شرعية أم انقلاب؟!
بانتهاء عطلة عيد الفطر المبارك، تنتهي الفترة التي منحتها الحكومة المصرية للإخوان المسلمين ومؤيديهم، المعتصمين في دواري رابعة العدوية والنهضة، والمطالبين بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي لسدة الحكم، لفض اعتصامهم.
على الجانب الآخر، يعتبر الإخوان المسلمون، أن ماحدث بعد الثلاثين من يونيو من إزاحة للرئيس مرسي وما عرف بخطة الطريق، هو انقلاب بامتياز ضد الشرعية. ويبدو أن الأزمة بين المؤيدين لعزل مرسي، والذين اتخذوا من ميدان التحرير ومقر الاتحادية، في القاهرة مقرات لتظاهراتهم، وبين مؤيدي مرسي مرشحة لمزيد من التصعيد، بما يضاعف من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وحالة الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار التي تتعرض لها مصر، منذ أكثر من عامين.
يجادل المؤيدون لعزل مرسي، أن الإخوان المسلمين لم يتمكنوا من تنفيذ ما وعدوا به من حل المشاكل الاقتصادية التي يواجهها الشعب المصري، وأن الأزمات تفاقمت وازدادت سوءا. ويستدلون على ذلك بنقصان المواد الغذائية وارتفاع الأسعار، وغياب السولار عن محطات الوقود. ويذهبون في جدلهم إلى أبعد من ذلك، فيتهمون الرئيس المعزول بأنه لم يتصرف كرئيس لكل المصريين، بل عمل على أخونة الدولة، وتعيين أفراد الجماعة السياسية التي ينتمي إليها في أهم مفاصل الدولة، وأنه بذلك خان القسم الذي أداه باعتباره رئيسيا لمصر، ومحافظا على مصالح كل المصريين. والحديث عن أخونة الدولة طويل ومتشعب، وقد تعرضنا لبعض مظاهر الأخونة في أحاديث سابقة.
أما الإخوان المسلمون، فيعتبرون ما حدث انقلابا على الشرعية، وحجتهم في ذلك، أن الرئيس مرسي هو أول رئيسي مدني ينتخبه المصريون، عبر صناديق الاقتراع، وفي انتخابات نزيهة شهد لها العالم بأسره. وأن مرحلة ما بعد 25 يناير عام 2011، هي انتقال نحو الديمقراطية، حيث الاحتكام في تعيين الرئيس هو لصناديق الاقتراع، وليس عبر التظاهرات، والتجمع في الميادين. وبالنسبة للأزمات التي تعرضت لها مصر، فإن الأخوان يرجعون أسبابها إلى تدخل المؤسسة العسكرية أحيانا، وإلى غياب التجربة السياسية وقصر الفترة التي أمضاها الرئيس مرسي في سدة الحكم، ويعتبرونها غير كافية للحكم على أدائه.
واقع الحال، أن الأسباب التي يطرحها كلا الفريقان، على ما يبدوا فيها من وجاهة، فإنها لا تفصح عن الأسباب الحقيقية للأزمة والتي لا تزال من المواضيع المسكوت عنها. فالذين خرجوا ضد مرسي، كان بإمكانهم التريث ومنحه مزيدا من الوقت، والتعاطي معه بإيجابية لحل المشاكل والأزمات التي تتعرض لها مصر، لو اعتقدوا أنه الحاكم الفعلي لمصر.
وقد كانت الهتافات بسقوط حكم المرشد، التي طغت على كل الشعارات في ميدان التحرير، ومختلف الميادين المصرية، تعبيرا عن يقين بأن الرئيس مرسي لم يكن سوى واجهة لجماعة لم يعرف عنها في السابق أي انتماء وطني، وذريعتها في ذلك أن رسالتها عالمية، وليست محلية، وقد عبر المرشد العام للإخوان المسلمين، في أحد المناسبات، عن هذا الموقف بوضوح في تعبير غير لائق.
ذرائع الإخوان بشرعية حكم مرسي، وتوصيف ما حدث مؤخرا بالانقلاب على الشرعية، تنقلنا إلى موضوعين رئيسيين تتعلل بهما جماعة الإخوان المسلمون، هما صناديق الاقتراع والديمقراطية.
فيما يتعلق بصناديق الاقتراع، يعلم المتابعون للانتخابات الرئاسية المصرية، أنها شهدت مرحلتين. في المرحلة الأولى دخل عدد كبير من المرشحين، وكان الأكثر حظوظا في الانتخابات ثلاثة مرشحين: الأول هو مرسي، وقد حصد 5764952صوتا، ويليه شفيق وحصد أكثر من 5505327، ويليه صباحي، وحصد 4820273 صوتا. في المرحلة الثانية كسب مرسي الجولة الانتخابية بفارق ضئيل ضد منافسه شفيق.
بمعنى آخر، إن نصيب مرسي الحقيقي من الأصوات هو ما حصده في المرحلة الأولى، أما ما حصده في الدورة الثانية، والتي تنافس فيها مع اللواء شفيق، فهو رقم قريب جدا لمنافسه، الذي يفترض أن انتفاضة 25 يناير كانت موجهة ضد الجهة السياسية التي ينتمي إليها. الآخرون الذين منحوا مرسي أصواتهم، لم يكونوا يقبلون به، ولكنهم وضعوا بين خيارين أحلاهما مر. وقد وصف الكاتب عبدالحليم قنديل موقف المصريين في حينه بأنهم اختيار بين العار والفشل، وأنهم فضلوا اختيار الفشل على العار. وهو تعبير رغم عدم دقته، لكنه يعكس ما كان يفتعل في نفوس المصريين من احتقان وغضب وحيرة، وأيضا من اختلافات وصراعات ومواقف مرتبكة.
وفي كل الأحوال، فإن النسبة التي حصدها مرسي، أمام الجموع التي خرجت إلى الميادين، مطالبة بعزله، والتي قالت وكالات أنباء محايدة أنها تجاوزت الثلاثة والثلاثين مليون، وهو رقم يقترب ثلاثة أضعاف مما حصده الرئيس، تجعل من المتعذر قبول ذريعة صناديق الاقتراع، لتأكيد شرعية الرئيس المعزول.
أما الديمقراطية، فإنها كانت دائما، بالنسبة للإخوان المسلمين، بدعة غربية. وقد وقفوا طيلة تاريخهم الطويل ضدها. وكان التزام حزب الوفد بها في الثلاثينات من القرن الماضي، هو مبرر هجوم جماعة الإخوان المسلمين عليه، واغتيال بعض قياداته من قبل الجهاز السري التابع لهم. وأثناءها كانوا يمارسون تغولا غير مسبوق للسياسة على المعتقدات والشعارات الدينية.
في التسعينيات من القرن المنصرم، جاهر الدكتور عباس مدني، زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية، بأن جبهته ستعمل على الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، لكنها ستقيم بعدها حكم الخلافة وستلغي الاحتكام لصناديق الاقتراع. بمعنى آخر، أن شعار الديمقراطية، هو وسيلة للوصول إلى السلطة، فقط. وأن الأمر بعد ذلك سيكون مختلفا. وكان هذا الموقف هو من الأسباب الرئيسة لاندلاع الأزمة الدامية، في الجزائر بين المؤسسة العسكرية الحاكمة، وبين جبهة الإنقاذ. وقد ذهب ضحيتها أكثر من مائة ألف قتيل، في حرب هي أقرب إلى الحروب الأهلية، وكان شعب الجزائر هو الخاسر الوحيد من موقف الجبهة.
هل سيعيد التاريخ ذاته في أرض الكنانة، تحت شعار المطالبة بالشرعية ورفض الانقلاب، أم أن صلابة موقف المصريين ووعيهم سيتكفل بالاحتكام إلى العقل وتغليب المصلحة الوطنية على ما عداها من المصالح، ذلك ما سوف تكشف عنه الأيام القليلة القادمة.