في نتائج الانتخابات المصرية

0 327

 

انتهت الانتخابات المصرية، ورغم أن نتائجها لم تعلن رسميا بعد، فإن ما توفر من معلومات عن نتائج عمل اللجان الانتخابية، أكد المشير عبدالفتاح السيسي، بنسبة تجاوزت اﻠ96%، وأن النسبة التي حصل عليها منافسه السيد حمدين صباحي، لم تبلغ اﻠ3%. وهذه النتيجة، هي مفاجئة بكل المقاييس، حتى لأكثر المتفائلين من أنصار المشير، والذين اعتبروا فوزه في الانتخابات الرئاسية أمرا محسوما. أما بالنسبة لمنافسه صباحي، وأنصاره فإن هذه النتيجة هي كارثة سياسية بكل المقاييس، وقد تتسبب في إنهاء حياته السياسية.

نحاول في هذه القراءة استكشاف الأسباب التي أدت إلى الفوز الساحق للمشير، وانتكاسة منافسه، السيد صباحي، رغم ما هو معروف عن أدواره في ثورتي 25 يناير، و30 يونيو، وحصده ما يقترب من اﻠخمسة مليون صوت، في الانتخابات الأولى، التي تنافس فيها ثلاثة عشر مرشحا، جاء ترتيبه الثالث في قائمة الفائزين، بعد الرئيس السابق مرسي، واللواء شفيق.

فرغم إدراكنا، ومشاطرة غالبية المصريين الرأي بأن المشير سيكون هو الرئيس القادم لمصر، لكن ذلك شيء، وأن تنتهي الأمور بالطريقة التي انتهت إليها هو شيء آخر.

لقد اكتسب المشير السيسي قوة حضوره الشعبي من عاملين رئيسيين: الأول، فيادته لعملية إزاحة الإخوان المسلمين عن السلطة، وإغلاق حقبة سوداء قصيرة في تاريخ مصر. لقد عمل الإخوان المسلمون على إبعاد معظم القوى السياسية، عن المشاركة في السلطة، وسطروا دستورا على مقاسهم، وعملوا على أخونة الدولة والمجتمع، وإعادة الإرهاب إلى واجهة الأحداث. والعامل الثاني أن مصر تواجه الآن أحداثا غير مسبوقة، من انفلات أمني، وارتفاع في معدلات الجريمة. ومن جهة أخرى تشهد شبه جزيرة سيناء تصاعد ظواهر الارهاب، وقد صارت تلقي بلهيبها على معظم المدن والبلدات والريف المصري، بما يهدد وحدة البلاد وأمنها واستقرارها.

إن المشير السيسي الذي اثبت شجاعة وبسالة في التصدي للإخوان المسلمين، ومحاربة الإرهاب في سيناء، منذ تسلم منصبه كوزير للدفاع، هو الأقدر، من وجهة نظر غالبة المصريين في هذه المرحلة العصيبة، على قيادة السفينة. ومن وجهة نظرهم أيضا فإن منافسه صباحي يفتقر في تجربته السياسية إلى الخبرات التي اكتسبها المشير في مواجهة الإرهاب.

لكن ذلك لم يكن يعني أن منافسه على المنصب، سيصل إلى الدرك الأسفل في هذه الانتخابات. فقد قدر صباحي، في أحاديثه الخاصة مع أصدقائه، أنه يتوقع الحصول على نسبة تصل من ثلاثين إلى الخمسة وثلاثين بالمائة. أما الآخرون، من المراقبين والمتابعين للحملة الانتخابية للمرشحين، فتوقعوا أن يحصد صباحي نسبة تقع بين الخمسة عشر كحد أدنى، والعشرين في المائة كحد أعلى. لكن النتائج جاءت مخيبة لآماله ولأمال أنصاره.

بالتأكيد لم يتوقع صباحي نصرا على منافسه، لكنه توقع الحصول على نسبة تؤكد حضوره في الساحة السياسية، وتمكنه من البناء عليها مستقبلا.

نتائج الانتخابات الرئاسية، تستحق الوقوف عندها بتمعن. وأول ما يقابلنا في هذا السياق أن نسبة المشاركين في الانتخابات المصرية، وفقا لوكالة رويترز، لم تتجاوز اﻠ26%، وهي نسبة ترفضها تقارير اللجان المصرية، لكنها من جهة أخرى، تعترف بأن نسبة من شاركوا في الانتخابات متدنية جدا، وأنها حتى نهاية اليوم الثاني، الذي يفترض أن تقفل فيه الصناديق لم تتجاوز اﻠ35% مما دفع برئاسة اللجنة المشرفة على الانتخابات بتمديها ليوم آخر، بحيث أصبحت ثلاثة أيام بدلا عن يومين. وقد أدى ذلك إلى رفع نسبة المشاركين، وفقا للإحصاءات المقدرة، إلى 45%. ذلك يعني في نتيجته أن 55% ممن يحق لهم المشاركة في الانتخابات تعمدوا عدم المشاركة فيها. ومن ضمن هؤلاء كل التنظيمات الإسلامية، باستثناء حزب النور، الذي كانت مشاركته ضعيفة، ولم تضف كثيرا إلى النسبة التي حصل عليها المشير.

وإذا ما قرانا خريطة الاصطفافات السياسية، وتبعة على ذلك على المرشحين المتنافسين، فإن أول ما يواجهنا هو أن المرشحان يقفان على أرضية واحدة، تجاه موقفهما من الإخوان المسلمين، وبقية التنظيمات الإسلامية المتطرفة، بما يعني أن كليهما لن يحظيا بدعم هذه التنظيمات. أما القوى الأخرى، فيصنف المشير، بأنه القادم من المؤسسة العسكرية المصرية، والذي تراه البيروقراطية المصرية، بأنه رجل الدولة. أما صباحي، فكان طيلة حياته معارضا، ويوصف بأنه مرشح الثورة. بمعنى أننا أمام مرشح دولة وآخر مرشح ثورة.

ولأن عماد الثورتين 25 يناير و30 يونيو هم الشباب، فإن الحسابات جرت على أساس أن المشير سيحظى بدعم المؤسسة العسكرية، ومؤسسات الدولة، وأنه سيتفوق على منافسه، بعمق الدولة وبوسائلها كافة، التي ستقف إلى جانبه في معركته الانتخابية. ورأى كثير من المصريين في علاقة السيسي بالمملكة وبعض دول الخليج العربي، فرصة لحل مشاكل مصر الاقتصادية. لكن حمدين سيحظى بدعم الشباب، بمختلف توجهاتهم الليبرالية واليسارية والقومية. لكن الذي حدث هو أن المناخات التي سبقت العملية الانتخابية، وبشكل خاص خروج القانون الذي ينظم التظاهرات والاحتجاجات، قد أصاب الشباب بخيبة أمل كبيرة، دفعت هؤلاء الشباب بالامتناع عن المشاركة في الانتخابات، وفي مقدمة الحركات الشبابية التي امتنعت عن المشاركة، حركة 6 أبريل، التي كان لها دور أساسي في ثورة 25 يناير.

وهكذا فإن الشباب، من حيث أرادوا معاقبة مرشح الدولة المصرية، خذلوا منافسهم، السيد صباحي. ومن جهة أخرى، فإن المصريين الذين وقفوا مؤيدين للسيسي، باعتباره البطل القومي الذي خلصهم من حكم الإخوان، رؤوا في ترشح صباحى لموقع الرئاسة، نكرانا للجميل، وعدم اعتراف أو تقدير للدور الوطني الذي أداه المشير، في إنقاذ مصر من هيمنة الإخوان. وبعضهم رأى في هذا الرشح، موقفا يرقى إلى الخيانة، وبلغت حملة التشويه بحق صباحي، حد اتهامه بأنه يعمل لصالح الإخوان، مدللين على ذلك بأن شقيقته متزوجة من أحد أقطاب الجماعة الإخوانية.

هذه قراءة أولية لنتائج الانتخابات، وربما ستكشف الأيام القادمة عن جوانب أخرى, ولكل حدث حديث…

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

13 + 19 =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي