في نتائج الانتخابات البرلمانية اللبنانية

0 246

 

 

في قراءتنا لنتائج الانتخابات اللبنانية، التي بدأنا بها في الحديث السابق، أشرنا إلى أثر التركيبة الطائفية للبنيان السياسي اللبناني، والتدخلات الإقليمية والدولية في صناعة تاريخ لبنان المعاصر. ووعدنا بتناول محاور أخرى، ذات علاقة مباشرة بالأسباب التي أدت إلى فوز فريق الرابع عشر من آذار بأغلبية المقاعد البرلمانية.

 

لا شك أن اغتيال السيد رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان السابق، شكل محطة انتقال رئيسية، في تاريخ لبنان المعاصر. فعلى إثر حادثة الاغتيال تشكلت خارطة التحالفات السياسية التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، كما تحددت توجهات “الموالاة” و”المعارضة”. وكانت “ثورة الأرز”، التي قادها تحالف الرابع عشر من آذار، والتي طالبت بإنهاء الوجود السوري في لبنان، والموقف المناوئ لذلك من قبل “المعارضة”، قد وضعت الركائز للصراعات السياسية التي تلت بين الفريقين.

 

وجاءت حادثة اختطاف جنديين إسرائيليين من قبل حزب الله، في يوليو عام 2006/ وقيام الكيان الصهيوني الغاصب بعدوان واسع على لبنان، لتزيد من حالة الاحتقان بين الأطراف اللبنانية المتنافسة. فقد حملت الموالاة حزب الله مسؤولية ما جرى من تدمير هائل وواسع للبنية اللبنانية، بسبب إقدامه على أسر الجنود الإسرائيليين، بينما جادل الحزب ومؤيدوه بالقول بحق المقاومة بمواجهة الصهاينة، حتى تتحرر مزارع شبعا.

 

وكانت نتائج الحرب، والدمار الكبير الذي حدث البنية التحتية لجنوب لبنان، وضاحية بيروت الجنوبية، وبروز عمليات الاغتيال، في صفوف عدد من قادة الموالاة، بعد الحرب، وأيضا الحرب التي دارت بين الجيش اللبناني، ومجموعة تطلق على نفسها فتح الإسلام، تحصنت في بعض المخيمات الفلسطينية، وبخاصة في مخيم نهر البارد، وعين الحلوة والبداوي، قد ضاعفت جميعا من حالة الاحتقان بين مختلف الأطراف اللبنانية.

 

ولا شك أن تلك الحوادث أدت مجتمعة إلى فقدان لبنان لأمنه واستقراره. كما أدت إلى تراجع أنشطته السياحية، لثلاثة أعوام متتالية، كان من نتائجها مضاعفة أعداد العاطلين، وحرمان الناس من تلبية متطلباتهم الأساسية، وتداعي اقتصاد لبنان.

 

لقد تبنت قوى “المعارضة” إثر الحرب، الإطاحة بالحكومة اللبنانية، من خلال الاعتصامات المستمرة أمام البرلمان، والاضرابات، وإغلاق الأسواق بالقوة. وكان من نتائج ذلك أن تضاءلت الحركة وسط مدينة بيروت، وأقفلت أسواق السوليدير، وامتنع السواح عن زيارة لبنان، بسبب تلك الحوادث. ولم تتمكن قوى “المعارضة” التي قادت تلك الاعتصامات والاضرابات، من تحقيق أي من أجنداتها، وبقيت الحكومة صامدة، لم تتزحزح عن مواقفها، رغم كافة الضغوط.

 

ولعلنا لا نأت بجديد حين نشير إلى أن لبنان، يعتمد بشكل كبير في اقتصاده على صناعة السياحة. إن القوة الاقتصادية المؤثرة، والمؤهلة لتنشيط هذا الجانب هي بالتأكيد قوة الرابع عشر من آذار، وليست المعارضة. وقد ساد شعور عام لدى الناس العاديين بأن المعارضة قد أضرت خلال الثلاثة أعوام المنصرمة بالاقتصاد، من خلال الاعتصامات والاضرابات، وأنها لم تتمكن من تحقيق أي من أهدافها المعلنة، والتي أدت لسيادة حالة الركود وتراجع الاقتصاد. إن الشيء الوحيد الذي تمكنت من تحقيقه، هو جعل لبنان بلدا مفتقرا للاستقرار والأمن، وتراجع قطاع السياحة بشكل كبير، وتعطيل أمور الناس، وحرمانهم من العمل.

 

وجاء الاجتياح العسكري لحزب الله لمدينة بيروت، قبل عام من هذا التاريخ، وأي تكن الأسباب المعلنة لذلك الاجتياح، ليزيد الطين بلة وليضعف من مصداقية الحزب، الذي أعلن مرارا أن سلاحه لن يرتد أبدا إلى الداخل وأن مقاومته مكرسة لمواجهة الاعتداءات الصهيونية، وحماية لبنان، فإذا به يمارس، في وضح النهار، استعراض القوة بحق معارضي سياساته من اللبنانيين.

 

نقطة أخرى جديرة بالاهتمام، هي أن فريق الموالاة موحد في أهدافه، وواع لنقاط قوته وضعه، وعناصره منسجمة تماما مع تركيبتها الاجتماعية، أما المعارضة، فإنها خليط غير متجانس، من عناصر تتوزع في انتماءاتها، وهو في الغالب تشكيل من قوى سياسية متنافرة، ويضم بعض القوى “التقليدية” كالمردة، ممثلة في فرنجية، وقوى سياسية غير تقليدية، تستمد مشروعيتها من انتماءاتها الطائفية، بمعنى معاصرة، كحزب الله وأمل والعماد عون. وكثير من هذه القوى تفتقر للرؤية الواضحة، والتنسيق فيما بينها.

 

القوميون على سبيل المثال، أكثر من خمسة تنظيمات موزعة على الساحة اللبنانية، وهم بدلا من أن يدخلوا في قائمة واحدة ضد خصومهم، تنافسوا مع بعضهم البعض. فكانت النتيجة أن أحدا منهم لم يتمكن من الوصول إلى سدة البرلمان.

 

ولا جدال في أن موقف البطرياك، صفير، راعي الكنيسة المارونية ودعمه المعلن للموالاة، قد أضعف بشكل لا لبس فيه تيار العماد عون في وسط المسيحيين. كما أن هناك خلافات بين أمل وحزب الله وخلاف آخر بين العمان عون، وأمل وكانت تلك الخلافات تمنع التكامل في التنسيق بين قوى المعارضة. وقد بدأ الحديث مجددا عن تلك الخلافات. والخلاصة أننا أمام معارضة غير متماسكة، تفتقر إلى التجانس والتنسيق.

 

أما أن تكون الموالاة قد حصلت على دعم من الخارج، فقد كانت مختلف الأطراف السياسية المتنافسة، وطيلة تاريخ لبنان تحصل على دعم من هذه الجهة أو تلك، ولم يكن ذلك الدعم يشكل بمفرده العنصر الحاسم في الوصول إلى البرلمان. فالهدف هو الحصول على أصوات الناخبين، والتنافس من أجل ذلك، بمختلف السبل، كان ولا يزال ضمن الأمور المشروعة.

 

وبالمثل، لا يمكن التذرع بعدم توازن هيكلية توزيع المقاعد، فالكل قبل بتلك الهيكلية، وقد أديرت الانتخابات وفقا لها، بموافقة الجميع, لقد أدار فريق الموالاة معركته الانتخابية بحيوية وذكاء، وبتنظيم أكثر دقة وتمكن من حصد غالبية المقاعد.

 

إننا إذن إزاء استمرار للسياسات السابقة في لبنان. ويبدو أن الرئاسة تقف بشكل واضح على الحياد، بمعنى أن المرحلة السابقة، التي حسب فيها الرئيس على المعارضة، قد انتهت أو أنها توشك على الانتهاء، وستسود حالة من الانسجام بين الحكومة والرئاسة. أما موقف المعارضة، واستقرار لبنان، فهو رهن لمتغيرات تجري من حوله في العراق المحتل وتقدم مسار المفاوضات السورية- الإسرائيلية بالرعاية التركية، وأيضا ما يجري من اضطرابات حاليا في إيران بين أنصار الرئيس المنتخب نجاد، ومنافسه الموسوي، وأيضا في علاقة صانع القرار الأمريكي مع إيران. وما علينا سوى الانتظار.

 

cdabcd

 

eitor@arabrenewal.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

خمسة − واحد =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي