غزو بيروت والأهداف الصهيونية
بمناسبة مرور 35 عاماً على العدوان الصهيوني على لبنان، الذي بلغ أوجه باحتلال العاصمة اللبنانية، بيروت، نشرنا مقالاً في صحيفة «الخليج» الغراء تناولنا فيه تأثيرات العدوان في استراتيجية الكفاح الفلسطيني
، وانتقال هذا الكفاح إلى العمل السياسي، بدلاً عن النضال المسلح. في هذا الحديث، نتناول أهداف العدوان، كما صرّح بها قادة الكيان الصهيوني، وإلى أي مستوى تحققت أهداف الكيان الصهيوني من العدوان.
حمل برنامج الليكود، بقيادة زعيمه مناحيم بيغن أثناء الحملة الانتخابية، التي قادته للسلطة، شعار تدمير منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبار شطب القضية الفلسطينية، من وجهة نظر اليمين الصهيوني، السبيل لتحقيق سلام دائم في المنطقة بين العرب والكيان الغاصب. وقد توافقت هذه الرؤية مع موقف الإدارة الأمريكية، بقيادة الرئيس رونالد ريغان، الذي أعلن أكثر من مرة، عن توصيفه للمنظمة باعتبارها تنظيماً إرهابياً، ليس بمقدور الولايات المتحدة التعامل معها.
كان هنري كسينجر، مستشار الرئيس ريتشارد نيكسون، لشؤون الأمن القومي، ووزير خارجيته فيما بعد، قد تعهد للكيان الصهيوني، بعد حرب أكتوبر عام 1973 مباشرة، وأثناء مفاوضات فصل القوات، على الجبهتين، المصرية والسورية، بأن تمتنع بلاده عن إجراء أي اتصال مع منظمة التحرير الفلسطينية، ما لم تقدم الأخيرة، على الاعتراف بالكيان الصهيوني، دون قيد أو شرط. وقد التزمت إدارتا الرئيسين فورد وكارتر، بذلك التعهد.
وبقي هذا الوضع على حاله، إلى أن غيّرت منظمة التحرير الفلسطينية، موقفها، وتعهد رئيسها ياسر عرفات، من على منبر الأمم المتحدة في جنيف، بالامتناع عن مقاتلة الكيان الصهيوني، معلناً اعترافه بالكيان الصهيوني، على قاعدة الاعتراف بوجود دولتين على أرض فلسطين التاريخية: دولة «إسرائيل» في الحدود التي كانت قائمة بها حتى عدوان الخامس من يونيو عام 1967م، ودولة فلسطينية مستقلة، على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وتكون القدس عاصمتها.
ولذلك يأتي تدمير قوة المقاومة الفلسطينية، في لبنان، وإجبار منظمة التحرير الفلسطينية على مغادرة بيروت، استجابة للبرنامج الذي تعهد بيغن بتنفيذه أثناء حملته الانتخابية. لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، وفقاً لتصريحات وزير الحرب الصهيوني، أثناء غزو بيروت، أرييل شارون.
فمن وجهة نظر شارون، ليس يكفي تدمير منظمة التحرير الفلسطينية، بل ينبغي أن يكون الهدف هو طرد الفلسطينيين بالجملة من لبنان، وإجبارهم عن الرحيل إلى سوريا، ومن هناك يجبرون على التوجه جنوباً نحو الأردن، البلد التي ينبغي أن يكون هو الوطن البديل. والمخطط كما يراه شارون، هو الانقلاب على النظام السياسي في لبنان، والإتيان بنظام ديكتاتوري، يتعهد بتدمير المخيمات الفلسطينية المتواجدة على الأراضي اللبنانية، وطرد الفلسطينيين من لبنان، وإرسالهم نحو الحدود مع سوريا، ومن ثم الضغط على الحكومة السورية، لطرد الفلسطينيين من سوريا، وإرسالهم إلى الأردن.
ولا يمانع المتطرف الصهيوني، شارون من سيطرة الفلسطينيين على الأردن، وإقامة جمهوريتهم فيها، وخلق الوطن البديل، طالما أن ذلك سيريح «الإسرائيليين» إلى الأبد من القضية الفلسطينية.
لكن السحر انقلب على الساحر، فالفلسطينيون الذين رحلوا عن بيروت، لم يذهبوا إلى سوريا، بل توزعوا على أقطار عربية، واتخذوا من تونس مقراً رئيسياً لمنظمة التحرير، والرئيس المرشح ليكون ديكتاتور لبنان، وليقوم بطرد الفلسطينيين، جرى اغتياله. ومنذ ذلك الحين برزت مقاومة لبنانية ضارية للاحتلال، انتهت برحيله عن لبنان عام 2000. وإدارة الرئيس ريغان، وجدت نفسها بعد أحداث لبنان، مجبرة على تقديم مبادرة سلمية، اعترفت بحق الفلسطينيين في قيام كيان يمثلهم، وإن لم يرق ذلك، إلى الاعتراف بحقهم في دولة مستقلة، كاملة السيادة فوق أرضهم.
والقضية الفلسطينية، التي أراد الصهاينة، والقوى الكبرى، في حينه، أن يطويها ملف النسيان، والتي تناساها القادة العرب، لأول مرة في تاريخ الصراع مع الصهاينة، حين جرى عقد مؤتمر قمة عربية، في عمان ركزت على الحرب العراقية -الإيرانية، ما لبثت أن حضرت بقوة، إلى واجهة الإعلام، على المستوى العالمي، حين اندلعت انتفاضة أطفال الحجارة عام 1988م، التي شملت معظم الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الأراضي التي تم احتلالها مع نكبة عام 1948.
لقد أعادت انتفاضة أطفال الحجارة، الروح مجدداً للنضال الفلسطيني. وبالنسبة لمنظمة التحرير وقيادة الرئيس عرفات، كانت الانتفاضة، بوابة أمل جديدة، أخرجت الفلسطينيين من حالة العجز واليأس التي خيّمت على قيادة منظمة التحرير، بعد الرحيل عن بيروت، والعجز العربي الرسمي والشعبي، عن الإصغاء لصيحات أطفال فلسطين في مجازر مخيمي صبرا وشاتيلا.
تمكنت حكومة مناحيم بيغن من طرد قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، من لبنان، وأجبرتها لاحقاً على الاعتراف بمشروعية اغتصابها لفلسطين، وتوقيع اتفاقية أوسلو عام 1993م، لكن فكرة الوطن البديل، باتت من الماضي. وبالمثل، صمدت المقاومة الفلسطينية، وتصدّت لاعتداءات متكررة على قطاع غزة. وبالمثل، لم يتزحزح الفلسطينيون عن مطلبهم، في دولة فلسطينية مستقلة، فوق ترابهم الوطني، على الأراضي التي احتلها الصهاينة عام 1967م.
ورغم كل عوامل العجز واليأس لا تزال فلسطين، حية في الوجدان العربي، ولا يزال العرب، يرونها قضيتهم المركزية.
yousifsite2020@gmail.com