«كورونا» ما بعده ليس كما قبله
مرت قرابة شهرين منذ أعلنت الصين الكشف عن وجود فايروس كورونا. وكان طبيب صيني يدعى لي وينليانج، يعمل في مدينة ووهان، قد كشف عن ذلك في 30 ديسمبر/كانون الأول لمجموعة من طلابه، وأفاد بتشخيص 7 حالات إصابة في سوق المأكولات البحرية المحلي، بفيروس شبيه بفيروس السارس، وعزل المصابين بالحجر الصحي في المستشفى. وأوضح الطبيب المذكور أنه وفقاً للاختبار الذي اطلع عليه، فإن الفيروس هو نوع من فيروس كورونا، من سلالة كبيرة من الفيروسات تشمل متلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة، وكان هذا الطبيب هو أول ضحايا الإصابة بهذا الفيروس.
لا يهدف هذا الحديث إلى مناقشة موضوع الفيروس ذاته؛ بل يهتم بالمتغيرات التي ستنتج عن تفشيه وتخطيه إلى بلدان كثيرة بشكل سريع وفي ظاهرة غير مسبوقة، منذ سنوات طويلة، وتحديداً سنناقش ما سينتج عن تفشي هذا الفيروس، من أزمة اقتصادية عالمية جديدة، ومن تطور علمي غير مسبوق في التاريخ، ربما يغير كثيراً من سلوكياتنا وطرق عيشنا.
فانهيار الأسواق المالية العالمية بات أمراً مألوفاً ومعترفاً به من الجميع، منذ اندلاع الأزمة، لكن الأمر ربما يكون أسوأ من ذلك بكثير، خاصة أن أزمة انتشار كورونا لا تزال في بداياتها، على الأقل إذا استثنينا الصين التي عاشت هذا الرعب، من بداياته. وربما كان من حظ البشرية أن البداية كانت في الصين، حيث أدارت البلاد الأزمة بعبقرية وأداء أذهل لها الجميع. الخشية هي أن يتسلل هذا الفيروس، إلى البلدان الفقيرة التي لا حول لها ولا قوة، ولا قدرة علمية أو مادية لديها للحد من انتشاره، بما يحيله من حالة صعبة إلى وباء عالمي خطر.
حول الأزمة الاقتصادية التي سببها انتشار الفيروس، تكفي الإشارة إلى أن الأسواق المالية العالمية خسرت في غضون الشهرين المنصرمين، مئات المليارات من الدولارات. وهناك من يقول من المحللين الاقتصاديين، إن الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم، هي أعتى بكثير من الأزمة التي شهدناها عام 2008، وفجرتها أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة.
وحتى هذا التاريخ تبقى الصين المتضرر الأكثر من هذه الأزمة/الكارثة، فالصين التي اقتربت من التعادل في دخلها القومي مع الولايات المتحدة، تراجعت قوة اقتصادها كثيراً، وإذا ما استمرت الأزمة فإنه من المرجح أن يستمر اقتصادها في التراجع بشكل مروع بما يهدد الاقتصاد العالمي بأسره.
في تصريح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أثناء لقائه بأعضاء الحكومة الفيدرالية، تحدث عن خطورة الوضع الاقتصادي الروسي بسبب الأزمة، وعن تراجع أسعار النفط، لكنه طمأن الجميع بأن الأمور الاقتصادية لا تزال تحت السيطرة.
وبديهي القول، إن أمريكا ستكون من المتضررين الأساسيين من هذه الأزمة، نتيجة اتساع التبادل التجاري بين البلدين. فعلى الرغم من أن الصين تصدر 25% من منتجاتها إلى أمريكا، فإن الصينيين يستوردون الكثير من احتياجاتهم من أمريكا. أما الأسواق النفطية العالمية، فيكفي القول إن الصين كانت حتى بداية الأزمة هي أكبر مستورد للنفط في العالم.
أما الجانب الآخر فيتعلق بالتطور العلمي، الذي نتج وسينتج عن انتشار الفيروس. لقد بدأت المستشفيات الصينية في الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي للبحث عن علامات الالتهاب الرئوي الناجم عن الفيروس.
ففي الصين بدأ 34 مستشفى منذ الأيام الأولى للأزمة في الاعتماد على برنامج ذكاء اصطناعي يمكنه تطهير الجهاز ذاتياً، بهدف المساعدة في تشخيص المصابين بفيروس كورونا. وقد توسع ذلك لاحقاً، ليشمل معظم المستشفيات التي أعدت لمعالجة المصابين بالفيروس. وكانت تلك البرامج في البداية قد طورت للكشف عن سرطان الرئة من خلال قراءة الأشعة المقطعية للرئة، وأُعيد تجهيزها للبحث عن علامات الالتهاب الرئوي الناجم عن كورونا، مما يساعد المتخصصين على تشخيص المرضى وعزلهم وعلاجهم بسرعة أكبر.
وفي هذا السياق عرضت فضائية «سكاي نيوز»، تقريراً حول استخدام تطبيق يعتمد على الذكاء الاصطناعي تمكن من الكشف عن فيروس كورونا.
ومن غير المتصور أن يختفي استخدام روبوتات الذكاء الاصطناعي بعد انقشاع الأزمة، فكل إنجاز علمي يقود إلى إنجازات أخرى، وليس بعيداً أن تكون هذه الروبوتات قريباً، جزءاً من احتياجاتنا وحياتنا اليومية في الجامعات والمعاهد والمدارس والأسواق والسيارات والمنازل، شأنها شأن كثير من المنجزات العلمية التي تسللت بقوة إلى حياتنا.. ورب ضارة نافعة!
صحيفة الخليج الإماراتية