في ذكرى توقيع اتفاقية أوسلو القضية الفلسطينية إلى أين

0 400

مع الدورة الثامنة للمجلس الوطني الفلسطيني، الذي عقد في نهاية السبعينيات، توصلت منظمة التحرير الفلسطينية، إلى استراتيجية جديدة، اعتمدت مبدأ خذ وطالب. وقد هيأت هذه الاستراتيجية لقبول الفلسطينيين، بدولتين على أرض فلسطين التاريخية. “إسرائيل”،

في حدود الأراضي التي اكتسبتها بالقوة في حرب عام ١٩٤٨م، ودولة فلسطينية مستقلة على الأراضي التي احتلها الصهاينة في حرب يونيو عام ١٩٦٧م. وقد جاء قرار قمة فاس العربية، عام ١٩٨٢م، ليقدم دعما عربيا للقرار الفلسطيني.

 

ومنذ ذلك التاريخ، اتجه الفلسطينيون رويدا رويدا، إلى الحلول السياسي، وابتعدوا تدريجيا عن استراتيجية الكفاح المسلح كسبيل لتحرير فلسطين. لكن هذه التطورات لم تثن الصهاينة عن المضي قدما في قضم الأراضي الفلسطينية التي جرى احتلالها في حرب الأيام الستة، وواصلوا بناء المستوطنات بالضفة الغربية، وقطاع غزة، وعملوا بكل طاقتهم على تهويد المدينة المقدسة.

واصلت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، العمل على التوصل إلى تسوية سلمية للصراع مع العدو الصهيوني, وفي الثالث عشر من سبتمبر عام ١٩٩٣، وبعد مفاوضات سرية طويلة، قادها عن الجانب الإسرائيلي، شمعون بيريز وعن منظمة التحرير الفلسطينية، أحمد قريع، وجرت في العاصمة النرويجية، جرى توقيع اتفاقية أوسلو، بالبيت الأبيض، وبإشراف الرئيس الأمريكي بيل كلينتون.

نص الاتفاق على إنهاء النزاع المسلح، بين منظمة التحرير الفلسطينية، والكيان الغاصب. كما رتب لإقامة سلطة وطنية فلسطينية، في الضفة الغربية وقطاع غزة،.وعلى أن تنسحب قوات الاحتلال الإسرائيلي، من غزة وأريحا في غضون شهرين من توقيع الاتفاق. وأن يجري انتقال سلمي للسلطة إلى ممثلين فلسطينيين تتم تسميتهم، لحين إجراء انتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني.

كما نص على الاتفاق، على أن تبدأ مفاوضات الوضع النهائي، لحسم موضوع القدس والمستوطنات الإسرائيلية، والمواقع العسكرية والمستوطنين، خلال خمس سنوات من توقيع الاتفاق. ورغم مرور ٢٣ عاما على الاتفاق المذكور، فإن مفاوضات الحل النهائي، ظلت معلقة. وبقي حلم الفلسطينيين، في قيام دولة مستقلة على أراضي الضفة والقطاع معلقا حتى يومنا هذا.

ومن حق الفلسطينيين بشكل خاص، أن يتساءلوا بعد مضي هذه الفترة الطويلة على توقيع الاتفاق، عن جدواه. ما ذا تحقق لهم، وأين وصلت تطلعاتهم في قيام دولة المستقلة. وكذلك عن مصير المبادرات والتفاهمات، التي جرت، وذهبت جميعها أدراج الرياح، وأن يجروا جردة واضحة وشفافة لحساب الأرباح والخسائر.

واقع الحال، إنه باستثناء قيام سلطة فلسطينية، فوق الضفة الغربية وقطاع غزة، وسجادة حمراء مؤقتة، في مطار غزة الدولي، المغلق منذ أكثر من عشر سنوات، ومنح جوازات سفر فلسطينية للمقيمين، “تحت سيطرة السلطة”، وتحويل مكاتب منظمة التحرير المتواجدة في معظم دول العالم، إلى سفارات للدولة الفلسطينية المرتقبة، فإن ما حصده الكيان الصهيوني من مكاسب فاقت كل توقعاته، منذ لحظة تأسيسه حتى توقيع الاتفاق.

لقد كان الإنجاز الصهيوني الأهم من هذا الاتفاق، هو إلغاء حق المقاومة، المكفول للشعوب التي تقع تحت طائلة الاحتلال، وتنازل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، عن الأراضي التي احتلت عام ١٩٤٨م. بل إن الأمر شمل تنازلات عن قرارات عديدة، صدرت عن الأمم المتحدة، كالقرار رقم ١٨١، والذي قضى بتقسيم فلسطين مناصفة بين الصهاينة والفلسطينيين، ووضع مدينة القدس تحت وصاية دولية.

والانجاز الآخر، هو تجريم مقاومة الاحتلال، باعتبار ذلك خرقا لاتفاقية أوسلو، رغم أن الكيان الغاصب، واصل بقوة سياساته التوسعية والعنصرية بحق الشعب الفلسطيني، وسعبه الحثيث من أجل استكمال تهويد المدينة المقدسة.

لقد تضاعفت في السنوات الثلاث والعشرين الماضية، عمليات بناء المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية، واجترح العدو الصهيوني، بناء الجدران الاسمنتية العازلة، والطرق السريعة، والمعابر التي أكلت أكثر من نصف مساحة الضفة الغربية. وتشير التقديرات أن ما تبقى للفلسطينيين، لكي يفاوضوا عليه بالضفة الغربية وقطاع غزة، لا يتجاوز الـ ٤٧٪ من الأراضي الفلسطينية التي تم احتلالها في حرب يونيو عام ١٩٦٧م.

ومن جهة أخرى، سهلت إجراءات التنسيق الأمني بين حكومة الاحتلال والسلطة الفلسطينية، على العدو اصطياد القادة من المقاومين الفلسطينيين، من أمثال مروان البرغوثي وأحمد سعدات.

والأهم من ذلك بكثير، هو ما فرض على السلطة الفلسطينية، ممارسته، تربويا وإعلاميا، من حيث تزييف الذاكرة والتاريخ. ويتم ذلك، في وقت يواصل فيه العدو تدمير البنية التحتية، واستئصال كل ما من شأنه أن يحفظ للفلسطينيين ذاكرتهم في أرضهم، وأرض أجدادهم.

ولا شك أن انشطار قطاع غزة عن الضفة الغربية، هو من النتائج الكارثية لقيام السلطة، وتكالب الصراع على الحكم، بين منظمة التحرير الفلسطينية في الضفة، وبين حركة حماس بالقطاع. ولم يكن للصراع أن يحتدم، من غير وهم اكتساب سلطة، ليس لكلا المتصارعين عليها ناقة أو جمل.

لقد حرى تدمير منهجي للبنية التحتية،بالضفة والقطاع، إما بشكل مباشر، كما حدث في الاعتداءات المتكررة للعدو على قطاع غزة، واستمرار الحصار عليها، أو من خلال خلق واقع اقتصادي مرير، بالضفة الغربية، أدت نتائجه، إلى تعطيل مصالح المواطنين، وارتفاع البطالة بنسبة تجاوزت الأربعين في المائة، وعدم وفاء المانحين للسلطة بما وعدوا به.

آن للفلسطينيين، أن يعيدوا النظر في اتفاقية أوسلو، وأن يصيغوا استراتيجية كفاحية جديدة، تعتمد على تثبيت الذاكرة الفلسطينية، وحق الفلسطينيين التاريخي في أرضهم، فهذه الاتفاقية هي كما قال عرابها أحمد قريع، اتفاقية مؤقتة مدتها خمس سنوات فقط، التزم به احرفيا الجانب الفلسطيني، وانتهك بنودها العدو.

makki@alwatan.com.sa

كاتب أكاديمي سعودي متخصص في السياسة المقارنة


اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

13 − سبعة =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي