فوز حماس انتصار لخيار الإصلاح والمقاومة
حصدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الانتخابات الأخيرة 74 مقعدا من مقاعد المجلس التشريعي في الأراضي الفلسطينية، الـ132، وبالمقابل حصلت حركة فتح التي كان لها السبق في قيادة حركة المقاومة وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية منذ منتصف الستينيات من القرن المنصرم، على 45 مقعدا. وقد وصف هذا الفوز الساحق لحماس بتسونامي، وبالزلزال الفلسطيني من قبل أجهزة الإعلام العربية والعالمية.
وبموجب هذا الفوز، أصبحت الحركة الإسلامية المرفوضة من قبل الكيان الصهيوني، والولايات المتحدة الأمريكية والدول المتحالفة معها، والموسومة بالإرهاب، في طرفة عين الصانع الرئيسي للقرار السياسي في السلطة الفلسطينية بعد أن تمكنت من الحصول على ثقة وتفويض أغلبية الشعب الفلسطيني، لتنهي مرحلة طويلة كانت حركة فتح خلالها هي العمود الفقري للمقاومة الفلسطينية، واللاعب الرئيسي الأول في صناعة القرار الفلسطيني، على الساحات المحلية والعربية والدولية.
والواقع أن فوز “حماس” في قطاع غزة لم يكن مفاجئا للمراقبين. فلعدة سنوات أصبحت الحركة تتمتع بزخم وتأييد شعبي واسع في القطاع. وقد ساعدت ظروف التشرذم والصراعات الداخلية التي تمر بها حركة فتح، في الآونة الأخيرة، على تعزيز موقع حماس بالضفة الغربية أيضا. وقد مكنتها جملة من الظروف الموضوعية والذاتية من إدارة عملياتها النضالية بكفاءة وبكثافة نوعية استمرت في خط بياني متصاعد، قدمت خلالها الحركة العشرات من قادتها وكوادرها المتقدمة قرابين على مذبح الحرية. وأصبحت عملياتها العسكرية مثلا لإصرار الشعب الفلسطيني على التمسك بثوابته واستمراره في الكفاح حتى انتزاع حقوقه.
ولهذا فإنه رغم كل ما قيل عن الزلزال والتسونامي الفلسطيني، فإن قراءة الواقع على الأراضي الفلسطينية قبيل انتخابات المجلس التشريعي تشي بأن البناء الفوقي الفلسطيني قد أصابه العفن وصار يواجه جملة من المعضلات المستعصية. فالفساد الإداري استشرى في كل الدوائر، وأصبح مصدر قلق للمواطن البسيط، والفلتان الأمني غدا حالة عامة تقض المضاجع وتحرم الناس من نعمة الاستقرار، وقد انتشرت البطالة والتضخم الاقتصادي بأشكال غير مسبوقة. مضاعفة حالة المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون تحت قبضة الإحتلال. ومن جهة أخرى، فإن الصراعات السياسية، والفردية على المواقع والمناصب الحكومية قد جعلت التعاطف الفلسطيني مع السلطة يأخذ في التآكل بشكل مريع. وكان عجز القيادات الفلسطينية عن حل هذه المشاكل، وعن تحقيق الوعود التي ألزمت نفسها بها غداة وصولها إلى الحكم، وعجزها أيضا عن المضي قدما في العملية السياسية، بما يتوافق مع تطلعات الفلسطينيين في الضفة والقطاع بتحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة، رغم كل التنازلات التي قدمتها السلطة، كنتيجة طبيعية للتعنت الإسرائيلي، قد أدت جميعا إلى تباعد المسافات بين السلطة والشعب في الأراضي المحتلة.
لقد أكدت هذه الأوضاع أن ثمة حاجة إلى انقلاب، يعيد توجيه البوصلة نحو الاتجاه الصحيح. ولم يكن بالإِمكان تحقيق ذلك بانقلاب سلمي من داخل حركة فتح، كون التآكل ونخر الهياكل قد شمل الكيان الفتحاوي وأجهزة السلطة كلها.
من جهة أخرى، كانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تعيش في حالة نقاء ثوري ومثالية في كوادرها المتقدمة وفي قواعدها. وذلك شأن معظم الحركات السياسية التي لم تلوثها السلطة. كان رصيد الحركة أنها بدأت في نهاية الثمانينيات من حيث بدأت حركة فتح في الستينيات، والتي بموجبها تمكنت من تحشيد الشعب الفلسطيني والزج به على طريق الكفاح والنضال… تطرح ذات الشعارات التي طرحتها المقاومة الفلسطينية لحظة انطلاقها… التحرير الكامل لفلسطين، وعدم الاعتراف بمشروعية اغتصاب الصهاينة لها، معتمدة الكفاح المسلح كخط استراتيجي للتحرير.
وقد ساعد حماس على النمو السريع جملة من العوامل، يأتي في المقدمة منها عدم وجود برنامج تحرير واضح وقابل للتحقيق يوجه كفاح الشعب الفلسطيني، لدى القوى السياسية القومية واليسارية الرافضة لمشروعية اغتصاب فلسطين، والتي تصدت لإدارة الصراع العربي- الصهيوني. وفشل هذه القوى في تحقيق المشاريع والأهداف التي وعدت بها الجماهير العربية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى يومنا هذا، وبضمن تلك المشاريع تحقيق الوحدة والعدالة الإجتماعية والحرية والتنمية.
ومع أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لم تختلف عن سابقاتها من المنظمات الفلسطينية الرافضة للتسوية السياسية، فيما يتعلق بغياب البرنامج السياسي والإستراتيجية الواضحة نحو هزيمة المشروع الصهيوني، إلا أنها تميزت عن تلك المنظمات في أنها نأت بنفسها منذ البداية عن الطروحات الأيديولوجية المعقدة والشعارات الكبيرة. وقد ساعدتها جذورها التاريخية، وممارساتها الذكية، على عدم الدخول في الدهاليز العويصة، والأفكار الصعبة.
ولعلنا لا نأتي بجديد حين نقول إن “حماس” التي أسسها الشهيد الشيخ أحمد ياسين، في امتداداتها، هي جزء من حركة الإخوان المسلمين التي نشات في نهاية العشرينيات من القرن المنصرم بمدينة الإسماعيلية في مصر، وقد تبنت شعار “الإسلام هو الحل”، ودخلت في تحالفات سياسية مع عدد من الأنظمة السياسية العربية في مصر وخارجها. وتميزت حركتها ببرجماتية متقنة ومهارة عالية. جاءت في غمرة صراع دائم بين الليبرالية المصرية والحكومة البريطانية، واختار قائدها المرحوم حسن البنا البقاء على هامش الصراع أحيانا وبعيدا عنه في أحيان أخرى. وحين نشبت الحرب العالمية الثانية، نشطت الحركة في مصر بشكل ليس له مثيل، مستغلة حالة تفاعل حزب الوفد مع الحلفاء، والاحتقان الشعبي الذي أحدثه ذلك التحالف، وبخاصة تدخل الدبابات البريطانية، ومحاصرة قصر الملك فاروق من قبلها، فيما عرف لاحقا بحادث 4 فبراير، لفرض النحاس على الملك بالقوة كرئيس لحكومة مصرية موالية للحلفاء.
وحين جرى اغتصاب الصهاينة لفلسطين، وقفت حركة الإخوان المسلمين موقفا مبدئيا من هذا العدوان، وشاركت بكتيبة عسكرية في حرب عام 1948، إلى جانب الجيوش العربية، ولكن تلك الحرب قد انتهت بنتائج كارثية على العرب والفلسطينيين، على كل حال…
انتقلت الحركة بمكيافيلية سياسية بتحالفاتها من نظام سياسي إلى آخر، في عدد من البلدان العربية، وساندت أنطمة مختلفة في رؤاها وتواجهاتها وممارساتها، كما هو الحال مع حكومة إسماعيل صدقي الديكتاتورية في مصر، والأنظمة التقليدية المحافظة في عدد من البلدان العربية، لكنها في كل مراحلها بقيت متمسكة بشعارها “الإسلام هو الحل”. وهو شعار فضفاض يتسع للكثير من التفسيرات، لكنه يتماهى مع مواريث مقدسة حفرت مساربها في نفوس وذاكرة ووجدان الغالبية من أبناء الأمة بعنف وقوة.
وهكذا تمكنت الحركة من أن تشق صفوفها ضمن النخب الثقافية وفي الأحياء الشعبية وجميع شرائح المجتمع، تحت شعارات الدعوة للإصلاح وتطبيق الشريعة والتمسك بمبادئ الإسلام العظيمة، وهي شعارات لم تكن موضع خلاف بين المسلمين كافة.
إن الأمم والمجتمعات الإنسانية حين تعجز عن مواجهة مصائرها وأقدارها بالتخطيط العلمي والرؤية الإستراتيجية الواضحة، تلجأ إلى الحيل الدفاعية لتحقيق توازنها النفسي، والانطلاق من جديد. وأمام أوضاع التشرذم والتمزق وفشل الحركات التنويرية والجذرية في قيادة وتوجيه حركة الشارع ساد منذ نهاية السبعينيات ما أصبح متعارفا عليه بـ”الصحوة الإسلامية” وغذت هذه الصحوة اليقين المطلق الذي استمد منه الشعب العربي حيله، متكئاً على ماضيه المشرق، ليقاوم محاولات التغريب، والاحتلال ومصادرة الهوية. وهكذا كان خيار الصحوة، وكان خيار الفلسطينيين لحركة المقاومة الفلسطينية “حماس”.
جاءت “حماس” بأطروحات المقاومة والاستشهاد، متكئة على المقاومات التاريخية المستمدة من الدين الإسلامي الحنيف. وهي مقاومات لا تستدعي التحليل والتفكيك، ولا الوضوح في الرؤية أو الإستراتيجية. يكفيها كي تنجح في المقارنة بينها وبين حركة فتح أنها لم تغرق في مستنقع السلطة، وبالتالي فإن عناصرها القيادية لم تكن متهمة بالفساد وبالصراع والتقاتل على المراكز.
كان بقاؤها في المعارضة قد حصنها من كثير من المثالب. وكان الشعب الفلسطيني يلحظ كيف انهارت عملية السلام، وكيف تلاشت الوعود في التنمية والغد الأفضل، وكيف تعطل مشروع قيام الدولة الفلسطينية، لتحل محله كانتونات مبعثرة وحالة طوارئ مستمرة، وحصار للمدن وإغلاق للمعابر، واغتيالات واسعة في صفوف الشرفاء والمقاومين الفلسطينيين، والزج بالآلاف في السجون والمعتقلات وهدم للبيوت وتجريف للأراضي…
ولا شك أن دخول “حماس” للانتخابات بشعارات المقاومة والإصلاح والقضاء على الفساد قد دغدغ مشاعر الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، وجاء معبراً عن آماله وتطلعاته. وكان انتشار الحركة وفوزها الساحق في انتخابات المجلس التشريعي تعبيراً عن رغبة عارمة من قبل معظم شرائح شعب فلسطين في الإصلاح واستمرار المقاومة. وكما قال رئيس المكتب السياسي للحركة، السيد خالد مشعل في مؤتمره الصحفي الذي عقده في دمشق في اليوم التالي لإعلان فوز الحركة. “إن انتصار حماس ليس مفاجأة لقيادتها.. لقد عملنا جميعا من أجل هذا النصر، وكنا على ثقة أن الشعب الذي قدم لنا أبناءه قرابين من أجل فلسطين، لن يتردد في منحنا صوته بالانتخابات- والجود بالروح أغلى غاية الجود- وقد قدم الشعب بوعي وأريحية للحرة ما هو أغلى وأثمن بكثير من منح صوته لها في هذه الإنتخابات.
بقي علينا أن نذكر قادة “حماس”، القادة الجدد للسلطة الوطنية الفلسطينية، أن تصويت الشعب الفلسطيني، الذي بموجبه منحت الحركة حق تمثيل هذا الشعب في الضفة الغربية وقطاع غزة في المرحلة القادمة، ليس تفويضا مفتوحا على بياض، ولكنه تصويت على برنامج… إنه انتصار لخيار الإصلاح والمقاومة، وهو تفويض سوف يظل قائما طالما تمسكت الحركة بثوابتها وبرنامجها المعلن، وحين تحيد عنه، فلن يقبل الفلسطينيون بذلك وسوف يكون لكل حدث حديث.
yousifsite2020@gmail.com
د. يوسف مكي
تاريخ الماده:- 2006-02-01
2020-06–0 3-:03
إلياس بنعلي من المغرب
بداية أهنئ الأشبال في أرض الميعاد فلسطين، و هذا الفوز إنما هو فوز للحركة الإسلامية بأجمعها، أثبت فيها الشعب الفلسطيني أن ثقته في امجاخدين الذين طلقوا الدنيا طلاقا ثلاثا لا رجعة فيه. و من لم يفرح بفوز حماس فما عليه إلا أن يبكي على نفسه-آية الإيمان حب الأنصار و آية النفاق بغض الأنصار- و أنصار الحبيب المصطفى في أرض الرباط فلسطين هم حماس الذين يذيقون للصهاينة مرارة العمليات الجهادية، صبرا صبرا فصلاة صلاة، إن موعدهم الصبح، أليس الصبح بقريب؟