتح الانتفاضة التي انشقت عن المنظمة الأم، ووقفت ضد سياسة الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، كانت على علاقة استراتيجية بسوريا وليبيا. وأنها ساهمت مع بعض منظمات المقاومة الفلسطينية الأخرى، التي وقفت ضد مبادرات السلام، وبضمنها مبادرة السلام العربية، في طرد قوات فتح، ومنظمة التحرير الفلسطينية من المخيمات بالشمال اللبناني، في منطقة طرابلس، في البداوي ونهر البارد وعين الحلوة.
كان من نتائج ذلك عمليا نهاية الدور الذي لعبته مكاتب الكفاح المسلح، التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، في حفظ الأمن داخل المخيمات، وفقا لاتفاقية القاهرة الموقعة بين الفلسطينيين والحكومة اللبنانية عام 1968م، بوساطة مصرية، التي قضت بإجازة حمل السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، وأوكلت حفظ الأمن فيها لمنظمة التحرير الفلسطينية. ومنعتهم، من جهة أخرى من حمل السلاح خارج المخيمات. لقد استمر الفلسطينيون في حمل السلاح داخل المخيمات لكن دون إشراف أو مشاركة من منظمة التحرير الفلسطينية. وكانت منظمات “الصمود والتصدي” ممثلة في الجبهة الشعبية- القيادة العامة، وفتح الانتفاضة، والصاعقة، والجبهتين الشعبية والديموقراطية هي التي تدير عملية الإشراف على الأوضاع الأمنية في المخيمات. لكن ذلك لم يستمر طويلا. فمع انعدام التنسيق بين المنظمات الفلسطينية تراجع دور مكتب الكفاح المسلح، لكن الالتزام باتفاق القاهرة، من جانب الطرف اللبناني، بقي مستمرا على أية حال.
بقيت فتح الانتفاضة على علاقاتها الاستراتيجية مع سوريا وليبيا، لكن الدلائل أصبحت تشير إلى أن تراجع الدور الذي كانت تلعبه هذه المجموعة على الساحة الفلسطينية، خاصة بعد عودة بقية المنظمات الفلسطينية إلى منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأيضا باعتبارها المظلة التي تضم جميع منظمات المقاومة. وبتراجع الدور الذي تلعبه هذه المجموعة بهت التحالف بينها وبين حليفيها الاستراتيجيين في سوريا وليبيا، كما بهتت تحالفاتها في الدائرة الفلسطينية.
بعد إعصار الحادي عشر من سبتمبر، وإعلان الإدارة الأمريكية ما عرف بـ”الحرب على الإرهاب” تخلت ليبيا وسوريا نهائيا عن دعم هذه المجموعة. وقد شكل ذلك نكسة ماحقة بالنسبة لفتح الانتفاضة، حيث انقطع عنها المدد الاقتصادي والعسكري، ولم تعد قادرة على تلبية احتياجاتها اليومية، من رواتب ومعدات عسكرية واحتياجات أخرى، ضرورية. وأدى ذلك إلى انسحاب أعضاء كثر منها. وكانت تلك الأحداث مقدمات لانشطارات وانقسامات في صفوف المجموعة.
كانت بعض الأطراف اللبنانية ترصد هذه التطورات عن قرب، وقد رأت أن من مصلحتها مد الجسور مع بعض العناصر المنشقة عنها، تحسبا ليوم يمكنها فيه استثمار وجودها للاصطفاف إلى جانبها في أي صراع داخلي محتمل. ولم يكن تنظيم القاعدة، هو الآخر، بعيدا عن رصد هذه التطورات، وبدأت عناصره تشق طريقها بقوة نحو هذه المجموعة، وقد شجعها على ذلك محدودية الفعل لدى تنظيم جند الشام، وانكشاف عدد من قادته، إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق.
كان صدور القرار رقم 1559 عن مجلس الأمن الدولي، بعد اغتيال الحريري، والذي قضى بانسحاب القوات السورية من لبنان، وتجريد الميليشيات اللبنانية من أسلحتها وبسط سلطة الدولة اللبنانية على جميع أراضي لبنان هو نقطة الانتقال التي تم بعدها التشكيل الفعلي لمجموعة فتح الإسلام، بدعم من أطراف رئيسية في تحالف الموالاة، كمعادل سني مسلح لحزب الله، الذي يقف كطرف رئيسي إلى جانب المعارضة. وفي خضم الصراع حول تنفيذ قرار مجلس الأمن، حدثت الحرب الإسرائيلية اللبنانية، في صيف العام الماضي، وفشل مشروع الغزو الصهيوني.
كان من نتائج هذه الحرب تنامي الدور السياسي الذي يضطلع به حزب الله على الساحة اللبنانية، وهو دور لم يكن مريحا لكثير من القوى المتصارعة، وكان يمنح ثقلا قويا للمعارضة في صراعها مع الحكومة الحالية. وهكذا جاء تطور الحوادث في لبنان، ليمنح دورا أكبر لمجموعة فتح الإسلام، مدعوما من طرفي الموالاة وتنظيم القاعدة… مستغلين في ذلك حالة الفراغ الأمني في المخيمات الفلسطينية، وغياب مؤسسات منظمة التحرير شبه الكلي عنها، ونصوص اتفاقية القاهرة التي لا تجيز للجيش اللبناني الدخول في تلك المخيمات. وقد أعاد هذا التحالف، غير المباشر، وغير المقدس، إلى الذاكرة تحالف الإدارة الأمريكية مع المجاهدين الأفغان وحركة طالبان، لدحر الشيوعيين في أفغانستان وفرض أنظمة موالية للغرب.
وكما كان ذلك التحالف، يحمل في رحمه بذور انفجاره في أي لحظة، وهو ما حدث فعلا، فإن هذا التحالف كان يشي باحتمالات تفجره في أي لحظة، وبانقلاب السحر على الساحر.
كانت نذر هذا الانقلاب قد بدأت تفصح عن نفسها في مجموعة من محاولات الاغتيالات لرموز في تحالف الموالاة، بعضها فشل: مروان حمادة ومي شدياق وبعضها تمكن فيه الجناة من تحقيق جريمتهم كما حدث في اغتيال بيار الجميل وجبران تويني، التي لم تكشف نتائج التحقيق فيها حتى هذه اللحظة عن الفاعل الحقيقي… كانت مؤشرات الصراع بين الموالاة والمعارضة من اعتصامات وعصيان مدني وتخوين وتبادل للاتهامات تشي أيضا بأن صيفا قائظا ينتظر لبنان، مصحوبا ببراكين وأعاصير، وأن ما كان يجري ليس سوى مقدمات العاصفة… وأن القادم أخطر.
بقي علينا أن نجيب عن أسباب اختيار هذا الوقت بالذات لتفجير الأوضاع… علاقة ذلك بسياق التحليل الذي بدأناه في حديثنا السابق. علاقته بالانتخابات الرئاسية اللبنانية… علاقته بتطبيق قرار مجلس الأمن بالمحكمة الدولية… علاقته بمشروع توطين الفلسطينيين في لبنان… علاقته بتجريد المقاومتين اللبنانية والفلسطينية من أسلحتهما وفرض انكشاف سوريا ولبنان أمام احتمالات العدوان الإسرائيلي…. علاقته بخطة أولمرت بإعلان خارطة الدولة العبرية.. وأخيرا وليس آخرا، علاقته بهزيمة الأمريكيين في العراق، والمشاريع التي أصبحت حديث أجهزة الإعلام الأمريكية، عن احتمالات انسحاب سريع للجيش الأمريكي من العراق.. تلك مواضيع ملحة ينبغي قراءتها لفهم حقيقة ما يجري الآن في لبنان.. ستكون لنا محطات معها في أحاديث قادمة بإذن الله.
yousifsite2020@gmail.com
اضف تعليق
اسمك بريدك الالكتروني
تعليقك:
تعليقات
* تعليق #1 (ارسل بواسطة daniel)
www.yasour.com ilove you for ever lebanon
لماذا يستهدف لبنان الآن؟بعدما أصقط حزب الله العدو ؟؟ وما بعد كل هذا لماذا لا يفهمون ان لبنان …
لماذا لا يضعون أسلحت الضمار وينشغيلو بالمستقبل أن للحياة حق وأن الحياة وخيراتها حق وأنا أرجو أن لا يخربو علا حالهوم ?,,,؟وعلى الأخرين لبنان بلد الأستقرار والأمان أرجوكوم لا تخربو على أنفسكوم أدعو الله ان يسامحنا ويرضاعني وعنكوم
التوقيع
دانيال يوسف(المحترم)
* تعليق #2 (ارسل بواسطة د0محمد)
ان الشعب اللبناني العظيم المتفتح كيف يرضى على نفسه ان تتقاذفه عصابة جنبلاط والحريري والحكيم000فهؤلاء الثلاثة يعتقدون ان لبنان لاهاليهم ونسو الشعب كله ومن فوضهم ليتكلمو باسم شعب كامل كل واحد منهم لامم عصابة عشرة الاف شخص امام الكميرات 00نحن كشعب سوري نتفهم اكثر من اللبنانيين الموقف والدليل انه بعدما انهالو علينا شتائم ونسو دم شهدائنا بلبنان ووالدي واحد منهم فتحنا لهم بيوتنا وقلوبنا فنحن شعب واحد وندعو الله ان يصلح احوال اخواننا بلبنان وباقي الدول فالمثل يقول انا واخي ع ابن عمي وانا وابن عمي ع ابن الجيران وهم يعملون العكس انا وابناء عمي وابناء الجيران ع اخي 000وعجبي 00ومهما حاول بعض الشواذ ان يفعلو ويقولو فغصبا عنهم لن يستطيعو ابعاد الشعبين بحكم الجوار والقرابة والهم الواحد اقتصاديا وعسكريا وسياسيا انا من ام لبنانية كيف اتخلى عن اخوالي وخالاتي واحبابي هل من مجيب 00باسمي وباسم كل من حولي نرفع القبعة 0شابو)لكل الشعب اللبناني تقديرا واحتراما والسلام
* تعليق #3 (ارسل بواسطة حبيب لبنان)
انا عراقي عشت في لبنان وحبيتها اكثر من بلدي حرام يا اصحاب الكراسي والمصالح اين ما كنت حرام شعب لبنان العضيم لا يستحق منكم هكذا خلو الشعب يحكم نفسه وسوف ترون لبنان شو هو لبنان العظيم لبنان الخير والامان حراااااااااااااااااام كل الساسه لبنان اولا واخيرا
* تعليق #4 (ارسل بواسطة حبيب لبناk)
تبا لسعد و14 اذار تبا لجمبلاط تبا لسمير تبا لعون تبا تبا لكل من يريد للبنان الشر لبنان العز للبنان الخير للبنان الامان انا في بلادي لم اشعر بلامان ولكن شعرت وامنة في بيروت الحبيبه تسقط كل الكراسي والروس وتبقى بيروت اه اه اه بيروت كم من حاقد يريد بيك الموت ولكن انت باقيه وهم مواتى لكل الساسه والقاده والمتباكين على لبنان الخير ارحو ودعو بيروت هي تحكم نفسها وسوف ترون ماهي بيروت بيروت العرب والعالم وسوف ترون ايه الحاقدون على بيروت حراااااااااااااااااام حراااااااااااااام حرااااااااااااام بيروت بيروت الشرف وانتم ايه الساسه والقاده بدون شرف الشرف لبيروت