زياد أبو عين ثبات على المقاومة
حين وصلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لمواصلة الدراسة عام 1980، كانت الجالية العربية منهمكة في توقيع عرائض، موجهة للسلطات الاتحادية، تطالب بوقف تنفيذ قرار ترحيل المناضل الفلسطيني زياد أبو عين إلى الأراضي المحتلة، وتسلميه للأجهزة الأمنية في الكيان الغاصب، حيث قضى في السجون الأمريكية والإسرائيلية قرابة ثلاثة عشر عاما.
كان الشاب أبو عين في حينه، بالكاد قد تجاوز العشرين عاما، حيث كانت ولادته في أواخر عام 1959م. وعلى الرغم من صغر سنه، غدت قضية، ترحيله للكيان الصهيوني الشغل الشاغل للإعلام الأمريكي، وكبريات الصحف العالمية. كما كانت الشغل الشاغل للمدافعين عن حرية الرأي والمناصرين للقضية الفلسطينية.
وقد نوقش القرار الأمريكي بتسليمه للكيان الصهيوني، في أعلى المحافل الدولية، وصدرت قرارات عدة من هيئة الأمم المتحدة، تطالب إدارة الرئيس رونالد ريجان بالإفراج عن المناضل أبو عين، وعدم تسليمه لإدارة الاحتلال الإسرائيلي. لكن ضغط اللوبي الصهيوني داخل أمريكا، حال دون تنفيذ ذلك القرار.
جريمة المناضل أبو عين، من وجهتي النظر الأمريكية والصهيونية، لم تختلف كثيرا عن جرم أقرانه، من المناضلين الفلسطينيين، الذين عملوا على إلحاق الهزيمة بالمشروع الصهيوني، وتحقيق الحرية لشعبهم، وإنهاء حالة النفي والاستلاب التي يعاني منها الفلسطينيون في المخيمات، بالبلدان العربية المجاورة.
لقد بدأ المناضل أبو عين مسيرته النضالية وهو لم يزل في ريعان الشباب، حيث ارتبط بحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، قبل بلوغه سن السابعة عشر. واعتقل لأول مرة، عام 1977، ثم جدد الاعتقال عام 1979. وحكم عليه بالإعدام، من غير اعتراف منه بالتهم التي وجهت له ثم خفف الحكم إلى السجن المؤبد. أطلق سراح أبو عين من السجن، في عملية تبادل للسجناء. وأعيد اعتقاله مرة أخرى، في منتصف الثمانينات من القرن المنصرم، أثناء ما عرف بالقبضة الحديدية. وكان اعتقاله قد تم بأوامر مباشرة من رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك، الجنرال الراحل، إسحق رابين، ومنع من السفر لسنوات طويلة.
وعندما اندلعت انتفاضة الأقصى الباسلة، في مطالع هذا القرن، لمع اسم الشهيد أبو عين مرة أخرى. وجرى اعتقاله إداريا من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. وبقي أبو عين شعلة مضيئة في طريق النضال الفلسطيني حتى آخر يوم من حياته، حين قضى شهيدا، في سبيل القضية التي نذر نفسه من أجلها.
شغل أبو عين منصب عضو اتحاد الصناعيين الفلسطينيين عام 1991. وفي عام 1993 تسلم منصب مدير هيئة الرقابة الداخلية في حركة فتح عام 1993، ومدير عام هيئة الرقابة العامة في الضفة الغربية عام 1994. ومنذ عام 1995، أصبح عضوا في اللجنة الحركية العليا لحركة فتح، ورئيسا لرابطة مقاتلي الثورة القدامى عام 1996، وعضوا في هيئة التعبئة والتنظيم، ورئيسا للجنة الأسرى في مجلس التعبئة التابع لفتح بين عامي 2003 و2007. كما شغل وظيفة الوكيل لوزارة الأسرى والمحررين عام 2006، ورئيسا لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان برتبة وزير في السلطة الفلسطينية عام 2014.
لم يغير أبو عين من سلوكه النضالي، وبقي وفيا لنهجه الذي بدأ به مسيرته، مناضلا صلبا في وسط الجماهير. فبقي وهو الوزير يمارس دور الشاب الذي يقود المظاهرات، ويتعرض للمطاردة وللسجن والتعذيب وقضى نحبه، جراء التعذيب الذي تعرض له في العاشر من هذا الشهر، بعد اعتداء جنود الاحتلال عليه، بالضرب وبقنابل الغاز التي أطلقت على مظاهرة شارك فيها الشهيد في بلدة ترمسعيا برام الله.
لقد تزامن استشهاد أبو عين، بتصعيد صهيوني، بتهويد القدس، وبتسعير في بناء المستوطنات بالضفة الغربية. وصدور قانون حكومي، لعرضه على الكنيست الإسرائيلي، يضفي الطابع القانوني على يهودية الدولة، ولتكون الهوية القومية للكيان الغاصب. ولتفضح زيف الديمقراطية الصهيونية، المستندة على الفصل العنصري.
وقد رأى كثير من المحللين في هذه الخطوة ما هو أقسى في نتائجه من نظام الفصل العنصري الأفريقي، الذي قبر بالنضال الأسطوري الذي قاده الراحل نيلسون مانديلا، حيث لم ينص الأخير على أن جنوب أفريقيا هي وطن للمستوطنين البيض، في حين يهدف الصهاينة، إلى جعل فلسطين المغتصبة، وطنا لليهود وحدهم، وبنص قانوني.
تزامن ذلك أيضا، مع أزمة سياسية تعيشها حكومة بنيامين نتنياهو اليمنية، بعد انسحاب وزراء من أبرز أقطابها، وقرار حل الكنيست لإجراء انتخابات برلمانية جديدة. لقد قام العدو الصهيوني، باعتداء جوي على العاصمة السورية، قريبا من مطار دمشق. وقد علق بعض السياسيين الصهاينة على ذلك، بالقول بأن نتنيهاهو قد بدأ حملته الانتخابية.
ويأتي اغتيال الشهيد أبو عين بدم بارد، ليشكل هو الأخر، جزءً من الحملة الانتخابية اليمين الإسرائيلي. والرد على هذه الحملة، فلسطينيا وعربيا، ينبغي أن لا يكتفي ببيانات الشجب والاستنكار. لا بد من تصليب الموقف الفلسطيني، والعمل على استكمال ما تحقق من الوحدة الفلسطينية. ومراجعة السياسات الفلسطينية والعربية، تجاه المشروع الصهيوني، الذي تأكد بما يقبل الجدل، تنكره لأبسط الحقوق، وللمواثيق والمعاهدات الدولية.
لقد مثل القائد المناضل زياد أبو عين قمة الثبات على المقاومة، وظل متيقنا من حتمية النصر وتحرير فلسطين، حتى آخر رمق في حياته، إلى أن استشهد حاملا معه حلمه. رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته، وألهم ذويه وأصدقائه ومحبيه الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا له لراجعون.