قمة الأمم المتحدة: نتائج دون الحد الأدنى من الطموحات
أنهى أكبر تجمع لزعماء العالم اجتماعه الذي عقد في نيويورك، بمناسبة مرور ستين عاما على تأسيس هيئة الأمم المتحدة، واستمر لثلاثة أيام بإعلان وثيقة وصفت بأنها أقل من طموح الأمين العام للأمم المتحدة، السيد كوفي عنان في إصلاح المنظمة الدولية ومحاربة الفقر والإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان. وقد أكد المجتمعون في وثيقة مكونة من 35 صفحة على محاربة الفقر وإنشاء لجنة للمساعدة في إنهاء الحروب.
والواقع أن نتائج القمة جاءت مخيبة لآمال الكثيرين، ممن أملوا في تبنيها لبرنامج حقيقي لإصلاح الأمم المتحدة. فقد تأسست الأمم المتحدة إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية. وكان تشكيلها محكوما بالنتائج العسكرية التي تحققت على الأرض، وبالجوائز والغنائم التي كان المنتصرون يطمحون في نيلها، بسبب أدائهم بتلك الحرب. وقد تركت تلك النتائج بالفعل، بصماتها على تشكيل المؤسسة الدولية الجديدة.
وكان من اللافت للنظر أن أربعة من أصل خمسة من الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن، هم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين، كانوا من كتلة واحدة، هي الكتلة الرأسمالية، وتحديدا الغربية، حيث كانت حكومة الصين الوطنية بقيادة شان كاي شيك تابعة عسكريا وسياسيا للولايات المتحدة، وكانت تحظى برعاية مظلتها العسكرية حتى نهاية الستينيات، حين استعادت الصين الشعبية مقعدها الدائم بمجلس الأمن. لقد كان الاتحاد السوفيتي السابق هو العضو الدائم الوحيد خارج تلك الكتلة. ومما لا شك فيه أن ما أخذ بالاعتبار في تلك القسمة كان هو الثقل العسكري للقطبين المتصارعين، وليس غيره. وهكذا استبعدت تماما دول العالم الثالث ولم تحظ بدور مؤثر في هذا المجلس.
بالنسبة للاتحاد السوفييتي، القوة العظمى المنافسة آنذاك، فإن حصوله على مقعد واحد دائم في عضوية المجلس مسنود باستخدام حق النقض، متى ما تعارضت قراراته مع مصالحه وسياساته وسياسات حلفائه مبرر كاف لغض الطرف عن ثغرات كثيرة في البنية الهيكلية للتشكيل الدولي الجديد.
ومنذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا، سالت مياه كثيرة: برزت قوى جديدة على الساحة الدولية، واختفت قوى أخرى. لكن ذلك لم يترك أثرا على الأمم المتحدة، ولم يؤد إلى مراجعة وإعادة نظر في بنية الأمم المتحدة، وإعادة تشكيل لمراكز القوة على ضوء المتغيرات الجديدة. ومن هنا كانت خيبة أملنا، وأمل الكثيرين في النتائج التي توصلت لها القمة، خاصة وأنه كان ضمن أحد البنود الرئيسية في برنامج عملها تطوير هذه المنظمة بما يتناسب مع المتغيرات والتطورات على الساحة الدولية. وكان من اللافت للنظر أيضا، أن الوثيقة التي صدرت عن مؤتمر القمة لم تتعرض إلى مسألة نزع الأسلحة.
كانت هذه الأسباب، إضافة إلى عوامل أخرى، مدعاة لاعتراض وزير الخارجية الفنزويلي، رودريغز الذي أدان إجراءات ومضمون الوثيقة، مؤكدا أن بلاده تعارض “الطرق البغيضة وغير الديمقراطية” التي تم بموجبها فرض الوثيقة، مشيرا إلى أن بعض الدول كانت لها اليد الطولى في صياغتها. في حين غنى سفير الولايات المتحدة الأمريكية، جون بولتون على ليلاه وأكد أن الوثيقة الصادرة تمثل خطوة هامة في عملية طويلة لإصلاح الأمم المتحدة.
كان دور الولايات المتحدة الأمريكية، القطب الأوحد، واضحا في النتائج التي توصل إليها القادة المجتمعون. فقد أصرت الولايات المتحدة على عدم تضمين الوثيقة بنداً يشير إلى دعم حق الشعوب المحتلة في المقاومة المسلحة ضد مستعمريها. وفي الرفض الأمريكي هذا إشارة واضحة إلى المقاومتين الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني، والعراقية ضد الاحتلال الأمريكي.. وقد استعيض عن ذلك البند بآخر يؤكد على مكافحة جميع أشكال الإرهاب والتحريض عليه دون الاتفاق على تعريف محدد له. وفي ذلك تناقض واضح مع ميثاق الأمم المتحدة الذي كفل حق مكافحة العدوان والاحتلال الأجنبي لأراضي الغير.
اتفق القادة على محاربة الفقر وخفضه بمعدل النصف بحلول 2015 كما التزمت بذلك قمة الألفية, لكن آلية ذلك لم تتضمن العمل على تحقيق تنمية للموارد البشرية والاقتصادية بالبلدان النامية للنهوض بها. ولم تتطرق الوثيقة للتطور اللامتكافئ بين بلدان المركز في العالم وأطرافه. والنتائج الكارثية التي يؤدي إليها هذا الخلل. لقد جرى التركيز على تقديم المساعدات والقروض لتلك البلدان، وذلك يعني أن الحلول التي قدمتها الأسرة الدولية لمعالجة مشكلة الفقر لن تتعدى تقديم جرعات مهدئة، ولن تصل حد فرض برنامج حقيقي وعملي لمعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها تلك البلدان.
وقد كان للخلافات بين الدول الكبرى بقيادة الولايات المتحدة دور كبير في تعثر عملية إصلاح مجلس الأمن، وعدم التوصل إلى اتفاق بشأن توسعته. كانت هناك خلافات بين الولايات المتحدة والصين، فقد أشار الرئيس الصيني إلى أن إصلاح مجلس الأمن يقتضي التركيز على زيادة تمثيل الدول النامية فيه، في حين اقترحت الولايات المتحدة الاكتفاء بزيادة مقعدين فقط للأعضاء الدائمين.
واحتج وزير الخارجية الألماني، يوشكا فيشر الذي لم يحضر الاجتماع، على إغفال مسائل أساسية عند الحديث عن إصلاح الأمم المتحدة، من بينها الحد من التسلح ومنع الانتشار النووي والاتفاق على تعريف محدد للإرهاب. وكان للمندوب الأمريكي الدور الأساس في امتناع القمة عن مناقشة هذه القضايا.
كان هناك مقترح عرف بمشروع مجموعة الأربعة يرمي إلى رفع عدد أعضاء مجلس الأمن من 15 إلى 25 مع ستة مقاعد جديدة دائمة من دون حق النقض وأربعة مقاعد غير دائمة. وتخصص المقاعد الجديدة الدائمة إلى مجموعة الأربعة وإلى بلدين إفريقيين يختارهما الاتحاد الإفريقي. لكن الأفارقة بقيادة الجزائر ومصر يطالبون بمشروع أكثر طموحا, مع حق النقض لاثنين من بلدان قارتهم. ومرة أخرى، كانت معارضة الولايات المتحدة للمشروع الدور الأساس في تخلي المجموعة عن مشروعها.
من جانبه تحسر رئيس روسيا البيضاء الكسندر لوكاشينكو في كلمته أمام القمة على انهيار الاتحاد السوفيتي وأدان الاحتلال الأمريكي للعراق، واتهم الولايات المتحدة بإشاعة الفوضى في العالم. وقال لوكاشينكو إن إيران وكوريا الشمالية ينظر إليهما بمنطق الأعداء من فوهة البندقية، مشيرا إلى أن 15 عاما مرت على انهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان رغم كل الأخطاء وعثرات زعمائه مصدر أمل ودعم لعديد من الدول والشعوب. إن الاتحاد السوفيتي السابق وفر توازنا في النظام العالمي الذي تهيمن عليه الآن الولايات المتحدة وتنفرد بالقرار. وفيما يتعلق بالعراق قال لوكاشينكو إن أسلحة الدمار الشامل لم تكمن فيه، بل في حالة البؤس الذي يحيق بمليارات البشر.
كان هناك لغط كبير أيضا حول حجم دور الدولة المضيفة للقمة. فقد أشير إلى أن الولايات المتحدة منحت نفسها، بموجب هذا الدور الحق في السماح أو عدم السماح لرؤساء وزعماء بعينهم بالمشاركة في فعاليات المنظمة الدولية، الأمر الذي اتضح في التصريحات الأمريكية التي سبقت الموافقة على مشاركة الرئيس الإيراني بالقمة، وأسلوب التعامل الذي تم مع الرئيس اللبناني إميل لحود.
وهكذا يمكن القول دون تحفظ إن الوثيقة الصادرة عن قمة الدول لم تتصد بشكل جدي لإصلاح الأمم المتحدة، ولم تأخذ بعين الاعتبار مخاوف الدول النامية وتضع مفاهيم جديدة، يحترم بموجبها الحق في الاختلاف والتنوع واختيار طرق التنمية باستقلال تام، وضمان الأمن الجماعي للبشرية، واحترام سيادة واستقلال الدول وتعزيز وحماية حقوق الإنسان.
غابت عن المؤتمر قضايا أساسية ملحة بالنسبة لنا نحن العرب… غابت التهديدات الأمريكية لسوريا ولبنان، وغابت عمليات القتل والتدمير في العراق، وغاب الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية. وكان الأبرز في الحضور بأروقة المؤتمر هو النشاطات الدبلوماسية غير المسبوقة للكيان الصهيوني على المستويين العربي والعالمي، بضمنها لقاء مسؤوليها مع عدد من المسؤولين في البلدان العربية، أعلن بعضها، وبقي بعضها الآخر أسير الكتمان.
هكذا كانت نتائج قمة الأمم المتحدة بالنسبة للبشرية دون الحد الأدنى من الطموحات..
د. يوسف مكي
تاريخ الماده:- 2005-09-21