دروس ديموقراطية!

0 188

شهد هذا الأسبوع تصعيدا ملحوظا في عمليات الإرهاب بحق المدنيين العزل، من قبل الأمريكيين في العراق، والصهاينة في فلسطين، بقطاع غزة بشكل خاص.

 

ففي بلاد الرافدين، وبعد مسلسل كبير من فضائح التعذيب المروع في سجون أبو غريب ومطار بغداد الدولي الأمريكية، وسجون وزارة الداخلية العراقية في الجنادرية، نشرت وسائل إعلام أمريكية عن فضائح يندى لها الجبين خجلا شملت القتل العمد لمدنيين عزلا في حديثة والإسحاقي ، كما نقلت وسائل الإعلام عن عمليات تدمير منهجي تجري الآن في مدينة الرمادي، بمحافظة الأنبار، بعد توجيه إنذارات بمكبرات الصوت للسكان من قبل القوات الأمريكية طالبة منهم الخروج من المدينة. وللتذكير فقط، فإن هذه المحافظة البطلة قد حظيت بالنصيب الأوفر، من المكرمات الأمريكية الديمقراطية، حيث تحولت بعض مدنها إلى ركام من الأطلال يخرج من أنقاضها أشباح المقاومين، ليحيلوا الأرض سعيرا تحت أقدام الغزاة، وشرد عشرات الألوف من أبنائها ليعيشوا في مخيمات وأوضاع قاسية ومزرية، تجعلهم لا ينسون إلى الأبد، أهم مقدمات دروس ديمقراطية اليانكي الأمريكي. وتتناقل مصادر مقربة من الجيش الأمريكي الحديث عن عملية تحرير كبرى جديدة لمدينة بغداد.

 

في العراق أيضا، كما في واشنطون، كان هناك كرنفالا ضخما، وفرحة كبيرة، خاصة لدى الإدارة الأمريكية، والقوى المردوفة من قبلها، ابتهاجا بمصرع “أبو مصعب الزرقاوي، قائد تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، الذي تطلب القضاء عليه تدمير ثلاثة منازل سكنية على من فيها، بقصف جوي نفذته طائرتان حربيتان، في وضع استعراضي أريد منه أن يدعم رئيس الوزراء الجديد المعين، وأن يسهم في تحسين صورة الرئيس الأمريكي، جورج بوش داخل بلاده، والتي وصلت إلى الـ 30%، وهو أمر يجعل الرئيس الحالي الأول دون منازع، من حيث تدني مرتبته بين الرؤساء الأمريكيين.

 

ويبدو أن صانعي هذا الكرنفال قد تناسوا أن وجود المنظمات والميليشيات المسلحة في العراق، هوأحد إفرازات الإحتلال الأمريكي لهذا البلد العريق، وأن شخصنة المقاومة لن تؤدي إلى تحجيمها. إن التسعير الطائفي الذي يشهده المسرح العراقي منذ ثلاث سنوات هو النتيجة الطبيعية المنسجمة مع العملية السياسية التي بدأها المندوب السامي، برايمر المستندة على المحاصصات الطائفية والإثنية. وإذا ما سلمنا بقانون أرخميدس القائل بأن لكل فعل رد فعل، فإن الصراع الطائفي المحتدم الآن في العراق، يأتي في سياق موضوعي وصحيح. وهو صراع لا يتحمل طرف أو لون واحد مسؤوليته، فالقتل على الهوية يطال مختلف مكونات النسيج العراقي دون استثناء. والخروج من هذا المأزق ليس رهن بانتصار المشروع “الديمقراطي” الأمريكي، الذي تعلمنا منذ احتلال العراق أولى أبجدياته، ولكن من خلال سيادة مفهوم المواطنة، وعودة العراق حرا عربيا مستقلا موحدا، ووطنا لكل العراقيين.

 

في فلسطين، صعد الصهاينة من تلقينهم دروس الديموقراطية لشعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة. فبعد انتصار حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الإنتخابات النيابية، وحصولها على الأغلببية في المجلس التشريعي الفلسطيني، ومن ثم تكليفها بتشكيل الحكومة، وترأس السيد إسماعيل هنية، من قيادات حماس، لرئاسة مجلس الوزراء، بدأت حملة صهيونية أمريكية مشتركة لمحاصرة نتائج الإنتخابات. وقد حدثت تلك المحاصرة، رغم أن حركة حماس قبلت بهدنة طويلة مع العدو، والتزمت بها منذ أكثر من عام ونصف العام. وكنا قد رأينا في وصول حركة حماس إلى الحكم، كما رأى غيرنا من المراقبين والمهتمين، فرصة ذهبية بالنسبة للصهاينة، لكي يزيحوا عن طريقهم خصما عنيدا، قدم عددا كبيرا من خيرة مناضليه، قادة ومقاتلين، من الشهداء. وأن هذه مناسبة لا تعوض لكي “يجنحوا للسلم” ويقبلوا ببنود المبادرة العربية، المستندة على خطة خارطة الطريق، التي هي في الأصل مشروع أمريكي أطلقه جورج بوش. لكنهم اتجهوا نحو المزيد من الإرهاب والتدمير للقطاع والقرى والبلدات الفلسطينية.

 

لقد كان المشروع الصهيوني منذ البداية، ولا يزال، مشروع حرب، وكان ذلك سر قوته، كما كان سر ضعف المشروع العربي والفلسطيني، أنه لم يتمكن من توفير المستلزمات المادية والموضوعية لمواجهة المشروع الصهيوني. وكان اختيار هجوم السلام، حسب تعبير الرئيس الراحل ياسر عرفات، في الربع قرن المنصرم، قد جعلنا نركض سريعا، باتجاه التفريط بالأرض والهوية والثوابت. وإذا ما استمرت الأوضاع على حالها، فسوف لن يتبقى لدينا شيء ندافع عنه.

 

وهكذا، وانسجاما مع مشروع الحرب، قرر الصهاينة والأمريكيون معاقبة الشعب الفلسطيني على ممارسته لحقه في الإختيار، وانتخابه لقيادة حماس. وفرضوا حصارا اقتصاديا قاسيا عليه. جمدوا أموال السلطة الفلسطينية، ومنعوا وصول المساعدات والتحويلات المالية للفلسطينيين. وتضامن معهم الأوربيون فأوقفوا مساعداتهم للسلطة الفلسطينية، ومارسوا التجويع بحق الشعب المظلوم. وانتقلوا بعد ذلك إلى التهديد بقتل قادة حماس، وقتل المسؤولين الأمنيين الذين تعينهم الحكومة الفلسطينية، إذا لم تقدم حماس تنازلات باتجاه الإعتراف بمشروعية اغتصاب الصهاينة لفلسطين. ومارست للأسف بعض الدول العربية ضغوطا كبيرة على قادة حماس لدفعهم الى القبول بالشروط الإسرائيلية لفك الحصار. وحين رفضت هذه القيادة الخضوع، بدأ التنفيذ الفعلي للتهديدات.. بدأت وتيرة الإرهاب والقتل في التصاعد، وجرت خلال الأيام القليلة الماضية حملة اغتيالات واسعة. وشمل مسلسل الترويع الصهيوني قياديين في حركتي حماس والجهاد الإسلامي من أمثال الشهيد جمال أبو سمهدانة، أمين عام لجان المقاومة الشعبية، والشهيد عمار شهاب أحد قياديي كتائب الأقصى الجناح العسكري للجهاد..

 

وعادت صور التلفزة لتذكرنا بالطفل الشهيد محمد الدرة، في الأيام الأولى للإنتفاضة الفلسطينية الثانية، حيث قتل وهو في حجر والده.. هذه المرة صورة أعتى وأفضع، رب عائلة يأخذ أطفاله في نهاية الأسبوع إلى الشاطيء ليقضي وقتا ممتعا وسعيدا مع عائلته.. تنقض الطائرات الإسرائيلية عليهم، وتمزق أجسادهم إربا إربا، والصبية الغضة هدى التي لم تبلغ بعد العشرة أعوام تشهد بأم عينها هذه الملهاة الصهيونية.. هذه الجريمة البشعة، تصرخ بأعلى صوتها تنشد الإستغاثة من قادة وشعوب عربية أودى بها الصمت العاجز إلى التفريط بكل شيء حتى لم يعد لديها نخوة أو حمية.. وكان الرد الرسمي الوحيد على هذه الجريمة البشعة قد جاء من واشنطون على لسان الرئيس بوش، الذي أكد مشروعية قتل أفراد هذه العائلة، لأنها تأتي في إطار الدفاع عن النفس الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية.

 

لقد مارس الشعب الفلسطيني حقه الطبيعي الذي نصت عليه المواثيق الدولية، في اختيار من يراهم جديرين بتمثيله، ومارس دوره الحر، واكتشف الأمريكيون بعد فوات الأوان، أن السحر قد انقلب على الساحر، فكان أن تصرفوا بالضد من المبادىء التي يدعون الدفاع عنها.. تصرفوا بهسترية تفصح بما لا يقبل الشك أو الجدل أن الديمقراطية التي يتطلعون إلى تحقيقها في المنطقة هي تلك التي تنسجم مع أجندتهم، وليس لها علاقة البتة بمصلحة أبناء هذه المنطقة والحفاظ على ثوابتهم.

 

ومن جديد يطلب من الفلسطينيين تحت يافطات غريبة العودة إلى المنطق الديمقراطي، عبر الإستفتاء، وتحت ذريعة التسمك بالحوار الوطني، لتمرير عملية الإعتراف باغتصاب الصهاينة لأرض فلسطين. ويستخدم المحرضون على التسليم قداسة الشهيد والأسير، وقوة حضورهما في وجدان الشعب الفلسطيني والعربي.. وتتنبه قيادة حماس لهذا الأمر، فتقوم هي الأخرى، بإصدار وثيقة أسير فلسطينية تطالب بالثوابت والتمسك بالحقوق، في أداء مماثل لـ “اللعبة الديمقراطية”.

 

هكذا إذن تنهال علينا دروس الديمقراطية الأمريكية، بأشكالها الفظة والقبيحة، وبحضورها الكاريكاتوري المروع من بلاد الرافدين وأرض القداسات، لتؤكد من جديد كيف يقدم أعداء الأمة السموم القاتلة في أردأ أنواع العسل، وليتضح للجميع أن السير نحو الديمقراطية هو عملية تحول تاريخي عسير، وأنه انتقال في مراكز القوى، وتغيير في الهياكل الإجتماعية، وأنه حالة تواصل مع موروث حضاري عريق، وأنه أيضا دفاع عن هوية وثوابت، وصولا إلى مرحلة يتمكن الإنسان فيها بجدارة أن يستل حقوقه ويفرض إرادته، مؤمنا أن الوطن الحر هو وحده الذي يستطيع المرء فيه أن يمارس حريته، وليس عن طريق المناطق الخضراء أو الرمادية، ولا من خلال هيمنة جيوش الإحتلال، وغطرسة القوة، وتلك أولى الدروس الحقيقية في ممارسة الديمقراطية.

 

yousifsite2020@gmail.com

 

 

د. يوسف مكي

تاريخ الماده:- 2006-06-14

 

2020-06–0 6-:03

فؤاد محمد السايس من اليمن السعيد

لقد قمت بربط مصير الديمقراطية في المنطقة العربية واختيار العراق وفلسطين كنموذج يكاد يكون متشابه من حيث الظرف فالعراق خضع للاحتلال البريطاني في اوائل القرن المنصرم وتم احتلال فلسطين ايضا في تلك الفترة نعم العراق باستقلاله وتم اخضاع فلسطين للهيمنة الصيهونية واقامة كيان مغتصب ظالم, وفي ظروف مشابهة اخضع العراق للاحتلال الانجلو امريكي بتخطيط واتفاق مع مجرم الحرب شارون, ويكاد وجه ممارسة التنكيل وجرائم القتل في محصلته الاخيرة واحدة, وصنوف التعذيب التي تمارس في العراق شبيها بما يحدث في فلسطين فتعرية الاسري وتجويعهم وتعريضهم للمهانة ووضع الاكياس علي الرقاب واصناف التعذيب تمارس في القطرين , هدم المنازل وتشريد الاسر ونقاط التفتيش في الطرقات العامة وعرقلة حرية التنقل تكاد تكون متشابها ناهيك ان التكتيكات العسكرية التي تمارس في احتلال المناطق ودخول المدن وقصف المنازل بالطائرات هي بالمطلق واحدة , اذا هذا الربط يؤكد ان الهدف من كل هذه الممارسات هو طمس الهوية العربية وتفكيك الكيان العربي وهدم ارادة الانسان العربي ووأد مقاومته .

فمشروع نشر ثقافة الديمقراطية التي تبنته الادارة الامريكيه وان كان يحمل في طياته تباشير وقد يكون فيه نقلة حضارية كبيرة لمجتمعنا العربي الذي ثئم حكم الفرد وتكميم الافواه وامضي جل ايام عمره يقاوم القهر والاستبداد ويكابد اثار العوز والمرض ووجد في المناخ الديمقراطي الحلم الذي قد يغير وضعه ويحسن ظروف معيشته ويبني حلم تقدم وطنه وتحرره من العبودية الفرديه وصولا الي بناء الذات والمقومات التي تؤهله الي تحرير الارض من دنس المعتدين المارقين الصهاينة, الا ان هذا الحلم الديمقراطي الاتي بدبابة امريكية وقيادة صيهونية اجهض حلم هذا المواطن الضعيف وحول احلامه الي اضغاث احلام بل الي كوابيس لا ينفك منها الا ذعرا مما يراه من اثار التدمير البشع والقتل العشوائي المجرد من الانسانية والترويع الغير مبرر. . فأضحي المواطن العربي يخشي الديمقراطية الامريكيه بل ويقاومها بقدر المستطاع من خلال الهامش الديمقراطي المقنن وعبر وسائل تكاد تكون محصورة لفئة معينة تستطيع ان تمارس حقها في التعبير, ان هذا الرفض لتباشير الحرية المزعومه التي يروج لها بوش واركان ادارته مؤده عدم مصداقية الاقوال بما يمارسونه من افعال شنيعة تجاه اهلنا في العراق وفلسطين, ونحن في ظل هذا الرفض لمثل هذا النوع من الديمقراطيه لن نتنازل عن حقنا في التعبير والتغيير صوب مناخ ديمقراطي امن يؤمن لشعوبنا حقها في المشاركة في واقع حالها المستقبلي وبناء مقومات عصر نهضتها والتطلع الي بلوغ سبل التقدم والرقي وبناء الانسان العربي القادر علي التعامل مع كل معطيات التكنولوجيا والالة الصناعية الحديثه والبعد مسافات بعيدة عن التخلف والمرض والفقر, لذلك هي دعوة عبر منبرك النير نوجهها الي شباب هذه الامة ونقول لهم ان مشروع بني صيهون وقتي وهو زائل لا محالة وان عصر الديمقراطية المبشر عنه عبر تلك المكروفونات الموضوعة علي الدبابات الامريكية التي اجتاحت بلاد الرافدين وقتي ايضا وزائل لا محالة وان حضار سبعة الاف عام لها مقومات الثبات والاستمرار وانطلاقتها بأيدينا نحن وليس بهم ولكن علينا قبل البدء والانطلاق الشروع في هدم اثار الاتفاقيات المشئومه التي انعقدت مع العدو ولا زال ينبري لها البعض ويقدس حروفها ويريد ان يلزمنا بها وهي ليست منا وعلينا عدم قبولها لانها تمثل فئة ظالمة فاسدة عفي عليها الزمان وعلينا معرفة مبتغي احتياجنا الفعلي ورسم مستقبلنا وتطلعات امتنا في الحياة ووفق ذلك بناء الحاضر المؤدي الي مستقبل يملؤه الامل والتفاؤل وبداية هذه الامال خطوة وعمل جاد ومخلص لتخليص امتكم من نير الاستعمار وقهر العدوان وبطش الحكام .

 

2020-06–0 6-:04

د.محمد جواد فارس من العراق

عزيزي د.يوسف

تحية طيبة وسلمت يداك وكنت موفقا في فضح زيف ديمقراطية الامريكان الزائفة والممارسات الصهيونية في الاراضي المحتلة وكل القومين والوطنيين الشرفاء مدعوين الى ان تحذوا حذوكم وتوقف المجازر والتي هي فعلا جرائم العصر .وهل ايها الصديق:امن سمت العصر ان النسور توصوص تحت جناح القطا .ارسلت لكم مقالة املي ان تنشر

 

2020-06–0 6-:04

علي الكاش من اليونان

بوركت أستاذ يوسف، فأن أختيارك لهذا العنوان بحد ذاته مقال وله معنى ودلالات كبيرة يفهمها كل من له حسّ وطني وقومي وإنساني، وينطبق أحيانأً على هذا الأختيار المثل القائل ” الكتاب باين من عنوانه”، ويرى بعض الأدباء، ان المقال الجيد مثل قالب الكيك، فأنك لست بحاجة الى أن تأكله بأجمعه حتى تحكم على مذاقه0

من المؤسف أستاذي العزيز لقد كان مذاق الديمقراطية في العراق الجريح مرّاً علقماً لا تقل عنه مرارة العراقيين أنفسهم وهم يتذوقون علقم الديمقراطية على الطراز الأستعماري كل يوم بل كل ساعة 0

لقد سبحنا في الأيم العالمي للمفاهيم السياسية شأننا شأن الغير علنا نجد موجة تدفعنا الى الى ما نصبو اليه، ومابين موجات الديمقراطية والبيروقراطية والتكنوقراطية والأوتوقراطية وألأروستقراطية وجدنا أنفسنا في قاع الأمبريالية 0

لقد عشنا مع مفهوم الديمقراطية كثيراً وتعلمنا أبجديتها التي تتخلص في حكم الشعب نفس بنفسه، وعرفنا الجذور القديمة للمصطلح الأغريقي فديمو تعني الشعب وكراتس تعني السيادة، ورغم أن المفهوم بحد ذاته لم يكن ديمقراطياً لأنه لم يستوعب النساء والعبيد والأجانب والأطفال الذين أستبعدهم من الحكم، لكنه يعتبرفعلاً حجر الأساس للتطورات التي تلته للمفهوم، ولما كان من الصعب أن تحصر إرادة الشعوب جمعاء بسبب التزايد السكاني والتوسع الجغرافي، فقد تطور المفهوم ليعني نواب الشعب أو ممثليه الذين لهم الحق في التعبير عن إرادة الجماهير، وحتى يكون هؤلاء فعلاً معبرين عن هذه الأرادة، كان لا بد من أن يتم إنتخابهم من قبل الجماهير، أنه أشبه بالعقد الأجتماعي الذي تحدث عنه جان جاك روسو في كتابه الموسوم ” العقد الأجتماعي ” والذي بتصوري أنه من الأفضل في العراق أن يقوم مجلس النواب بتوزيعه على المسؤولين العراقيين كي يفهم كل منهم حقوقه وواجباته من كتاب كتب منذ أكثر من قرن ونيف، علهم يستفيدون ويفيدون! المهم أن عاملي السكان والجغرافية إضافة الى تشعب أعمال الدولة وتوسعها لتشمل الكثير من الخدمات، وحاجتها الى مستويات عالية من الكفاءة والتأهيل لأدارة الدولة، أدى الى ظهور ما يسمى بالـ ( الديمقراطية غير المباشرة) التي تعتمد أسلوب التمثيل الشعبي من خلال مسميات متعددة مثل المجلس الوطني والجمعية العامة ومجلسي النواب والشيوخ ومجلس الأعيان أو مجلس الأمة والأدارات المحلية والمجالس البلدية وغيرها من التسميات التي تصب في رافد واحد 0

ولغرض تأمين إنسيابية العملية الديمقراطية فقد برزت ظاهرة الأقتراع الذي أتخذ الشكلين السري والعلني، لضمان النزاهة والشفافية في إختيار ممثلي الشعب، ورافقت هذه التطورات مراسيم تتعلق بصناديق الأقتراع ومواصفاتها إضافة الى شكل ورقة الأقتراع وما تتضمنه وكيفية إحتساب الأصوات وتصنيفها وتبويبها وفرزها وإظهار نتائجها للرأي العام، ومصطلحات جديدة كالناخب والمنتخب والعملية الأنتخابية والورقة الأنتخابية والدعاية الأنتخابية، والمفوضية المشرفة على الأنتخابات، ومراقبوا الأنتخابات وغيرها، وأكاد أن أجزم إن الشعب العراقي على دراية وخبرة كبيرة بهذه الأمور فخلال سنة واحدة جرت فيه ثلاث عمليات إنتخابية والحمد لله، وهذا دليل كبير على النهج الديمقراطي لبناء العراق الموحد الديمقراطي الفدرالي، حسب التسمية الجديدة، رغم التباين بين المفاهيم الثلاثة، ويفهم الكثير بأن الديمقراطية أتخذت ثلاثة أشكال بحسب النظم الأجتماعية، فأي ديمقراطية في العالم تتأثر بأيدلوجيا الدولة ونهجها السياسي في إدارة الدولة وشؤون الشعب، ففي النظام الليبرالي، تعتبر الديمقراطية قيمة إنسانية كبرى وهي تنظم العلاقة ين الدولة والشعب، وتنطلق من مفهوم الحريات الأساسية التي توفرها الدولة لمواطنيها وغيرها من الحقوق السياسية والمدنية، وفي الوقت الذي يفتح فيه الغرب الليبرالي الباب لمصرعيه للديمقراطية، فأن المفهوم الأشتراكي يشرط هذه الديمقراطية بالبنى الأقتصادية والأجتماعية والثقافية لذا فهي حسب هذا المفهوم غير مطلقة، ويرى أصحاب هذا الرأي ان النظام الليبرالي يتحدد بالعامل السياسي وأن مفهومهم يعني بالعامل السياسي الأجتماعي، بأعتبار أن المفهوم الأول يؤدي الى تكريس الهيمنة الأمبريالية ويجعل مؤسسات الدولة مجرد هياكل لخدمة أغراضها، وما بين صراع المفاهيم ظهر شكل ثالث للديمقراطية تزعمته الحركات الثورية في دول العالم الثالث، وهو يجمع مابين الأثنين، فلا إطلاق كامل لحد الأنسياب ولا تقييد كامل لحد الأستبداد، لذا ظهر على السطح ما يسمى بالديمقراطية المركزية، وبالتأكيد ان الدول التي كانت خلال صراع القطبين، قد أتخذت طريق عدم الأنحياز أنظوى الكثير منها تحت هذا المفهوم، ولا سيما أن تجربتها الديمقراطية لا تزال في المهد، وان الظروف الأقتصادية والأجتماعية والثقافية تجعل الجرعات المتزايدة من الديمقراطية في مجتمعاتها تؤدي الى الخلل وليس الى العافية، متذرعة في أن لكل نظام سياسي ظروفه الخاصة، التي تختلف عن ظروف غيره من البلدان، بحكم تباين الظروف التأريخية والسياسية والأجتماعية، مما يتعذر الأخذ بمبدأ القالب الواحد، فالذي ينطبق هنا، قد لاينطبق هناك، والصالح هنا ، قد يكون مؤذ في مكان آخر 0

وبلا شك أن الديمقراطية تستلزم عدد من الشروط الموضوعية التي يمكن أن تجعلها معطاة، ومنها السيادة الوطنية وإرتفاع مستوى الوعي السياسي والثقافي لدى الشعوب والنضج الفكري لأستيعاب أكبر مساحة ممكنة من الديمقراطية إضافة الى الشعور بالمسؤولية بين أبناء الوطن الواحد، والدراية بالحريات الأساسية وحدودها، ونستذكر معاً أبان الثورة الفرنسية التي أرست مفاهيم الحرية ومنها الحرية الشخصية، حدث أمر أصبح فيما بعد من أهم مباديء الحرية ويردده الفرنسيون أنفسهم، والحدث أن أحد المواطنين أوقف رجل في الشارع دون معرفة سابقة، ولطمه بيده على وجهه، فأستغرب الرجل فعلته، ولكن بهدوء تام سأله : لم صفعتني ؟ فأجاب المواطن : انها حريتي الشخصية ! فردّ الرجل نعم لك مطلق الحرية في التصرف لكن بالشأكل الذي لا يصطدم مع حرية بقية المواطنين إن ( حرية يدك تنتهي حيث تبدأ حرية وجهي) !!

ورغم ان هذه الشروط متشابكة مع بعضها بالشكل الذي يصعب فيه حسب المصطلح العسكري ” فك الأشتباك ” بأعتبار ان رفع أحدى هذه الركائز من شأنه أن يهوي البنيان الذي فوقه، لذا سنحاول ان إلقاء نظرة مبسطة عنها، ونبدأ بمفهوم السيادة وتطبيقه في العراق 0

من خصائص أي دولة في العالم أن تكون لها سيادة ، وهذا يعني أن يكون لها الحق في صياغة سياستها الداخلية والخارجية, بحيث تساوي بقية الأمم ويصف الكاتب السياسي الشهير أوستن رني في كتابه سياسة الحكم هذه الحالة بقوله( إن كل أمة من الأمم لها السلطة الشرعية العليا في شؤونها الخاصة وهي من هذه الوجهة على قدم المساواة التامة مع أي أمة أخرى)) .

وهذا ما يعرف ب(( مبدأ مساواة الأمم في السيادة)) حسب تفسير القانون الدولي. ويرى بعض المختصين بأن مفهوم السيادة المطلقة أمسى مفهوماً غامضاً يتراوح بين المد والجزر في ممارسته، فمع التطورات التي شهدها العالم في العقود الأخيرة، وتنامي مفاهيم حقوق الأنسان والحرب الوقائية والعولمة وغيرها من المفاهيم، أصبح مفهوم السيادة في وضع قلق وغير مطلق، على سبيل المثال يرى منظرو حقوق الانسان، إنه ليس من حق الدولة أن تنتهك حقوق مواطنيها في داخل أراضيها وتمنع الآخرين ( دول أو منظمات) من مسائلتها بحجة السيادة ومبدأ عدم التدخل في شؤونها الداخلية، كما إنه ليس من حق الدولة أن تعزل نفسها عن ثورة الأتصالات والمعلومات، بحجة عدم التوائم بين سياستها الداخلية والعولمة فالعالم أصبح قرية صغيرة، كما إنه ليس من حق الدول في العالم الثالث أن تطور أسلحة التدمير الشامل وتنأيها عن الرقابة الدولية، كما أنه من حق الدول الكبرى أن توجه ضربة إستباقية لدول أخرى عندما تهدد مصالحها الكبرى ، لذلك يمكن تسمية هذا العصر ب( عصر أفول السيادة الكاملة).

الحقيقة إن مطالب الشعوب ناقصة السيادة لايمكن تلبيتها، من حيث رفع المستوى المعاشي والأقتصادي، أو الحصول على الحقوق الكاملة في الأقتراع والأنتخاب وأختيار نوع الحكم الذي يرغب به الشعب، وإعطاء الشعب حقه في تقرير مصيره ، وبسط حالة من الأستقرار والأمن في ربوعه، ووضع خطط تنمية أقتصادية متكاملة والحد من الأزمات الأقتصادية كالبطالة والتضخم، وكذلك المحافظة على ثروات الأمة، وتحقيق أكبر قدر ممكن من المساواة والعدل والحرية والديمقراطية، فالخيار ليس خيار الشعوب وإنما خيار قوى الأحتلال، لذلك فإن الأستقلال السياسي والأقتصادي هو الذي يحافظ على كيان الدولة وقيمها الأساسية.

ولنطبق هذه المعاييرعلى العراق، فهل العراق بلد ذا سيادة كما تدعي الولايات المتحدة الأمريكية وعملائها في العراق؟ أم إنه بلد محتل من قبل قوات أجنبية ؟ لاشك أن الرجوع الى الميثاق الأمم المتحدة هو الفيصل الحاسم لهذا التعريف ومن خلال قراءة ومراجعة مبسطة، سنجد أن العراق بلداً محتلاً، رغم ان الأمم المتحدة نتيجة للضغوط الأمريكية والبريطانية – تدفع الولايات المتحدة حوالي (35 %) من نفقات الأمم المتحدة – قد ساهما بشكل كبير في شرعنة الأحتلال الأمريكي للعراق، كما ان جميع الخبراء القانونيين يؤكدون بأن العراق ناقص السيادة حسب تفسيراتهم القانونية، وان البعض منهم كان أكثر واقعية، عندما اعلن بأن مقاومة المحتل يعتبراً قانوناً مشروعاً للشعوب، ولا ننسى أن الرئيس الأمريكي، في احد لقاءاته الصحفية ذكر بأن الولايات المتحدة لو أحتلت فأنه سيكون من أول المقاومين لقوى الأحتلال!! من المعروف منطقياً بأن وجود اكثر من (150000) جندي أمريكي على ارض العراق، مع عدد غير قليل من القوات المتحالفة معه يناقض مبدأ السيادة حتى لو كان بناءًا على طلب من الحكومة العراقية، لأن الحكومة نفسها هي من خلق قوات الأحتلال وليس الشعب العراقي، والذي يؤكد هذا الجانب أنه في إستطلاع قامت به احدى المؤسسات الأمريكية على شرائح من المجتمع العراقي، تبين أن أكثر من 70% من الشعب يرفض وجود قوات الأحتلال على أرضه؟

ومن المعروف أنه في الوقت الذس سلمت الأدارة الأمريكية الوزارات العراقية السيادة بكرنفال إحتفالي صوري بائس، فأن الوزراء والمسؤولين العراقيين أدرى من غيرهم، بأنه في كل وزارة يوجد منسق أمريكي يصول ويجول في الوزارة وهو الآمر الناهي، وليس الوزراء سوى دمى تحركها خيوط هؤلاء المنسقين، ولم تخف قوات الأحتلال تدخلها في رسم الدستور العراقي وما تضمنه من هفوات وأخطاء أقل ما فيها سلخ العراق من نسيجه العربي ووضعه على نار التفتيت الفدرالي والعنف الطائفي ليسخن بهدوء على الطريقة الأمريكية، وان اليهودي نوح فريدمان، يستحق جائزة نوبل لأعداده هذا الدستور بالمشاركة مع بريمر الذي سوقه الى عملائه في لجنة صياغة الدستور، ولا اعرف حقاً ما الذي صاغته اللجنة، طالما انه كامل الصياغة ومزداناً بالنقوش الأمريكية والأسرائيلية ؟ ولم تكتف قوات الأحتلال بذلك بل قامت بالتدخل السافر في العمليات الأنتخابية الثلاثة بشكل خطير، وكانت آراء بريمر وزادة موضع التنفيذ الذليل من قبل المسؤولين العراقيين، الذين لم تصب ذرة عرق من جباههم وهم يرون حقيقة ما جرى في الأنتخابات وما افرزته من مصائب، وأي عرق هذا بعد داس الأمريكان رؤوس البعض منهم بأحذيتهم النجسة 0

وكان لممثل الرئيس بوش في العراق خليل زادة حضوراً مميزاً في كل الفعاليات العراقية، السيئة منها والجيدة من وجة النظر الأمريكية، وكدليل على هذا التدخل الذي يتناقض مع السيادة أن الكيان العراقي مباحاً أمام الأمريكان، فلا توجد محضورات أمامهم، فلديهم حريتهم في العبث بما شاءوا وإنتهاك الحرمات من خلال المداهمات للمناطق السكنية وقصف المدن العراقية بالأسلحة المحرمة دولياً كالقنابل الفسفورية التي ألقيت بشكل مرعب على الفلوجة، وكذلك اعتقال المدنيين وسجنهم في سجون خاصة ليس للمسؤولين العراقيين أية صلة بها، كما ان مطارات الدولة وموانئها تحت السيطرة الأمريكية وليست العراقية، فالمجال الجوي العراقي محصوراً بيد الأمريكان، وفي الزيارة الأخيرة للرئيس بوش الى العراق، حطت طائرته في مطار بغداد دون علم الحكومة العراقية، وفوجيء الرئيس الطالباني ورئيس الوزراء المالكي بهذ الزيارة غير المتوقعة، والتي لا يتعدى كما قالت المصادر الأمريكية العارفين بها أكثر من عدد أصابع اليد الواحدة؟ فهل هذه هي السيادة ؟

وهناك حكاية أخرى لا تقل أهمية عنها، نقلت عن السيد حسن العلوي، وهو احد المعارضين العراقيين في زمن النظام السابق، ففي صحبته للأذاعي الأمريكي بوب بريلي رئيس إذاعة صوت امريكا السابق في الكويت لعقد لقاء مع المندوب السامي الأمريكي بول بريمر في القصر الجمهوري العراقي، وجدا عدد كبير من رؤساء الكتل السياسية يقفون في مدخل مكتب بريمر وهم يتصببون عرقاُ لأنقطاع التيار الكهربائي، وسأل العلوي بعضهم عن سبب وقوفهم هنا، فهمس احدهم أنهم بأنتظار خروج صاحب الجلالة بريمر لتحيته، وفهم بريلي هذا الموقف العجيب المتخاذل، وألتفتت للعلوي سائلاً ” هؤلاء هم الذين سيحكمون العراق!! مبروك عليكم” ؟؟

ومن مظاهر السيادة، أيضاً أعتذار الرئيس الطالباني للسفير زادة عن تجاوز رؤساء بعض الكتل السياسية في تصريحاتهم على شخصه، ومطالبتهم بطرده من العراق وبحضورهم رفض زادة الأعتذار، مهدداً بأنه سيعرف كيف يرد عليهم مستقبلاً، في حال تكرار فعلتهم، وسيعيدهم الى صوابهم، ويعرفهم من بأمكانه أن يطرد الآخر من العراق، مطالباً أياهم بأحترام أنفسهم، مذكراً ” نحن الذين جئنا بهم وفتحنا لهم أبوب العراق والعمل والحرية والمناصب، ولو رفعنا عنهم حمايتنا لن يبقى واحد منهم في العراق لساعة واحدة ” ؟

من مظاهر السيادة في العراق، ما حدث في البصرة، عند إلقاء الشرطة العراقية القبض على أثنين من الأنكليز المتنكرين بزي عربي، وقد اصطدموا مع الشرطة تاركين قتيل وعدد من الحرحى، وبعد إستسلامهم تبين انهم يحملون متفجرات وأسلحة متوسطة، وقد احالتهم الشرطة العراقية الى سجن المعقل لغرض التحقيق ومعرفة ملابسات القضية، وبعد أيام قليلة قامت القوات البريطانية بهجوم مسلح على السجن أستخدمت فيه الدبابات وتم تحرير السجناء الأثنين وترحيلهم الى البلد الأم، وأسدل الستار على القضية والمدهش في الأمر ان الحكومة العراقية الجمت التظاهرات التي خرجت في البصرة منددة بأنتهاك السيادة العراقية وتدمير السجن وتحرير المجرمين، بل ان الجعفري بأعتباره رئيساً للوزراء اكد وهو في بريطانيا بأن الحادث بسيط، ولا يستدهي التضخيم الأعلامي! وأنه سوف لا يؤثر على العلاقات القوية بين العراق وبريطانيا ؟؟

من مظاهر السيادة00 الدعوة المبطنة للسيد عبد العزيزالحكيم والتي جاءت بوحي من الدولة المارقة أيران للتحاور مع الشيطان الأكبر في الشأن العراقي، دون الأشارة الى مشاركة العراق في المفاوضات رغم إن القضية شأنه المباشر، وذلك لحل الخلافات بين الجانبين ومنها الملف النووي الأيراني على حساب العراق!! ومن مظاهر السيادة عدم معرفة وزير النفط العراقي بعائدات النفط فهي تصدر تحت سلطان الولايات المتحدة ؟

وأخيراً وليس آخراً هناك الكثير من الأمثلة التي تبين بطلان السيادة في العراق يلمسها الأنسان العادي كل يوم، وإذا أردت أن تستفهم عن حقيقية السيادة فأفضل ما تفعله أن تسأل مواطن عراقي عنها وسيجيبك بأبتسامة هادئة ” يا معود يا سيادة خليها سنطة” بمعنى الكلام بيني وبينك لا توجد سيادة 00

لاشك أن السيادة تحتاج بعد هذا كله الى من يحميها ويصونها، فهل يستطيع الجيش العراقي وهو يحبو ولم يتمكن بعد من الوقوف على قدميه، إلا بالأستناد على الحجلة الأمريكية من صيانة وحفظ سيادة العراق ؟

الحقيقية التي لا تحجبها الشمس هي 00لا توجد سيادة مع وجود قوات الأحتلال، وان الذي ينكر ذلك ننصحه بالأقتراب من أية دورية امريكية في العراق، لأنها ترفع شعار الموت عند الأقتراب منها، وعند ذلك سيتبين له حقيقية السيادة ولكن ليس في حياة الدنيا بل الآخرة !

 

 

2020-06–0 6-:06

أحمد الكناني من العراق

ماذا عن المقاومة المتعلقة بتفجير الجوامع؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

اثنان × خمسة =


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

د.يوسف مكي