عيد سعيد ومبارك.. عيد نضال ومقاومة

0 229

رحل الشهر الكريم.. وختم الصائمون والقائمون رمضان بفرحة العيد في وضع عربي بدت فيه الصور والمشاهد كئيبة وحزينة. فالأوضاع العربية كما تبدو على السطح تنذر بعواصف وكوارث مقبلة، تهدد الأمة، في كل ركن وموقع من أركان الوطن الكبير.

 

احتقانات سياسية واجتماعية وانهيارات اقتصادية وأمراض مستعصية.. بطالة وفقر يلقيان بكلكليهما على بقاع واسعة من الأرض العربية. في القلب من هذه الصور الكالحة يبرز قرار الكونجرس الأمريكي بتقسيم العراق، بعد أن أغرق البلد في بحر من الفوضى والفقر والكوليرا، وصودرت دولته كيانا وهوية. والتحضيرات المتسارعة لعقد “مؤتمر دولي” يقضي على البقية الباقية من أرض فلسطين، تحت ذرائع تحمل معاني التسليم بالفشل والعجز لدى القيادات العربية، التي شاخت منذ عقود، واستسلمت وسلمت مقادير الأمة للإدارة الأمريكية الغاشمة، وقاعدتها الميدانية المتقدمة، الكيان الصهيوني المجرم. وفي القطر السوداني، تمارس القوات الدولية، عملية التنفيذ المنهجي والمنظم لتفتيت هذا البلد، والحجة دائما، كما هي في العراق ولبنان وسوريا وفلسطين والصومال ومصر… الدفاع عن حقوق الإنسان، حقوق السودانيين الجنوبيين وحقوق الدارفوريين بالغرب. ولبنان يتجه إلى مصير مجهول، في انتظار معركة قادمة حول مصير رئاسة الجمهورية. ومع انتظار المعركة القادمة، يجري تجهيز الميليشيات المتصارعة بالعتاد والسلاح استعدادا لمعركة حسم، لا يبدو في الأفق أن فيها من الحسم سوى المزيد من شلالات الدم.. وأنها ستبقى مفتوحة إلى ما لا نهاية. وفي حمأة الصراعات العبثية، تختلط الأوراق وتغيب الثوابت، وتصبح المواقف مرتهنة لمواقف سياسية تمليها مصالح عدوانية خارجية، امبريالية وصهيونية وشعوبية، لم يتوقف أبدا صراعها مع الأمة، ومع حقها في التحرر والإنعتاق…

 

وتتداعى قائمة الصور والمشاهد الكئيبة لتلقي ببصماتها وظلالها على الواقع العربي بأسره، في متتاليات يبدو أن ليس لها نهاية، لتقتل فرحة العيد، ولتجعلنا أسرى لأحزان مريرة، مضت عليها عقود. ولسان الحال، منذ نكسة حزيران/ يونيو عام 1967م، يردد مع أبي الطيب المتنبي: “عيد بأية حال عدت…” شطر بيت قصيد اعتاد أن يتصدر مرثياتنا منذ أكثر من أربعة عقود.

 

هل لنا بعد سرد هذه الصور القاتمة أن نفرح بالعيد؟

 

نعم يحق لنا وبجدارة أن نفرح بالعيد، وأن نعلم أطفالنا كيف يفرحون به. فالعيد لحظة هامة من لحظات نادرة يتحقق فيها التوازن الجميل، بين ما هو مرئي، وبين أحلام كبيرة راسخة في النفس، هي مبرر وجودنا، ومصدر إرادتنا وفعلنا. وكانت دائما هي التي تحكم قانون الفعل والإستجابة في مواجهتنا للمستعمر، ولمحاولات التفتيت والبلقنة التي حاول فرضها علينا.

 

فخلال الأربعة عقود المنصرمة، كان هناك تحد واستجابة. حدثت النكسة، وكان الرد الطبيعي عليها انطلاق المقاومة الفلسطينية، ونصرة الشعب العربي لها في كل مكان، واشتعال جبهة المواجهة مع العدو الصهيوني، وبروز بطولات المقاتل المصري في حرب الاستنزاف، وتأميم النفط في العراق، وتحرر جنوب اليمن، وقيام الثورة الليبية وطرد البريطانيين من قاعدة ويلز، وبناء قواعد اقتصادية متينة في العراق والجزائر، والتهيؤ لمعركة العبور.

 

بعد حرب تشرين/ أكتوبر شهدت المنطقة انتقالا رئيسيا في مراكز القوى، وتحول مركز الجاذبية في الصراع من حوض الأبيض المتوسط إلى منطقة الخليج، انسجاما مع المخطط الأمريكي في السيطرة على منابع النفط، ووصلت تلك التحولات إلى توقيع اتفاقيات كامب ديفيد.. وكانت ردة الفعل هي انتقال التيارات الأصولية، إلى الصدام المسلح مع النظام العربي الرسمي، وكان الرئيس المصري السادات، هو أول ضحايا ذلك الصدام.

 

وفي صيف عام 1981م، جرى غزو جيش الكيان الصهيوني للبنان، واحتل العاصمة بيروت، وانتقلت قوات المقاومة الفلسطينية إلى اليمن، وغدت تونس مقرا رئيسيا لمنظمة التحرير الفلسطينية، تراجع الإهتمام العربي والعالمي بالقضية المركزية، وكانت الإستجابة سريعة، بانتفاضة أطفال- أبطال الحجارة، لتصبح قضية فلسطين، إثرها، مركز اهتمام عالمي واسع النطاق. وليكون من ثمرتها صدور بيان الاستقلال.

 

وكانت الإستجابة الأخرى قد مثلتها انتفاضة الأقصى، بعد فشل مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط… وهكذا كانت دائما تحديات واستجابات، من الصعب علينا في هذا الحديث القصير، استقصاءها ومتابعتها… لكنها على كل حال حكمت مسيرة العمل القومي منذ بدأت طلائع حركة النهضة العربية قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى حتى يومنا هذا. خلاصة القول في هذا أن هذه الأمة عصية على التسليم والخضوع، والقبول بالأمر الواقع.

 

في عيدنا هذا ينبغي أن نقف ونتأمل ما يجري ليس على السطح فقط، بل في الأعماق.. نتابع حركة الأمة، ونستخلص من هذه الحركة ما يحقق لنا الأمل والثقة. في بلاد ما بين النهرين، رغم كل محاولات طمس الحقائق، هناك شعب مقاتل نضع جل مراهناتنا على فعله. هذا الشعب قد كشف الزيف، وعرى حقيقة الإحتلال، وأصبحت الأوراق معلنة. اتضح أن الهدف من العدوان هو السيطرة على منابع النفط، وتقسيم العراق وهو أمر مرفوض من قبل العراقيين الشرفاء جميعا. وقد أصبح هذا القرار محرضا لجميع فصائل المقاومة لكي ترص صفوفها.. كانت الإستجابة سريعة جدا في إعلانات عن اندماجات بين القوى التي تناهض العدوان وتتصدى بقوة السلاح لمشاريعه. فقد أعلن عن قيام جبهة الجهاد والتحرير، التي ضمت 22 فصيلا مقاتلا، كما أعلنت ستة فصائل أخرى عن توحدها.. والأمل كبير، في أن تتفق جميع الفصائل المقاتلة على برنامج سياسي مشترك، للتسريع بطرد الإحتلال.

 

قوى الممانعة في فلسطين ولبنان أيضا تعمل على توحيد صفوفها، وبلورة موقف موحد من مشاريع التصفية. وفي السودان هناك موقف شعبي يرفض محاولات التفتيت، وبالصومال لم تتمكن قوات الغزو من إخضاع الشعب المقاوم… وهناك حركة شعبية واسعة على مستوى الوطن العربي، تطالب بالإصلاح السياسي، والقضاء على الفساد، وبمزيد من الحريات والمشاركة في صنع القرار، وتدشين المؤسسات الدستورية والديمقراطية.

 

إنها إذن ليست حالة نكوص وارتداد وهزيمة في الواقع العربي.. لا شك أن الرحلة طويلة ومضنية، والتكاليف والتضحيات باهظة وجسيمة، لكنها طريق المناضلين والشرفاء، هي وحدها السبيل لطرد المحتل والمغتصب الغاشم، وإفشال جميع مشاريعه, ووضع البوصلة في اتجاهها الصحيح..

 

إنه قدر هذه الأمة أن يعبر أبناؤها المخلصين دائما عن حضورها التاريخي بالمزيد من العطاء والمزيد من التضحية، وتكتب تاريخها الجديد مطرزا بدماء أبنائها البررة.. قدر الأمة أن تجعل من أعيادها السعيدة، أياما للنضال والكفاح..

 

فعيد مبارك وسعيد هذا العيد… عيد النضال والمقاومة، وكل عام وأنتم بخير.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

15 − 2 =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي