على هامش نداء صنعاء من أجل الوحدة العربية

0 452

في اجتماع الأمانة العامة للمؤتمر القومي الذي عقد في أواخر أيام الشهر الماضي، بالعاصمة اليمنية صنعاء، تبنى المؤتمر وثيقة حملت عنوان إعلان صنعاء من أجل الوحدة العربية. وقد تزامن تبني هذه الوثيقة مع الذكرى الخامسة والخمسين لقيام الوحدة المصرية- السورية 1958.


وسيتم رسميا الإعلان عن هذه الوثيقة في مؤتمر صحفي يعقده الأمين العام للمؤتمر القومي، الأستاذ عبد الملك المخلافي في بيروت بنهاية هذا الأسبوع، بمركز دراسات الوحدة العربية.

ركزت الوثيقة على محاور ثلاثة، فأجابت في المحور الأول على السؤال، لماذا الوحدة العربية الآن؟ـ وفي المحور الثاني جرى تناول مبادئ الوحدة المنشودة. وناقش المحور الثالث من الوثيقة آليات تحقيق الوحدة ودور الشعوب العربية في ذلك.

الوثيقة بطريقة صياغتها، والمحاور التي تناولتها، هي وكما جرى توصيفها “إعلانا”، وليست قراءة تحليلية لقضية الوحدة العربية، وموقعها الآن في ظل الحراك الشعبي الذي ساد عددا من البلدان العربية في السنتين الأخيرتين. والحاجة تبقى دائما إلى عمل تبشيري يستنهض الأمة، ويدفع بها نحو التماهي مع عصر سمته، أنه عصر تكتلات اقتصادية وسياسية وعسكرية كبرى، بما يجعل الوحدة المنشودة متماهية مع عصر كوني، وسياق تاريخي وموضوعي صحيح.

هذا التقرير من جانبنا، ينطلق من التسليم بأن الوحدة العربية هي أمل منشود، سكن في اليقين لدى معظم الشعوب العربية، منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر، وكان محركا لنضالات وطنية ومعارك كبرى، أسهمت في تحرير عدد كبير من البلدان العربية من ربقة المستعمر. وخلال عقدي الخمسينات والستينات من القرن المنصرم، غدت الوحدة العربية، حقيقة حية، تدفع بالشعب العربي، لنصرة الثورات المسلحة التي اندلعت، ضد الفرنسيين والبريطانيين والصهاينة، في الجزائر واليمن الجنوبي وفلسطين.

والسؤال البديهي في أي قراءة تحليلية، لا ينبغي أن يتركز على هدف الوحدة ذاته، ولماذا نطالب به، لأن ذلك ليس موضوع جدال، طالما أنه سكن في اليقين، بمعنى حضوره بالوعي الجمعي للأمة. القراءة التحليلية، ينبغي أن تتجه لمناقشة الأسباب التي حالت دون تحقيق هذا اليقين، وتحويله من أمل زاخر ومحرك، إلى حقيقة حية وأمر واقع.

يصبح السؤال المنطقي لماذا تعطل تجسيد هذا اليقين، ولماذا فشلت محاولاتنا الدؤوبة، التي مرت عليها عقود طويلة للانتقال من مرحلة التبشير، إلى مرحلة الفعل. ولماذا فشلت تجاربنا الوحدوية الجنينية في الاستمرار، ومن ضمنها الوحدة المصرية- السورية. نطرح ذلك بحسبان أن النضال ضد التجزئة، هو أهون كثيرا في تبعاته ونتائجه، على النفس، من التعامل، مع تركة فشل حلم تحقيق الوحدة، بعد أن كنا قاد قوسين أو أدنى من الهدف. فالأول طموح إلى الأعلى، والثاني، تعامل من انتكاسة تتحرك إلى الأسفل.

تحققت الوحدة الأوروبية، بين أمم لا تجمعها الثقافة والتاريخ واللغة، ولا المعاناة المشتركة، وفشلنا نحن رغم وجود كل الروابط المعنوية التي تسرع في تحقيق الوحدة. بما يعني، في النتيجه، أن ما اعتبرناه شروطا موضوعية لازمة لتحقيق الوحدة، قد أثبتت التجربة أنه ليس كذلك. فليس يكفي أن تجمعنا ثقافة واحدة وتاريخ واحد ولغة واحدة، وجغرافيا ودين، لكي نتوحد. بل وأكثر من ذلك، ليس يكفي أن تكون الوحدة مطلبا شعبيا لكي تتحول إلى أمر واقع.

كيف يتحول هدف تحقيق الوحدة إلى سيروة وحركة، ويصل في قوة حضوره، لدى الشعب العربي، إلى أن نكون أو لا نكون، فيتساوى تحقيقه مع معادلة الوجود، ذلك هو السؤال. وطرح كهذا يبقى محرضا باستمرار على تقديم أجوبة عملية على المعوقات التي تعترض سبل تحقيق الوحدة العربية.

في هذا السياق، تصدمنا حقيقة مرة، خلاصتها أن جل “الوحدات”، التي تحققت أو كانت مشاريع للتحقق، لم تكن حاصل تفاعل خلاق بين الهدف ولحظة تحققه، بل كانت هروبا للأمام للتخلص من أزمة، تواجه نظاما أو أكثر من الأنظمة العربية الرسمية. وحدة مصر وسوريا، وهي أعظم وحدة في تاريخ العرب المعاصر، أخذت مكانها بالقوة في ظل ظروف بالغة التعقيد. فحلف بغداد قد جثم أنذاك على حركة التحرر العربي، والقوات التركية في شمال سوريا، كانت تقف على الأبواب، مهددة بالدخول إلى عاصمة الأمويين. والأوضاع الداخلية في سوريا لم تكن بأحسن حال.

كانت خشية الضباط السوريين، من تدخلات عسكرية أجنبية في بلادهم، وإدراكهم لضعف مقاومات هذا الجيش، وعدم قدرته على التصدي للاختراقات الخارجية قد دفعت بهم لمطالبة الرئيس عبدالناصر، بتحقيق الوحدة. وهكذا كانت الوحدة ردة فعل، على تحديات الخارج، ولم تكن عملا مبدعا، هدفه الانتقال بالأمة من حال التجزئة إلى الوحدة. ولذلك لم تأخذ في الحسبان، الفوارق السكانية، والتباينات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بين بلدي الوحدة.

والنتيجة، أن مهرجان الفرح الذي غمر، الجميع بتحقيق الوحدة، وامتدت أصداؤه إلى آخر ركن في البقاع العربية، لم يستمر طويلا، فقط برزت مكامن الثغرات والضعف، وتراكمت حتى أودت بالتجربة، لتسقط حلما جميلا راود زعماء النهضة منذ عقود طويلة.

والحال هذا ينسحب على تجارب وحدوية عربية أخرى، ليس أقلها اتحاد الجمهوريات العربية، بين مصر وسوريا وليبيا، الذي ولد ميتا. وقد اعتبرته المعارضة المصرية آنذاك، هروبا إلى الأمام، من استحقاقات المواجهة مع الكيان الصهيوني، وكسر حلقة اللاحرب واللاسلم. ولحسن الطالع، لم يصدق أحد بهذه الوحدة، ولم تشكل انتكاستها عبئا على أحد، بما فيهم أولئك الذين ساهموا في صنعها.

نقاط كثيرة، في موضوعنا هذا تستحق المناقشة والقراءة، لعل أهمها كيفية الخروج من المأزق، كيف ننتقل بالوحدة من حلم جميل، سكن في وعينا لأكثر من قرن من الزمن، إلى أمر واقع نحياه وننعم بمآثره ومكتسباته؟ أسئلة ستكون موضوع حديثا القادم بإذن الله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

6 − خمسة =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي