طائر الفنيق لن يغادر أبدا أرض الرافدين
غزاها الإغريق والفرس، ودمرها هولاكو، ووطأت أقدام جنكيز خان ثراها الطاهر، واستولى عليها الأتراك وحكموها فترة طويلة، واحتلها البريطانيون بعد الحرب العالمية الأولى وجرى تكبيلها بمعاهدات واتفاقيات وأحلاف، لكن بلاد ما بين النهرين كانت في كل مرة تبعث من جديد بعد أن ترد الغزاة على أعقابهم. وكان الغزو تلو الغزو يضيف لها حصانة ومنعة وقوة. وبذات القدر، كانت المقاومة وروح التضحية تعزز من إبائها وكبريائها وشموخها.
لن يكون احتلال الغول الأمريكي لأرض الرافدين، مهما يكن مستوى جبروت القوة والغطرسة لديه إلا واحدة من الصفحات القصيرة السوداء التي سجلها تاريخ العراق ضمن سفر ضخم حافل بالبطولات والنبوءات فيه بدءا من ملحمة كلكامش إلى انتصارات القائد البابلي سرجون وقوانين حمورابي وحتى معركة القادسية واستمرارا بتاريخ متواصل من الثورات ضد البغي والطغيان وعلى رأسها ثورة العشرين، وصولا إلى المنازلة الأسطورية الباسلة في أم قصر.
بغداد لن تتيه بوصلتها مهما زلت بها الأقدام، وسيعود طائر الفنيق مرفرفا من جديد بأجنحته فوق سمائها.
د. يوسف مكي
تاريخ الماده:- 2003-04-10