على حافة حرب عالمية ثالثة

في محطات قليلة جدا، أثناء الحرب الباردة، اقتربت البشرية من حافة الحرب النووية. حدث ذلك للمرة الاولى أثناء الأزمة الكورية، في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، وأثناء أزمة الصواريخ الكوبية. كما أطلق الامريكيون الإنذار النووي، في الأيام الأخيرة لحرب اكتوبر عام 1973. وفي جميع هذه المرات، حبس العالم أنفاسه، وتدخل العقلاء للحيلولة دون اندلاع حروب نووية.

بعد انتهاء الحرب الباردة، طويت صفحة الحديث عن حرب عالمية ثالثة، واحتمالات استخدام سلاح الرعب النووي، رغم أن الصراعات الإقليمية، وتدخلات القوى الكبرى، في شؤون الدول، تواصلت في خط بياني صاعد. وربما يفسر تضعضع القوة الروسية، وانهماك الصين، في تحقيق تنمية اقتصادية، وسعيها الدؤوب للسيطرة على الأسواق العالمية، سبب تراجع الصراعات العسكرية بين القوى الكبرى.

عودة روسيا، تحت قيادة فلاديمير بوتين، بقوة إلى المسرح الدولي، وتمكنها من بناء ترسانتها العسكرية، بشكل سريع، واستعادتها لشبه جزيرة القرم، من أوكرانيا عام 2014م، أعادت للصراع الدولي حضوره من جديد، بعيدا عن الصراع العقائدي، الذي كان سيد الموقف، حتى سقوط حائط برلين في نهاية الثمانينات من القرن الماضي.

ومع إطلاق روسيا ما أسمتها بالعملية العسكرية الخاصة، ضد أوكرانيا، انقلبت الأوضاع رأسا على عقب. فالأمريكيون، وحلفاؤهم بالقارة الأوروبية، أعلنوا منذ بدء العملية عن تصميمهم على حرمان غريمهم الروسي، من تحقيق نصر عسكري حاسم في أوكرانيا. وبالمقابل، أكدت القيادة الروسية، أن انتصارها في هذه الحرب، هو وحده الذي يتكفل بوقف إطلاق النار.

دخلت أمريكا، وحلفاؤها بشكل مباشر في الحرب، من خلال الإمداد الهائل بمختلف أنواع الأسلحة لأوكرانيا، لتمكينها من الاستمرار في مواجهة الجيش الروسي. وشمل الدعم العسكري، مختلف أشكال الذخيرة، والمدفعية والدبابات، والمسيرات. هذا بالإضافة إلى تشغيل مختلف وسائل التجسس على القوة العسكرية الروسية، من قبل الغرب لصالح الحليف الأوكراني. وقد بلغ هذا الدعم حد تزويد أوكرانيا بالطائرات، وأحدث مافي جعبة الترسانة العسكرية الغربية من دبابات ومعدث ثقيلة. وكلما ضاعف الغرب من الدعم العسكري، للرئيس الأوركراني زلينسكي، كلما زج الاتحاد الروسي، بأسلحة نوعية جديدة في الحرب. وكلما طال أمد الحرب توسع الانخراط الغربي المباشر فيها، حتى بات يشكل في الأيام الأخيرة تهديدا مباشرا للسلام العالمي، منذرا باحتمال وقوع حرب عالمية ثالثة لا تبقي ولا تذر.

الأسبوع الذي انقضى، كان حافلا بالمواجهات بين روسيا والغرب، الجامع هو التصعيد غير المسبوق في لغة الحرب، وغياب العقلانية ولغة الحوار، والتلويح المتكرر بامكانية دخول السلاح النووي في هذه المواجهة، بما يشي أن العالم بأسره يتجه نحو انتحار جمعي.

الأبرز بين الحوادث الأخيرة، قيام الطيران الروسي، بإسقاط مسيرة أمريكية متطورة، فوق البحر الأسود، وهو ما اعتبرته إدارة بايدن عدوانا وحماقة، كون المسيرة تتواجد في مياه دولية. بينما تصر روسيا، على أن البحر الأسود، هو منطقة حرب، وأن سبب تواجد المسيرة الأمريكية فوق البحر الأسود، هو التجسس على المواقع الروسية، وتقديم معلومات عنها للقوات الأوكرانية. وتتهم روسيا الأمريكيين بتقديم معلومات دقيقة، عن تواجد البارجة موسكو، التي تم إغراقها من قبل الأوكرانيين، فوق البحر الأسود.

تؤكد روسيا عزمها على استخدام كل الوسائل للدفاع عن أمنها، بما في ذلك، إسقاط المسيرات الأمريكية فوق المياه الدولية. وقد اقترح وزير الدفاع الروسي، منح أعلى الاوسمة في الدولة الروسية، للطيارين الذين تمكنوا من إسقاط المسيرة الأمريكية.

أخر الأنباء، هو صدور مذكرة من قبل محكمة الجنايات الدولية باعتقال الرئيس الروسي بوتين، بسبب اتهامه بارتكاب جرائم إبادة بحق الإنسانية. وقد وصف الرئيس الأمريكي بايدن هذا القرار بالمبرر. من جهتها، طالبت وزارة الخارجية الروسية، بالغاء محكمة الجنايات، كونها جهة منحازة للسياسة الأمريكية، وأنه لا بد من إيجاد بديل عنها، أكثر نزاهة وحيادية.

الوضع في حال استمراره، وعدم تدخل العقلاء من الدول، للجمه فإنه ينذر بخطر اندلاع حرب عالمية ثالثة، يستخدم فيها كل ماهو متوفر بترسانات سلاح المتصارعين، بما في ذلك أسلحة الرعب النووي، فعسى أن يتم ذلك قبل فوات الأوان، وقبل أن يجرفنا الطوفان