لا بديل عن الحوار لصيانة الوحدة الفلسطينية
ليس هناك ما هو أسوأ، أخلاقيا ووطنيا، من بقاء الاحتلال الإسرائيلي جاثما على صدور أبناء قطاع غزة والضفة الغربية، سوى الاحتراب بين الفلسطينيين أنفسهم. فهذا الاحتراب إضافة لكونه بوابة رئيسية لخلق الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، وأيضا لسيادة حالة من التفتت والتشظي، فإنه لا شك سيكون من الأسباب الرئيسية، لتوجيه الصراع الفلسطيني بعيدا عن أهدافه وغاياته، مسهما في إضعاف المقاومة الوطنية للاحتلال الصهيوني، وإطالة أمده,
وليس من هدف هذا الحديث الوقوف إلى جانب طرف من أطراف الصراع الفلسطيني، واتخاذ موقف نصرة لهذا الفريق أو ذاك. لكن الذي لا شك فيه أنه مهما اختلفت الاجتهادات والرؤى، فإن ذلك لا يمكن أن يبرر اللجوء إلى العنف والاقتتال من قبل أي فريق. وقد ثبت خلال العقود التي مضت من عمر الكفاح الفلسطيني، أن قوة المقاومة، بشقيها العسكري والسياسي، كانت دائما في الحفاظ على الوحدة الفلسطينية، واستخدام لغة الحوار لحسم الخلافات، بدلا من البندقية.
إن الصراع بين الفلسطينيين يدور الآن بين رئيس السلطة الفلسطينية، السيد أبو مازن، وبين الحكومة التي يرأسها إسماعيل هنية، وتقودها حركة حماس، بحكم فوزها الساحق بغالبية أعضاء المجلس النيابي الفلسطيني. وهو صراع له علاقة مباشرة بطريقة التوصل إلى حل يضمن تحقيق أماني وصبوات الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة لهم على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب يونيو عام 1967. فبينما تبنت حركة فتح، ومنظمة التحرير الفلسطينية الاعتراف بقيام دولتين على أرض فلسطين التاريخية: إسرائيل ضمن الحدود التي كانت قائمة بها حتى عدوان يونيو عام 1967، ودولة فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، وذلك انسجاما مع قراري مجلس الأمن الدولي رقم 242 و338، فإن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ومعها عدد آخر من حركات المقاومة الفلسطينية كالجهاد والجبهة الشعبية تعارض الاعتراف بمشروعية الكيان الصهيوني الغاصب، وتقول بإمكانية التوصل إلى حل سياسي يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة في القطاع وغزة والضفة الغربية دون الاعتراف بالكيان الصهيوني.
من هذه الرؤية بنى كل فريق استراتيجية عمله، فانطلقت حركة فتح نحو التفاوض مع “الإسرائيليين” وتوصلت معهم إلى اتفاق أوسلو. ومن جهة أخرى، واصلت حركات المقاومة الفلسطينية الرافضة لخط التسوية امتشاقها السلاح، من أجل تحرير فلسطين، “من النهر إلى البحر.”
والواقع، أنه رغم مضي وقت طويل على توقيع اتفاقية أوسلو، ورغم انعقاد عشرات الاجتماعات، والمؤتمرات وصدور عدد كبير من المبادرات ومذكرات التفاهم: مؤتمر كامب ديفيد وواي ريفير وشرم الشيخ، وتفاهمات تينت، وميتشل، وخارطة الطريق.. وعشرات الاجتماعات بين مسؤولين إسرائيليين ومسؤولين في السلطة الفلسطينية، فإن الذي اتضح أن الصهاينة لم تكن لديهم نية في التمسك بالتعهدات والمواثيق التي قطعوها على أنفسهم. ولم يعد الأمر يتعلق بقضيتي القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وهما قضيتان بقيتا معلقتين حتى يومنا هذا، بل شمل الأمر تقطيع أوصال الضفة الغربية، وعزل قطاع غزة.
وكانت البداية، اعتقال الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، في مقر إقامته برام الله، الذي رعى اتفاقيات أوسلو وأشرف على سيرها منذ بدايتها، واعتقال عدد من القيادات البارزة في حركة فتح، بضمنهم أمين سر الحركة، السيد مروان البرغوثي. ومن جهة أخرى، كانت عمليات الاغتيال تطال مختلف قوى الممانعة، وقيادات المقاومة الفلسطينية.. وكان التدمير المنهجي قد شمل تقريبا كل المخيمات الفلسطينية، وفي مقدمتها مخيم جنين الذي كان صموده أسطوريا في مواجهة قوات الاحتلال. كما شمل الحصار جميع المدن والبلدات والمعابر، مؤديا إلى شل حركة الاقتصاد، وحرمان المواطنين الفلسطينيين من حقوقهم الأساسية.
ورغم أن المتوقع هو أن تؤدي العنجهية الصهيونية، وحملات الإبادة بحق الفلسطينيين إلى تعزيز الوحدة الفلسطينية، وسيادة خيار الحوار بين القيادات الفلسطينية، خاصة بعد أن اتضحت نوايا الصهاينة بإقامة جدار الفصل العنصري بالضفة الغربية، فإن الصراع بين هذه القيادات قد تواصل، وكانت خلاصته كما يقول المثل الشعبي المصري إنه خلاف على “سمك بالمية”، فلا الذين توهموا الوصول إلى تسوية سلمية قد وجدوا مفاوضا ملتزما، محافظا على وعوده، ولا الذين رفعوا شعار المقاومة المسلحة كان لديهم البرنامج السياسي الواضح للوصول إلى أهدافهم.
وكان أكبر تجسيد لضبابية الموقف، هو ما أقدمت عليه حركة المقاومة الإسلامية “حماس” حين قبلت بالدخول في اللعبة الانتخابية، على أساس مرجعية “أوسلو” التي تعارضها علنا، وترفع السلاح في وجهها.
وقد كان واضحا منذ البداية أن القبول بخوض الانتخابات، والنتائج التي تمخضت عنها تلك الانتخابات يعني أن انتقالا استراتيجيا جديدا قد حدث في الموقف السياسي لحركة “حماس”، بما يعني في نتائجه تخلي الحركة عن الكفاح المسلح. وهي خطوة أعلنت عنها باستحياء حين قبلت بهدنة عسكرية مع الصهاينة مدتها عشر سنوات.. وكانت تلك أول مبادرة تقدمها حماس إثر فوزها الساحق في الانتخابات النيابية وتوليها لقيادة الحكومة الفلسطينية، وكانت الخطوة الثانية، أن الحكومة لا تمانع من قيام أعضائها بالتفاوض، بشكل مباشر، مع مسؤولين إسرائيليين، لمصلحة الشعب الفلسطيني،. وكان من المتوقع أن تتبع ذلك مبادرات وخطوات أخرى من قبل “حماس.”
لكن الموقف الصهيوني والأمريكي، منذ إعلان نتائج الانتخابات الفلسطينية، كان عدائيا وغاضبا، وقد فضح ذلك زيف ادعاء الديموقراطية التي يتشدق بها عتاة اليمين الأمريكي المحافظ. وقد تبع إعلان هذا الموقف اتخاذ خطوات عنيفة، فرضت الحصار المالي والاقتصادي والسياسي على الحكومة الفلسطينية. واستجاب لقرارات الحصار الأمريكية والإسرائيلية عدد من الأنظمة العربية. وجرى تأجيج الصراع الداخلي بين الفلسطينيين.
وكنا منذ البداية قد حذرنا حركة “حماس” من الدخول في اللعبة السياسية، لقناعتنا بأن ذلك سوف يحولها من حركة مقاومة فلسطينية، إلى منظمة سياسية تتصارع حول مكاسب السلطة، وتغرق في أوحالها، وأن عليها أن تكون منسجمة مع خيارها في الكفاح المسلح ورفض الاعتراف بالكيان الغاصب، وتدع للآخرين المضي في خياراتهم السياسية. كما حذرنا بقية الفلسطينيين، وعلى رأسهم رئيس السلطة الفلسطينية والكوادر التي تعمل معه، من الانجرار وراء حرب أهلية، سيكون من نتائجها تخريب النضال الفلسطيني، وتعطيل مشروع قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، التي تشكل الوحدة الوطنية الفلسطينية أحد ضماناتها وصماماتها.
الآن وقد وقع المحظور، ونجح أعداء الفلسطينيين في تأجيج الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، وسال الدم الفلسطيني، وكانت آخر النتائج سقوط تسعة قتلى وجرح أكثر من مئة فرد، فإن أملنا أن تكون هذه الخسائر في الأنفس محرضة لأهلنا في القيادات الفلسطينية، على اختلاف توجهاتها وأهدافها أن يعودوا إلى لغة الحوار، ويتنبهوا إلى المخاطر المحدقة بهم، والتي تستهدف وحدتهم، وأن يدركوا أن هذا ليس وقت الحساب، وأن الأولوية هي لوقف نزيف الدم الفلسطيني.
ليس مقبولا أن يقتتل الفلسطينيون فيما بينهم، بينما يواصل العدو الصهيوني، والإدارة الأمريكية محاصرتهما لشعبنا في الضفة والقطاع ويمعنان في تجويعه، بهدف إخضاعه لسياساتهما الجائرة. وليس مقبولا أيضا أن تشارك بعض القيادات العربية في محاصرة الفلسطينيين وتجويعهم. إن هذا الحصار والتجويع، ومحاولات الإبادة تفرض على القيادات الفلسطينية الحفاظ على وحدة الصف، وأن تدعم هذه الوحدة من قبل الشعوب والحكومات العربية.
إن الأيام القادمة حبلى باحتمالات كبيرة باجتياح صهيوني جديد لقطاع غزة والضفة الغربية، بعد فشل المشروع الإسرائيلي في لبنان، بهدف استعادة الكرامة المجروحة للصهاينة جراء الهزيمة التي لحقت بهم في الجنوب اللبناني. وهذا الترقب يفرض على الفلسطينيين، أكثر من أي وقت مضى التنبه للمخاطر التي تحيق بهم، والعمل معاً على إفشال المشاريع الصهيونية الهادفة لخلق الفتنة وحالة التشظي والتفتيت، وذلك لن يتحقق إلا بالمزيد من التراص في إطار الجسم الفلسطيني الواحد.
yousifsite2020@gmail.com
د. يوسف مكي
تاريخ الماده:- 2006-10-04
2020-06–1 0-:03
علي الكاش من اليونان
أجل أستاذ يوسف
أنما أشد القتال كراهية عندما يقتتل الأخوان بسبب أختلافات عقائدية أو الحصول على مكتسبات وتتوجه فوهات البنادق الى صدور الأشقاء في الوقت الذي يفترض أن توحد هذه الفوهات إتجاهاتها الى صدور المعتدين الصهاينة، يؤسفتا أن تراق قطرة دم فلسطينية على ايدي الصهاينة لكن يدمي قلوبنا أن تراق هذه القطرة على ايدي الفلسطينينن انفسهم!
اليست هذه هي افضل خدمة يقدمها الأخوة الفلسطينيون الى إسرائيل التي تأخذ موقف المشجع والمتشفي من هذا الأحتراب الداخلي؟ والذي أن دلّ فأنما يدل على ضعفنا وعدم القدرة على ضبط إرادتنا وتفكيرنا المريض
الذي سيقودنا إذا استمرينا على هذا الوضع الى الهزائم المتلاحقة..
نفس الأمر يحصل في العراق ولبنان وغيرها؟
لماذا لا يفكر المتحاربون بنقطة واحدة فقط؟ وهي في خدمة من سيكون هذا الأقتتال ؟ في خدمةالوطن أم الأعداء ؟
نشاركك الرأي أن الأيام التالية ستتمخص عن الكثير من القضايا على ساحتنا العربية ونسال الله عزّ وجل بعد أن عجزنا من قياداتنا بأن يزيد من قوتنا وقدرتنا على تبصر الأمور والتكهن بعواقبها الوخيمة .. نحن حقيقية أستاذ مكي على شفا حفرة من النار ؟ مما يتطلب كما ذكرت المزيد من التلاحم والصمود للتصدي للمخططات المشبوهة التي تستهدف أمتنا .