في نتائج الإستفتاء على الدستور العراقي: قراءة أولية
رغم أن النتائج النهائية للإستفتاء على الدستور العراقي لم تبرز بعد، حتى ساعة كتابة هذه المقالة، فإن ما رشح حتى الآن يؤكد ما ذهبنا إليه، في حديثين سابقين من أن هذا الإستفتاء لن يكون سوى إسفينا في خاصرة الوحدة الوطنية، وأن مشروع الفيدرالية، التوأم الذي ارتبط بمشروع الدستور منذ البداية هو مشروع تقسيم للوطن العراقي، ومصادرة هويته العربية التي استلهم منها حضوره التاريخي ودوره الحضاري لقرون طويلة. وقد جاءت مسودة الدستور خالية في ديباجتها من أي ذكر للاحتلال المدان من قبل الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي، والذي اعتبر خروجا على الشرعية الدولية.
ولعل هذه الغايات، تفسر إلى حد كبير إصرار الرئيس الأمريكي، جورج بوش واليمين الراديكالي المتنفذ في إدارته على سرعة إجراء هذا الإستفتاء، رغم المعارضة الشديدة لكثير من المستشارين والخبراء في إدارته، بل وضمن بعض القوى العراقية التي ناصرت الإحتلال بحماس، واعتبرته مرحلة هامة من أجل بناء “عراق ديمقراطي جديد”.
فقبل الإستفتاء بوقت قصير شكا السياسي الكردي، محمود عثمان، الوزير المعين بالمجلس الإنتقالي الذي شكلته قوات الإحتلال بعد سقوط بغداد، لمراسل صحيفة “لوس أنجليس تايمس” بالعراق في تصريحه من استعجال الرئيس بوش الاستفتاء على الدستور في العراق. وأشار إلى أن هدف الرئيس الأمريكي من هذه السرعة هو وقف تدهور تأييد الرأي العام في بلاده للحرب. ووصف الإستفتاء بأنه طبخة همبرغر مستعجلة قضت، في رأي السياسي الكردي على فرصة إقناع سنّة العراق بقبول الدستور.
وكانت هناك مواقف أكثر غرابة في هذا الإتجاه، فحسب صحيفة “واشنطون بوست” فإن كنعان مكية، الذي احتل عشية الحرب العناوين الرئيسية للصحف الأميركية، حين توقع أن يكون قصف بغداد بالصواريخ “أعذب موسيقى يسمعها في حياته”، ورند رحيم، التي عينت سفيرة لحكومة الاحتلال في واشنطن قبل تعيين واشنطن لحكومة الاحتلال في بغداد، قد رفضا ما جاء بالدستور. حيث أشار مكية، في توصيف لحالته النفسية، إلى أنه لم يتبق لديه “سوى الآمال المحطمة والآمال المحطمة”، وأن أمله في عراق ديمقراطي وليبرالي قد تهاوى، معللا سبب فشل نشر الديمقراطية بالعراق بقوة تغلغل نظام صدام حسين بالمجتمع العراقي. إن اللوم يقع علينا “نحن العراقيين”، يقول مكية “فقد أخطأنا في تقدير قدرة النظام السابق على حشد المسلّحين، الذين عطلوا إعادة البناء، فيما قسموا العراق على امتداد الخطوط الدينية والأثنية”. إن الدستور يبلور في رأيه هذا “العنف القاسي، الذي يجعل العمل السياسي مستحيلا، ويدفع العراق إلى تجزئة ثلاثية قد تؤدي إلى حرب أهلية تستمر عقوداً”. وبلغ التشاؤم بمكية حد اعتبار الدستور “وثيقة لتدمير الاستقرار بشكل جذري”، وقال أن “الدستور غير قابل بحكم تكوينه للعمل، وإذا عمل فلن يعمل إلاّ باتجاه سفك دماء الأشقاء بعضهم البعض”.
رند رحيم، هي الأخرى، لم تكن أقل تشاؤما. فقد استعارت تعبيراً مشهوراً للأديبة الأميركية غرترود ستاين لتُفسِّر لماذا يهدد الدستور العراق بكارثة: “الدستور ينشئ حكومة مركزية بالغة الضعف حدّ أنك عندما تبحث عنها هناك لا تجد هناك هناك”. على خلاف ذلك يجعل الدستور برأيها “الإقليمين الكردي والشيعي أشبه بدول مصغرة”. ويعني هذا “أن هناك احتمالات قوية بتطويح الدستور بالدولة وجعلها خارج نطاق السيطرة”.
والواقع أن التصويت على الدستور يعيد إلى الذاكرة جملة من الحوادث التي أعقبت الإحتلال.. ففي كل مرة تقدم الإدارة الأمريكية على اتخاذ خطوة ما بالعراق، تروج ماكنة إعلامها إلى أن ذلك سيشكل انتقالا رئيسيا نحو تعزيز الأمن والإستقرار، وتثبيت مشاريع الإحتلال. وما تلبث الحقائق على الأرض أن تتمخض بغير ذلك، فنرى تسارعا وتصاعدا في الكم والنوع لعمليات المقاومة. قيل لنا أن الأمن سوف يتحسن بعد تشكيل مجلس الحكم الإنتقالي، ورأينا قوات المقاومة تسد الطريق عنوة إلى مطار بغداد الدولي، وتحاصر القوات الأمريكية وقوات الشرطة وتجعلها تنكفئ على نفسها في مواقع تحسب أنها آمنة. وتتجرأ المقاومة على قصف المنطقة الخضراء، حيث يتواجد مقر المندوب السامي، والسفارة الأمريكية ومجلس الحكم. وقيل أن ذلك الحال، سوف يتغير بغد تشكيل حكومة منتخبة، فإذا بالبنتاجون، بعد فترة وجيزة يعلن بأن عمليات المقاومة قد تضاعفت، وأنها قد طورت كفاءاتها وإبداعاتها، وتقوم بتصنيع ما تحتاجه من المعدات والسلاح، وتطور بشكل حاسم قذاقف مضادة للدبابات، وتستخدم أشعة الليزر في عملياتها، وتضاعف من قدرتها على التصدي لجيش الإحتلال.
وفي هذا الإتجاه، برزت تحليلات مماثلة، متشائمة النبرة في واشنطون، حيث تتوقع دوائر سياسية واستخباراتية أن الموافقة على الدستور سوف تجعل الأمور أسوأ وليس أحسن، وأن من نتائجها تقسيم العراق، وأن التحول “الديموقراطي” سيعزز دور المقاومة ويعزز من تصديها وليس العكس. قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال جورج كيسي يوافق بأن هذا السيناريو محتمل جدا. ويعتقد روبرت ماللي، الذي انتهى لتوه من وضع تقرير عن العراق أصدرته “المجموعة الدولية للأزمات” أن “النجاح في العراق لا علاقة له بالديموقراطية، أو عدم الديموقراطية، بل بالتوصل إلى تحالف سياسي توافق عليه جميع الأحزاب السياسية… إذا لم يتم التوافق حول ذلك فلا نفع في العملية السياسية”.
وتقدم لنا إجراءات التحضير للإستفتاء صورة أوضح عن حالة التشاؤم والقلق والخوف التي تسود في صفوف إدارة الإحتلال.
فبدءأ من اليوم الخميس، أي قبل الإستفتاء بيومين، فرض على ملايين العوائل في العراق نظام منع التجول حتى نهاية يوم الاستفتاء السبت. ومنعت اعتبارا من مساء الجمعة حركة السيارات بين المحافظات، وأغلقت الحدود والمطارات والموانئً. وتوقع وزير الداخلية المؤقت جبر صولاغ تهرب الآلاف من أفراد الشرطة من القيام بالحراسة. وكان ما توقعه صحيحا، ففي الرمادي التحق بالخدمة ألف شرطي فقط من مجموع 6500. وصدرت بيانات عدة تطالب بمقاطعة الإستفتاء، بعضها صادر من أكبر الزعامات الدينية الشيعية العراقية، كمدرسة الخالصي في الكاظمية.
في يوم الإستفتاء اتضح أن مفوضية الانتخابات قد أخفقت في ايجاد مراكز انتخابية في اكثر من 15 مدينة عراقية تتوزع على محفاظات كركوك والرمادي والموصل وصلاح الدين فضلا عن مدن اللطيفية واليوسفية والرشيد التابعة لمحافظة بغداد. ومن جهة أخرى، أشير إلى أن المصوتين في مدن هيت وحديثة وعانة والبغدادي وراوة والقائم لم يجدوا مراكز انتخابية يدلون من خلالها باصواتهم. وأن قوات الاحتلال عزلت مدن المنطقة الغربية لمنع المصوتين من ان يدلوا باصواتهم.
وفي مدينة الناصرية، ذات الغالبية الشيعية، تداول أهالي المدينة فتوى صادرة من مكتب رجل الدين الشيعي آية الله كاظم الحائري يوصي فيها مقلديه بعدم المشاركة في الاستفتاء. وقال احمد جارالله ممثل الحائري في الناصرية ان المرجع الشيعي قد وصف الدستور بانه لا يحمل من الاسلام الا ظاهره ونقل عن الحائري قوله: أفضل ان اقطع اربا اربا على ان اقول نعم للدستور.
وفي محافظة الأنبار، قال مصدر في هيئة علماء المسلمين ان موافقة الحزب الاسلامي العراقي على الدستور ودعوته للتصويت بنعم قد جعلت هذا الحزب معزولا ومستهدفا من قبل المقاومة العراقية.
وكانت هناك مواجهات مسلحة بين المقاومة وقوات الشرطة وقوات الإحتلال في عدد من المدن والبلدات العراقية. وقد أعلنت القوات الأمريكية أنها قتلت في قصف جوي بالمنطقة الغربية من العراق أكثر من سبعين مسلحا، فيما اعترفت بمصرع خمسة من جنودها في اليوم التالي للتصويت على الدستور، بما يعكس ضراوة المجابهة بين المقاومين وقوات الإحتلال.
النتائج الأولية تقول بأن 61% فقط صوتوا على الدستور، حسب الإحصاءات الرسمية، وأن محافظتين هما الأنبار وصلاح الدين قد صوتتا بـ لا. وأن غالبية العرب، من أهل السنة لم يوافقوا على الدستور.
إن الدستور كما أوضحنا في أحاديث سابقة، هو العقد الإجتماعي الناظم للعلاقة بين المرأ والمجتمع والدولة، وعلاقات سلطات الدولة ببعضها البعض. واللحظة الدستورية هي ليست بالضرورة لحظة توفر الأغلبية لصالحه. اللحظة الدستورية هي لحظة التوازن المطلوب لترجمة القيم السياسية والحقوقية التي يتفق الجميع على أرجحية سيادتها. وكتابة الدستور هي الفعل الجوهري للتعبير عن الإجماع… إن الدستور هو التعبير عن الإرادة الجماعية في منظومة محددة من القيم والحقوق والواجبات، والعمل من أجل وحدة الوطن وضمان أمنه وحريته واستقراره.
وعلى هذا الأساس، يبقى التشكيك قائما في مشروعية التصويت على الدستور العراقي، وفي النتائج التي رشحت عن الإستفتاء، كونها لم تأخذ تلك المسلمات البديهية بعين الإعتبار. والأهم من ذلك أن آثارها، كما بدت لنا، ناكسة في الحفاظ على الوحدة الوطنية وتحقيق الأمن والإستقرار في أرض الرافدين.
yousifsite2020@gmail.com
د. يوسف مكي
تاريخ الماده:- 2005-10-19
2020-05–1 0-:04
خالد بن سنان من السعوديه
تحية طيبه لك يادكتور يوسف ولقلمك الوطني القومي الرائع والصامد في زمن الرده.
لقد عملت قوات الاحتلال الامريكي وعملائها في سدة الحكم العراقي على تمرير الدستور العراقي من خلال الاستفتاء والذي يؤكد معارضيه على انه سيكرس النزعة التفكيكية التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة وهو بمثابة وضع حجر الاساس لـ »سايكس – بيكو« جديدة سبق وان حذر منها كثيرون على رأسهم النائب البريطاني المعارض للحرب جورج غلاوي.
الوقائع الاوليه اثبتت ان نسبة التصويت كانت منخفضه جداً عند العرب الشيعه في جنوب العراق بناء على فتاوي مراجع كبيره مثل اية الله الحائري واية الله الخالصي واية الله االبغدادي .
اما في غرب العراق فقد تاكد ان هنالك رفض عارم لمذكرة الدستور .مما اسقط بيد عملاء الاحتلال ورجال الاستخبارات الايرانيه الطامحين لتقسيم العراق.
اليوم اعلن عن تأجيل نتائج الاستفتاء على الدستور خمسة ايام اخر !!!
مما يعني هنالك شيء يطبخ في السر !!
ومن المعروف ان بعض صناديق التصويت نقلت الى قواعد امريكيه في العراق !!
2020-06–0 2-:01
مقدم اسما عيل من الجزائر ورقلة عين البيضاء
مقدم اسماعيل اللة اللةشكرة على هدالفن والكين لامسيق