رحيل شارون هل هو بداية سياسة جديدة؟
الوضع الصحي الحرج لرئيس وزراء الكيان الصهيوني، أرييل شارون أثار، ولا يزال، تساؤلات كثيرة في الأوساط السياسية عن مستقبل الصراع العربي- الصهيوني، وبشكل خاص ما يتعلق بالعملية السياسية الجارية بين السلطة الفلسطينية وإدارة الاحتلال الإسرائيلي.
بعض المحللين، المتفائلين برحيل شارون، أوقعوا أنفسهم في أوهام حول إمكانية تحقيق تقدم في المفاوضات النهائية لعملية السلام، بما يحقق الانسحاب الإسرائيلي من الضفة الغربية. والغريب أن هؤلاء، كانوا حتى الأمس القريب، قد نظروا لتأسيس حزب “كاديما”، باعتباره خطوة إيجابية باتجاه الدفع بتحقيق عملية السلام.
استند المسوقون لشارون ولحزبه الجديد على انضمام شميمون بيريز، الذي يعد من الحمائم، والذي أشرف على مفاوضات أوسلو مع الفلسطينيين، لهذا الحزب. وشاركت في حملة التسويق هذه بعض النخب السياسية والاقتصادية العربية، التي عبرت عن تفاؤل مفرط في التوجهات الجديدة لأرييل شارون، وصل بها حد وصفه بالرجل “الحمائمي” و”الحميمي”، وأن لديه “توجهات تفاوضية” تقتضي مصلحة الشعب الفلسطيني إعطاءها الفرصة. واستند هؤلاء في مراهنتهم على شارون بقراره الخروج من قطاع غزة، الذي جرى تصويره بأنه تحرير للقطاع من الاحتلال، في حين أنه لم يكن، على الصعيد العملي، سوى إعادة انتشار تحول بموجبه القطاع إلى سجن كبير، خاضع للسيطرة الصهيونية. ولعل اتفاق معبر رفح، الذي جرى التوقيع عليه بعد حوالي شهر من الخروج من غزة هو الدليل على استنتاجنا هذا.
لقد أكد اتفاق معبر رفح على مشاركة الإدارة الإسرائيلية في رقابة فورية ومباشرة على الحركة خلال المعبر. ووافقت السلطة الفلسطينية على إقامة “غرفة تنسيق” بوجود ممثلين للسلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني والاتحاد الأوروبي، تنقل إليهم كاميرات منصوبة على المعبر صورا مباشرة. وكانت قوى المقاومة الفلسطينية قد أجمعت على أن الاتفاق يكرس انتهاك السيادة الوطنية وامتهان كرامة شعب فلسطين. وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية، كونداليزا رايس قد مارست ضغوطا كبيرة على الوفد الفلسطيني حين التقته في فندق الملك داوود بالقدس المحتلة لكي يوافق على البنود التي وردت في الاتفاقية. فيما يشكك ممثل الرباعية “جيمس ولفنسون” بالمهمة المسندة إليه ويذكر أنهم بقوا عشرين أسبوعا عاجزين عن اتخاذ قرار حول المعبر، إلى أن تدخلت رايس وانتزعت موافقة السلطة على الشروط الصهيونية.
الاتجاه الآخر، المستبشر برحيل شارون يسوق الكثير عن تاريخ شارون، خلال الخمسة عقود المنصرمة. ويعتبر رحيله إيذانا بمرحلة جديدة ينال من خلالها الشعب الفلسطيني استحقاقاته في الحرية والحق في تقرير المصير. وشارون، من وجهة نظر المتفائلين برحيله، هو صقر الصقور، الذي لا يضاهيه مسؤول إسرائيلي آخر في ممارسته للإرهاب وتشدده وتمسكه بالعقيدة الصهيونية. وفي هذا السياق، يشار إلى تاريخ شارون الحافل بالعدوان على العرب والفلسطينيين، فيذكر بدوره في عصابات الأرغون وطرد الفلسطينيين من أراضيهم قبيل تأسيس “إسرائيل”. كما يذكر بدوره العسكري في العدوان الثلاثي (الفرنسي البريطاني الإسرائيلي) على مصر عام1956، وأيضا دوره في حرب حزيران عام 1967. وقد كان دوره مركزيا في حرب تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973، حيث قاد الدبابة الأولى التي أحدثت ثغرة الدفرسوار. وكان هو الذي قلب معادلة العبور من مفاجأة كاملة ونصر حاسم للعرب على العدو، إلى اختراق إسرائيلي لغرب قناة السويس.
وكان دور شارون فاضحا في المجزرة التي حدثت للفلسطينيين ببيروت إثر مغادرة قوات المقاومة للعاصمة اللبنانية، والتي عرفت بمجزرة صبرا وشاتيلا. وكانت تقارير لجنة كوهان التي شكلت للتحقيق في المسؤولية والظروف التي أدت إلى المجزرة قد حملت شارون، ضمن مسؤولين إسرائيليين آخرين، المسؤولية عن المجزرة، “لأنه كان عليهم حين سمحوا لميليشيات الكتائب بالدخول إلى المخيمات أن يتوقعوا مثل هذه النتائج. “فالكتائبيون لم يخفوا عزمهم، وقد كرروا إشاراتهم إلى حاجتهم للقضاء على الفلسطينيين في لبنان. إضافة إلى ذلك، فإن بعض القادة الإسرائيليين شجعوهم بوضوح على- تطهير- للبنان من الفلسطينيين”.
ويستحضر المتفائلون برحيل شارون دوره في الانتفاضة الفلسطينية الأخيرة، التي عرفت بانتفاضة الأقصى. وكانت زيارته للمسجد الأقصى وانتهاكاته للمقدسات الإسلامية هي التي أشعلت هذه الانتفاضة. وعلى درب هذه الانتفاضة، استشهد بأوامر مباشرة منه الآلاف من المدنيين الفلسطينيين والعشرات من القيادات البارزة في حركة المقاومة الفلسطينية المعاصرة، من أمثال الشهيد أحمد ياسين مؤسس حركة حماس، والدكتور عبدالعزيز الرنتيسي قائد حماس، وأبو علي مصطفى رئيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وكثير غيرهم، بل ويوجهون أصابع الاتهام له باغتيال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.
والواقع أن الذين سوقوا لشارون، أو تفاءلوا برحيله يغيبون طبيعة المشروع الصهيوني من ذاكرتهم وحساباتهم… يتناسون أن هذا المشروع، منذ بداياته هو مشروع حرب، هدف إلى اكتساب أرض فلسطين بالقوة والاغتصاب والقهر. وأن ممارسة الإرهاب هي دعامته الرئيسية، وبموجب هذا فإن المؤشر لاستحقاق وشرعية هذا القائد الصهيوني أو ذاك هو قدرته على ترويض مقاومة الشعب الفلسطيني، أيا تكن الوسائل والأدوات، بما في ذلك ارتكاب المجازر وبقر البطون وهدم البيوت ومصادرة الأراضي الزراعية وتجريف الممتلكات ومحاصرة المدن، والتعرض للمدنيين بالترويع والقتل، ومواصلة الاعتداءات العسكرية على البلدان العربية المجاورة.
بموجب هذه المواصفات، وبقدر الدم المسكوب في إزهاق أرواح الفلسطينيين، يكتسب القائد الصهيوني شرعيته. وكان ذلك هو الأساس الذي أوصل رؤساء الحكومات الإسرائيلية إلى مناصبهم، ابتداء من ديفيد بن جوريون عند تأسيس الدولة العبرية، إلى مرحلة شارون.
استحق شيمون بيريز دوره كرئيس للوزراء وزعيم لحزب العمل، نتيجة لكونه أحد الأشخاص الفاعلين في اغتصاب فلسطين، ودوره المركزي للتخطيط والمشاركة في عدوان 1956، حيث كان آنذاك نائبا لوزير الدفاع. واستحق ليفي أشكول منصبه في قيادة حزب العمل ورئاسة الحكومة في الستينيات بسبب دوره في تأسيس الكيان الصهيوني، واستحق موشي ديان منصبه كوزير للحرب في حكومة أشكول بسبب دوره في قتل الفلسطينيين في حروب 1948 و1956. وقد أصبح البطل الصهيوني الذي لا ينازع بعد أن تمكن من إلحاق الهزيمة في ثلاثة جيوش عربية عام 1967. واستحق مناحيم بيجن منصبه في قيادة الليكود ورئاسة مجلس الوزراء بسبب قيادته لمنظمة الأراغون الإرهابية التي ارتكبت مجزرتي دير ياسين وبئر السبع، واستحق أيهود باراك منصبه في حزب العمل ورئاسة الحكومة على دوره الاستخباراتي ومشاركته الشخصية في اغتيال ثلاثة من رموز المقاومة الفلسطينية، (العدوان والنجار والشاعر كمال ناصر) بوضح النهار في مدينة بيروت ببداية السبعينيات. واستحق إسحاق رابين منصبه كزعيم صهيوني بسبب دوره كضابط، ولاحقا كرئيس للأركان قاد التوجيه في قمع انتفاضة الشعب الفلسطيني وتكسير أيدي أطفال الحجارة.
إنها إذن ليست فقط القدرة على إدارة دفة الحكم، وتحقيق قوة دفع في المفاوضات مع العرب والفلسطينيين التي ينال القادة الصهاينة بموجبها استحقاقاتهم في القيادة. وفي هذا السياق يتساوى الصقور والحمائم. أو هل من قبيل الصدفة أن يضم حزب “كاديما” صقر الصقور، أرييل شارون وزعيم الحمائم الذي قاد مفاوضات أوسلو، شمعون بيريز.. وكلاهما كان له دور في قهر إرادة الأمة العربية والسطو على أراضيها؟. وكان كلاهما مشاركا في حكومة ائتلاف واحدة، وكلاهما أيضا من الرواد الأوائل في تأسيس الكيان العبري الذي مارس عملية إحلال بشعة لشعب محل آخر، شرد بموجبها المئات من الألوف من الفلسطينيين خارج ديارهم، وما زالوا يعيشون حتى هذا اليوم على حلم العودة إلى وطنهم.
ذلك لا يعني تسليم من قبلنا بالثبات والسكون في حركة التاريخ. ولا القول بتكلس المشروع الصهيوني، فهذا المشروع منذ بدايته اتسم بالمرونة وبالديناميكية في تفصيلاته، ولكنجوهره لم يتغير أبدا.. وما دام الجوهر لم يتغير فإن من الصعوبة تصور تغير في الدعامة الرئيسية التي قام عليها المشروع، التي هي ممارسة الإرهاب والترويع والهيمنة على المنطقة العربية بأسرها. تتغير التكتيكات، وطرق الاكتساب، وتحل الهيمنة الاقتصادية والسياسية محل الاحتلال، لكن الهدف يبقى واضحا. وبموجب هذا يمكن أن يتحول مناحيم بيجن، السفاح المتوحش الذي قتل الأطفال وبقر البطون في دير ياسين إلى مفاوض بارع يعمل من أجل السلام، ويوقع اتفاقية كامب ديفيد وينال جائزة نوبل للسلام، اعترافا بدوره في تحقيق السلام بين مصر وإسرائيل. ويتحول أيضا، إسحاق رابين، قاتل أطفال الحجارة ِإلى بطل للسلام بسبب توقيع اتفاقية أوسلو وينال ذات الاستحقاقات التي نالها مناحيم بيجن من قبل.
لنبحث إذن في الإستراتيجيات والتكتيكات الصهيونية بدلا من هدر الجهد والوقت في البحث عن دور ومواقف هذا الزعيم الصهيوني أو ذاك، وعندها يتساوى، بالنسبة لنا نحن العرب، بقاء شارون في سدة الحكم أو رحيله عنه ومغادرته للعالم الآخر، ونضع التشاؤم والتفاؤل بهذا الحدث في كفة واحدة.
yousifsite2020@gmail.com
د. يوسف مكي
تاريخ الماده:- 2006-01-11
2020-06–0 1-:01
لتهامي من holland
ولا شماته في المرض
ْالا في شارون
السفاح التاريخي